هل تنجح المقاربة القطرية في كسر عزلة أفغانستان؟

حققت قطر خرقا دبلوماسيا جديدا في جدار الخلاف المرتفع بين الولايات المتحدة وحركة طالبان بعدما أجرى رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مفاوضات سرية مع زعيم الحركة الأفغانية الملا هيبة الله آخوند زاده.

المفاوضات التي جرت في مدينة قندهار جنوبي البلاد قبل أسبوعين تهدف لحلحلة الخلاف بين الحركة التي استعادت حكم البلاد قبل أقل من عامين، وبين المجتمع الدولي الذي يرفض الاعتراف بها.

وتناول اللقاء، وهو الأول بين زعيم طالبان ومسؤول أجنبي، السبل التي يمكنها تخفيف العزلة المفروضة على أفغانستان والدفع باقتصادها المتعثر نحو الأمام.

ومثل اللقاء -الذي حضره رئيس المخابرات القطرية أيضا- نجاحا جديدا للدوحة التي انتقدت مرارا القيود التي فرضتها طالبان على تعليم الفتيات وعمل النساء.

وانتقدت الدوحة أيضا الحكومة الحالية التي لا تمثل كافة أطياف الشعب الأفغاني.

نجاح آخر كبير لقطر

يمثل لقاء الشيخ محمد بن عبد الرحمن نجاحا ليس فقط لأنه أثبت قدرة قطر على مواصلة عملها الدبلوماسي بالتوازي مع انتقادها لممارسات طالبان وعدم اعترافها رسميا بها، وإنما أيضا لأنه الأول لمسؤول أجنبي مع الرجل الذي يقود أفغانستان عمليا.

لم يسبق لمسؤول من خارج البلاد أن التقى زعيم طالبان، الذي لا توجد له إلا صورة واحد متداولة قيل إنها التقطت قبل عشرين عاما، كما إنه لم يظهر للعلن منذ توليه قيادة الحركة 2016 بعد مقتل الملا منصور.

يعيش آخوند زاده في قندهار جنوبي البلاد والتي تمثل مركز ثقل الحركة، وهو نادر الظهور ولا يعرفه أحد تقريبا وكان الدليل الوحيد على أنه ما يزال حيا تسجيل صوتي مدته 10 دقائق تم بثه في أغسطس من العام الماضي.

بالنظر إلى هذه المقدمات، فإن لقاء الشيخ محمد بن عبد الرحمن مع حاكم أفغانستان الفعلي يعني أن الدوحة ربما خطت خطوة على طريق تقريب وجهات النظر بين طالبان والعالم.

لقد أحيطت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بتفاصيل الاجتماع، ودعمته، وما تزال تنسق مع الدوحة من أجل بحث مزيد من الخلافات.

وقد تناول اللقاء -الذي جرى يوم 12 مايو الماضي- قضايا مهمة من بينها ضرورة إنهاء الحظر الذي فرضته الحركة على تعليم الفتيات وتوظيف النساء، فضلا عن “مكافحة الإرهاب”.

تشير التسريبات إلى الاجتماع كان إيجابيا للغاية، وأن زعيم طالبان أبدى اهتماما كبيرا بمواصلة الحوار مع المجتمع الدولي لبحث سبل حل التوتر مع المجتمع الدولي، وإنهاء العزلة المفروضة على البلاد.

قيود دولية ومقاربة قطرية

تقود الولايات المتحدة حملة لتشديد العزلة على طالبان بما في ذلك تجميد أصول البنك المركزي الأفغاني وفرض قيود صارمة على حركة التجارة من وإلى أفغانستان، لكنها في الوقت نفسه حاولت التفاوض خلال العامين الماضيين.

ولم تسفر المفاوضات السابق من تحقيق أي تقدم على طريق حل الخلافات، في حين يشير اللقاء السري الأخير إلى أن الأمور ربما تكون قابلة للتحرك نحو الأمام، وإن ببطء.

ما تزال قطر ترفض الاعتراف بشرعية طالبان حتى اللحظة شأنها شأن غالبية دول العالم، لكنها في الوقت نفسه تواصل دعم الأفغان إنسانيا وتبقي باب الحوار مع السلطة الحاكمة مفتوحا؛ لأنها حذرت مرارا من أن إغلاق هذا الباب يزيد احتمالات وقوع البلد في الفوضى مجددا، ويجنج بها نحو التطرف.

في العديد من التصريحات السابقة، طالب الشيخ محمد بن عبد الرحمن بفصل المساعدات الإنسانية عن الخلافات السياسية، وحذر من سقوط أفعانستان في الفوضى، وقال إن هذا الأمر سينعكس سلبا على المنطقة كلها.

وقد أكد خلال حوار مع “فاينينشال تايمز” الأمريكية في مايو 2022، على ضرورة إيجاد خارطة طريق واضحة بشأن أفغانستان، وقال إن هذا “هو السبيل الوحيد للمضي قدما في حل الأزمة لأنه سيضع كافة الأطراف أمام مسؤوليتها”.

ودعا الشيخ محمد بن عبد الرحمن المجتمع الدولي للانخراط في إعادة ترميم الاقتصاد الإفغاني وبناء قدرات الحكومة لتعزيز النمو وتقليص البطالة، وشدد على ضرورة أن تعمل طالبان مع جميع الأفغان لخلق سلام مستدام.

تتمحور مقاربة قطر في ملف أفغانستان على المسألة الإنسانية بالدرجة الأولى وتحاول إبقاء باب الأمل مواربا لدى الأفغان؛ لأنها تخشى من اندفاع الناس نحو العنف إذا طال تجاهل المجتمع الدولي لوضعهم الإنساني والاقتصادي الذي يزداد سوءا بسبب العزلة التي تديرها واشنطن.

وفي محاولة لفك هذه العزلة، تواصلت طالبان مع دول منها النرويج وسويسرا وتركيا والصين وروسيا وباكستان وأوزبكستان، وأوفدت ممثلين لطلب الاعتراف الرسمي بحكمها لأفغانستان، لكن دون جدوى.

مؤخرا، أجرى المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات مطلق القحطاني، مشاورات مع مسؤولين بوزارة الخارجية الأمريكية بينهم المبعوث الخاص لأفغانستان توماس ويست.

دور قطري محوري

خلال السنوات الماضية، احتضنت الدوحة العديد من قادة طالبان بمن فيهم آخوند زادة، وسمحت للحركة بفتح مكتب سياسي رسمي على أراضيها منذ 2012.

كما رعت قطر المفاوضات التي جرت بين “طالبان” والولايات المتحدة، والتي انتهت باتفاق سلام تاريخي بين الطرفين في فبراير 2020.

وأسفر الاتفاق عن انسحاب القوات الأجنبية -بقيادة الولايات المتحدة- من أفغانستان في أغسطس 2021، بعد 20 عاما من الغزو.

وبعد عودة طالبان للحكم، أغلقت غالبية الدول سفاراتها في كابل، لكن قطر أبقت على سفارتها التي أصبحت ترعى المصالح الأمريكية هنام، فيما افتتحت الولايات المتحدة مكتبا دبلوماسيا دائما في الدوحة للتواصل مع الحركة.

خارطة طريق

لا تعترف قطر بحكومة طالبان حتى الآن لكنها تحاول التوسط لتفكيك الخلاف مع المجتمع الدولي وتسهيل وصول المساعدات، وذلك في إطار دبلوماسيتها التي لا تتبنى سياسة “كل شيء أو لا شيء”.

تقول طالبان إنها تحترم حقوق النساء بما يتفق مع تفسيرها للشريعة الإسلامية والعادات والتقاليد الأفغانية، وإنها لا تعارض عمل المؤسسات التابعة للأمم المتحدة في البلاد.

ورغم أن الحركة لم تبد أي تساهل فيما يتعلق بقضايا المرأة وتوسيع دائرة المشاركة في الحكومة، إلا أنها وعدت بالسماح للنساء بالعمل في المنظمات الإغاثية.

وقالت الحركة أيضا إنها ستتيح التعليم الثانوي للفتيات عند اكتمال شروط من بينها وضع منهج دراسي إسلامي.

يمكن القول إن اجتماع زعيم طالبان مؤخرا مع رئيس الوزراء القطري يكعس رغبة حقيقية لدى الحركة في إنهاء العزلة المفروضة على أفعانستان وفتح الطرق أمام تدفق مزيد من المساعدات للحد من تدهور الأوضاع.

وقد ناقش اللقاء فعليا جهود معالجة الأزمة الإنسانية جنبا إلى جنب مع جهود طالبان للقضاء على مجموعة موالية لتنظيم الدولة في أفغانستان.

وسبق لهذه المجموعة التي تتمركز شرقي البلاد أن هاجمت سفارات ومساجد في مناطق بينها العاصمة كابل.

أزمة معقدة

تقول الأمم المتحدة إن نحو ثلاثة أرباع سكان أفغانستان البالغ عددهم 40 مليونا يحتاجون لمساعدات، وقد حذرت من نفاد التمويل.

من المهم الإشارة إلى أن سفارة قطر ما تزال تمارس نشاطها في كابل وهي تقوم أيضا بتمثيل المصالح الأمريكية هناك.

وجرت العديد من النقاشات بين طالبان ومسؤولين أمريكيين لبحث آليات إنعاش القطاع المصرفي الأفغاني والإفراج المحتمل عن أصول البنك المركزي المجمدة في الخارج، لكن هذه النقاشات لم تتوصل لنتائج على الأرض.

وقد زاد التوتر بين كابل وواشنطن بعدما اغتالت القوات الأمريكية الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري في عملية استهدفت قلب العاصمة الأفغانية في أغسطس من العام الماضي.

وقال آخوند زاده في كلمته التي بثت بعد أيام من العملية إن طالبان لن تتعامل مع أي بلد في العالم إلا وفق الشريعة الإسلامية.

من غير الواضح ما هو تأثير هذا الاجتماع على مستقبل أفغانستان، لكن وكالة الأنباء القطرية، قالت إنه جاءت في سياق “الدور السياسي للدولة في التواصل مع مختلف الأطراف بالإضافة إلى تسهيل العلاقات بين حكومة تصريف الأعمال والمجتمع الدولي والسعي لتحقيق الأمن والازدهار للأفغان”.

وقد كتب موقع “ستراتفور” الأمريكي أن اللقاء الأخير قد يجري تغييرات صغيرة في أفغانستان لكن شكك في احتمالية أن تتراجع طالبان عن سياستها الأساسية التي تزيد من عزلتها.

وفقا لتقرير التوقعات الاجتماعية والاقتصادية لأفغانستان لعام 2023، والذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أبريل الماضي، فإن القيود الصارمة المفروضة على تعلم وعمل المرأة سامت في تفاقم الوضع الاجتماعي والاقتصادي الكارثي في البلاد، وألقت بعواقب وخيمة على السكان.

يشير التقرير الأممي إلى أن سيطرة طالبان على الحكم أدت على الفور لانهيار الاقتصاد وسرّعت بانزلاق أفغانستان إلى براثن الفقر.

يبلغ عدد سكان أفغانستان- وفقا لتقديرات الأمم المتحدة- نحو 40 مليون نسمة، فيما يقدر الناتج المحلي الإجمالي بنحو 14.3 مليار دولار عام 2021.

وتعد أفغانستان من بين البلدان ذات الدخل الفردي الأدنى في العالم، حيث يعيش نحو 85% من السكان تحت خط الفقر.

معركة طويلة

لا يمكن القول أبدا إن دول الخليج في منأى على تداعيات تدهور الوضع في أفغانستان لأنها ربما تواجهة تهديدات أمنية مباشرة في حال انزلاق البلد نحو الفوضى.

كما إن قطر، وإلى جانب رغبتها في الحد من الأزمة الإنسانية، تحاول ترسيخ صورتها كوسيط يمكن الاعتماد عليه في ملفات بهذه الخطورة، وهي تعتمد في هذا الأمر على ما أظهرته من قدرات خلال عمليات الإجلاء من كابل.

وفي حين تظل طالبان بلا شرعية دولية إلا أن الدوحة ما تزال -برأي كثيرين- هي الجسر الوحيد الرابط بين الحركة والمجتمع الدولي.

يقول معهد “أتلانتيك” في تحليل نشره مطلع العام الجاري، إن دول مجلس التعاون الخليجي عموما تعاملت مع واقع حكم طالبان في أفغانستان، وإن عليها أن تتعامل بشكل عملي مع الوضع على الأرض.

ويرى المعهد أن المملكة العربية السعودية وقطر تحديدا تبديان اهتماما بالوضع في أفغانستان وإن كانتا تطرحان مقاربتين مختلفتين للتعامل.

ففي حين تحاول الرياض معالجة الأزمة الإنسانية عبر المنظمات الإسلامية بدأت قطر لعب دور قيادي أكثر وضوحا في أفغانستان منذ ما يقرب من عقد من الزمان، وقد حققت الكثير من النجاحات، كما يقول معهد أتلانتيك.

خلال ما يقرب من عقد من المشاركة في أفغانستان، خطت قطر خطوات ملحوظة في بناء أوراق اعتماد دبلوماسية قوية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

ومن خلال تقديم نفسها كوسيط، تسعى الدوحة لإحداث خرق في جدار الأزمة الأفغانية الراهنية، بعدما تحولت من مبتدئ إلى رائد في لعبة القوة بالشرق الأوسط.

مع وجود دول ذات ثقل كبير في منطقة الخليج، رأت قطر في أفغانستان نقطة انطلاق لتعزيز دبلوماسيتها الخاصة، ولا تزال طالبان تعتمد بشكل كبير على المكتب السياسي في الدوحة لإجراء الأنشطة الدبلوماسية خارج أفغانستان.

ومن زاوية أخرى، فإن أفغانستان تحولت على ما يبدو إلى واحدة من نقطا التقارب القطري الإماراتي، حيث زار الشيخ محمد بن زايد الدوحة بعد يوم واحد من استقباله وزير الدفاع الأفغانست بالإنابة الملا محمد يعقوب، في ديسمبر 2022.

لقد حصلت أبوظبي على حق إدارة المطارات الثلاثة الرئيسية في أفغانستان وهو ما عكس تنامي حضورها في الملف الأفغاني.

وخلال سنوات، أسفرت سياسة قطر تجاه أفغانستان عن نتائج متباينة. فمن ناحية، ساعدت الدوحة بشكل كبير على ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية صاعدة وسمعتها كشريك موثوق للولايات المتحدة وأوروبا. لكنها في الوقت نفسه ما تزال تواجه عقبات في إقناع طالبان نحو التوصل لتفاهمات جوهرية.

من الناحية العملية، قد لا تكون دولة بمفردها قادرة على حل أزمة أفغانستان أو غيرها من الأزمات، خصوصا إن كانت هناك العديد من الأطراف التي قد تؤثر  أو تتأثر بهذه االأزمة سياسيا أو أمنيا أو اقتصاديا أو بأي طريقة من الطرق.

ومن الناحية التاريحية، فإن التجارب السابقة تؤكد أن استغلال الفراغ الأمني ​​والسياسي في أفغانستان لتسوية حسابات قديمة قد أدى إلى نتائج مدمرة لا تزال عواقبها طويلة المدى تتردد حتى اليوم.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *