هل تحاول إيران الاستفادة من دبلوماسية قطر؟

وصل وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى الدوحة يوم الثلاثاء وأجرى مباحثات مع سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في وقت تحاول إيران توسيع رقعة مصالحاتها مع دول المنطقة وإحياء المفاوضات النووية مع واشنطن.

وخلال الزيارة التي كانت جزءا من جولة شملت الكويت وسلطنة عمان، أجرى عبد اللهيان مباحثات مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.

مباحثات الوزير الإيراني في قطر تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها، وفق بيان صادر عن الديوان الأميري.

كما استعرض الجانبان وجهات نظر البلدين حول أبرز القضايا الإقليمية والدولية لاسيما تطورات الأوضاع في المنطقة.

وقال عبد اللهيان في تغريدة إن جولته “تهدف لمواصلة التطوير الشامل للعلاقات مع دول الجوار كإحدى الدعائم الرئيسية للسياسة الخارجية المتوازنة التي تتبناها إيران”.

عبد اللهيان أشار في تغريدته إلى أن الدول المجاورة لإيران “تتمتع بطاقات اقتصادية وتجارية وسياسية بالغة الأهمية”، وقال إن جولته “تهدف لتعزيز العلاقات ومتابعة القرارات المتخذة في الزيارات المتبادلة السابقة لكبار المسؤولين”.

 

توقيت مهم

جولة عبد اللهيان جاءت بعد يومين من زيارة أجراها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى طهران، شملت لقاءات مع القادة الإيرانيين.

وتزامنت الجولة أيضا مع تسريبات نقلتها الصحافة الغربية بشأن مفاوضات غير مباشرة بين واشنطن وطهران جرت في مسقط الشهر الماضي من أجل إحياء الاتفاق النووي.

خلال الفترة الأخيرة، أبدت إيران رغبة في تحسين علاقاتها مع دول المنطقة، وأبرمت اتفاقا تاريخيا مع السعودية في مارس الماضي برعاية صينية.

الاتفاق الذي عكس العديد من التطورات السياسية في المنطقة، أعاد العلاقات بين الرياض وطهران بعد أكثر من سبع سنوات من الانقطاع، وسرعان ما قطع البلدان خطوات نحو تفعيل الاتفاق.

حاليا، تتواتر أنباء بشأن قرب عودة العلاقات بين إيران والبحرين، وهي واحدة من أكثر دول الخليج اتهاما لطهران بمحاولة زعزعة أمنها.

هذه الترتيبات الجديدة في المنطقة، تتزامن أيضا مع محاولات لدمج النظام السوري في المنظومة العربية مجددا بعدما عاد إلى مقعد دمشق الشاغر في الجامعة العربية خلال مايو الماضي.

قطر قالت إنها قبلت بعودة نظام بشار الأسد إلى مقعد سوريا في الجامعة العربية حفاظا على التوافق العربي لكنها أكدت تمسكها بموقفها الداعم للسوريين.

ومؤخرا، قال رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن إن الدوحة ليست لديها مشكلة مع سوريا وإنما مع نظام يواصل قتل شعبه منذ أكثر من عشر سنوات.

إيران هي الحليف الأقوى للأسد في المنطقة وقد ساعدته قواتها والميليشيات التابعة لها على استعادة السيطرة، وسحق الثورة، جنبا إلى جنب مع روسيا.

هناك أيضا محالاوت لتصحيح أوضاع العراق الاقتصادية اعتمادا على دعم الدول العربية له وخصوصا الخليج.

يعتبر العراق أيضا منطقة نفوذ إيرانية كبيرة حيث تنتشر فيه العديد من المليشيات الموالية لطهران، والتي تمثل عقبة في طريق استعادة الدولة لقوتها وبسط سيطرتها.

تحاول الدول العربية إيجاد مقاربة لهذا الوضع الذي فاقم من أزمات البلد الأمنية والسياسية والاقتصادية، وذلك من خلال إعادة بغداد إلى محيطها العربي ودعمها ماليا وسياسيا.

وقد زار الشيخ تميم بن حمد بغداد قبل أيام قليلة وحضر توقيع عدة اتفاقيات وأعلن عزم الدوحة ضخ 5 مليارات دولار في العراق خلال السنوات الخمس المقبلة.

وأكد سمو الأمير خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن الدوحة ستواصل دعم بغداد.

 

علاقات متوازنة

لقد ظلت قطر وعُمان تحديدا بمنأى عن الخلاف السعودي الإيراني الذي تفاقم خلال السنوات الماضية، وتحول لحرب بالوكالة في اليمن.

وحاولت الدوحة ومسقط إيجاد مساحة للتفاهم بين الرياض وطهران من أجل تخفيف التوتر بالمنطقة، وظلتا في الوقت نفسه متمسكتين بأمن السعودية وكافة دول المنطقة.

وأكد البلدان مرارا على ضرورة إنهاء سياسة التدخل في شؤون الغير والالتزام بحسن الجوار والعمل على تجفيف الأزمات عبر الحوار.

في الوقت نفسه، حافظت الدوحة على علاقات جيدة ومتوازنة مع طهران التي تتشارك معها في حقل الشمال، وهو أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم.

وعرضت قطر القيام بأي دور من شأنه تصحيح العلاقات الإيرانية الخليجية أو الإيرانية الأمريكية، وقالت إن الحوار هو السبيل الوحيد لإنهاء الخلافات وتجنيب المنطقة مزيدا من الحروب.

خلال العام الماضي، استقبلت الدوحة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، واستضافت محادثات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة في مسعى لإحياء الاتفاق النووي.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، دعت الدوحة الحكومة الإيرانية لتقديم المعلومات اللازمة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقالت إن التعاون الإيجابي هو السبيل الوحيد لحل القضايا العالقة بين الجانبين.

وقال ممثل قطر لدى الوكالة الدولية للطاقة أحمد الحمادي خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة يوم 7 يونيو، إن هذا التعاون لن يتأتي إلا عبر احترام تام لولاية الوكالة من جهة ولحقوق والتزامات إيران من جهة أخرى.

وأكد الحمادي على ضرورة تهيئة الجوانب الفنية، لاستئناف العمل باتفاق 2015 النووي الذي جرى تجميده بعد انسحاب الولايات المتحدة عام 2018.

وقال إن الاتفاق -الذي تعمل الولايات المتحدة على إحيائه- يعتبر آلية دولية مهمة في نظام عدم الانتشار النووي.

وأكدت قطر مرارا على رفضها انتشار الأسلحة النووية بالمنطقة وقالت إنها تدعم أيضا حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

وشهد العام الماضي خلافا حادا وسجالا بين الوكالة الدولية للطاقة وإيران بسبب آلية مراقبة الأنشطة النووية الإيرانية.

وعلقت طهران العمل ببعض الضمانات المرتبطة باتفاق 2015 ومنها تمكين الوكالة الدولية من مراقبة كافة المنشآت النووية.

واتهمت طهران المدير العام للوكالة رفاييل غروسي بتسييس عمل الوكالة ومخالفة قوانينها ونقل معلومات عن المنشآت الإيرانية إلى دولة الاحتلال.

لكن الطرفين اتفقا نهاية مارس الماضي على حل ينهي قضيتين خلافيتين بين الطرفين في المباحثات الجارية بينهما.

وفقا لوككالة “تسنيم” الإيرانية، اتفق الطرفان على حل بشأن أحد المواقع الثلاثة التي أعلنت الوكالة في وقت سابق عثورها على مواد نووية فيها، فيما بقي الخلاف بشأن موقعين آخرين قائما.

ويعرف الموقع الذي أغلق ملفه باسم “آبادة” وهو يقع في منطقة مريوان في محافظة كردستان غربي إيران، بحسب “تسنيم”.

ووافقت إيران على تركيب كاميرات مراقبة في منشأة “نطنز” النووية في أصفهان، وجرى تركيب ثلاث كاميرات في الموقع بالفعل.

لكن وكالة تسنيم نقلت عن مصدر أن الكاميرات ليست مرتبطة بالإنترنت ولا تقوم بنقل المعلومات مباشرة إلى الوكالة.

سبق أن منعت طهران تركيب كاميرات المراقبة المتصلة بالإنترنت وقالت إنها سوف تسلم كل ما سيتم تسجيله بعد ضمان رفع كافة العقوبات الامريكية عنها وهو ما لم يحدث حتى الآن.

وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها الصادر نهاية فبراير الماضي، أنها تجري مناقشات مع إيران حول منشأ جزيئات يورانيوم مخصب إلى درجة نقاء تصل إلى 83.7% في منشأة فوردو.

ويتطلب صنع سلاح نووي تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء 90%.

الخلاف الأمريكي الإيراني

في العاشر من الشهر الجاري، قال موقع “أكسيوس” الأمريكي إن مسؤولين أمريكيين وإيرانيين أجروا محادثات غير مباشرة في العاصمة العُمانية مسقط، الشهر الماضي بشأن اتفاق محتمل بينهما.

وكانت المحادثات أول تواصل غير مباشر بين الولايات المتحدة وإيران منذ أشهر، وقد جاءت في ظل مخاوف أمريكية متزايدة من تقدم إيران النووي.

ونقل الموقع عن مصادر أن منسق الشرق الأوسط في البيت الأبيض، بريت ماكغورك، سافر سرا إلى عمان في 8 مايو الماضي للتباحث مع المسؤولين العُمانيين بشأن تواصل دبلوماسي محتمل مع إيران بشأن برنامجها النووي.

ووفقا للموقع، فقد وصل وفد إيراني إلى مسقط في نفس التوقيت، وكان من بين أعضائه كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري.

ولم يلتق ماكغورك بالمسؤولين الإيرانيين، في حين قام المسؤولين العُمانيون بنقل الرسائل بين الجانبين.

كما نقل مونيتور الأمريكي مؤخرا أن عمان تتوسط في مفاوضات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن صفقة محتملة للإفراج عن الأمريكيين المسجونين في طهران.

وقال وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي للموقع الأمريكي الأسبوع الماضي إن البلدين يعملان على تسوية تفاصيل الصفقة وإنهم قريبون من التفاهم، مضيفا “ربما تكون هذه مسألة فنية”.

إلى جانب عمان المعروفة بوساطاتها الصامتة، يمكن للدوحة أيضا لعب دور في تقريب وجهات النظر بين إيران وعدد من الخصوم في المنطقة والعالم.

سبق لقطر أن استضافت مفاوضات تاريخية بين حركة طالبان والولايات المتحدة انتهت برحيل القوات الأجنبية عن أفغانستان بعد عقدين من الاحتلال.

والشهر الماضي، أجرى الشيخ محمد بن عبد الرحمن مفاوضات سرية مع زعيم حركة طالبان هيبة الله آخوند زاده، من أجل فك العزلة المفروضة على أفعانستان منذ سيطرة طالبان على الحكم في أغسطس 2021.

وأعلنت الولايات المتحدة دولة قطر حليفا استراتيجيا من خارج الناتو العام الماضي بعد الدور الاستراتيجي الذي لعبته الدوحة في عمليات الإجلاء التاريخية من مطار كابل إبان سيطرة طالبان على البلاد.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *