لا شيء سوى رائحة الموت.. الاحتلال ينسحب من شمال غزة مخلفا دمارا هائلا

عودة الفلسطينيين بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من جزء من مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة يوم الخميس

كشف انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من شمالي قطاع غزة عن دمار هائل وكارثة إنسانية تضاف إلى تلك التي تعيشها المنطقة بسبب الحرب والحصار، وهو ما يؤكد إصرار تل أبيب على تدمير كل مقومات الحياة بالمنطقة لتطهيرها عرقيا.

وأعلن جيش الاحتلال مؤخرا انسحابه من شمالي القطاع بعد عملية استمرت 3 أسابيع وشملت جباليا والزيتون ومناطق أخرى، وتكبد خلالها الإسرائيليون خسائر فادحة في العدد والعتاد.

وأحرق جنود الاحتلال مئات المساكن في المنطقة ودمروا مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) وأخرجوه من الخدمة تماما.

كما تم تدمير البنية التحتية والطرق وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحفي مما يعزز رغبة إسرائيل في القضاء على كل مظاهر الحياة بالمنطقة التي تتمسك المقاومة بعودة النازحين إليها كجزء من أي صفقة تبادل أسرى محتملة.

 

دمار وجثث على قارعة الطريق

وبعد الانسحاب، انتشلت قوات الدفاع المدني عشرات الجثث التي كانت ملقاة على قارعة الطريق في مناطق مختلفة، وقد تحللت تماما بسبب منع الاحتلال الأهالي من الوصول إليها طيلة تواجده في المكان.

وتحدث السكان الذين عادوا إلى جباليا عن “التدمير الكامل” للمخيم بعد العملية التي استمرت 20 يوما.

وكان مخيم جباليا في السابق مخيما للاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا بسبب نكبة عام 1948، ثم تحول إلى حي مكتظ بالسكان في العقود اللاحقة.

وقال جيش الاحتلال يوم الجمعة إنه أنهى مهمته في جباليا، التي سبق وأن شن عملية واسعة بها في نوفمبر وأعلن القضاء على قوة المقاومة فيها، قبل أن يعود إليها مجددا.

ويعكس السلوك الإسرائيلي حالة التخبط العسكري والفشل في تحقيق أي من الأهداف المعلنة فضلا عن إنكار حقيقة ما يجري على الأرض فعليا؛ كما يقول خبراء.

ونشرت المقاومة صورا خلال الأسابيع الماضية تؤكد مواجهة قوات الاحتلال مقاومة عنيفة في المنطقة التي قالت في السابق إنها “طهرتها” من وجود المقاومة.

ونشرت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أمس السبت صورا تظهر الإيقاع بقوة إسرائيلية في كمين نوعي بجباليا، وقالت إن جنود القوة سقطوا بين قتيل وجريح وأسير، مؤكدة أن هناك تفاصيل لم تنشر بعد بشأن العملية.

 

كارثة إنسانية

ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية عن عبد الهادي ريان، (42 عاما)، أنه غامر بالدخول إلى جباليا لتفقد منزله لكنه صدم بالدمار الهائل الذي حل بالمكان.

وقال ريان “لم أكن أعرف أين يقع منزلي أو أين حدوده… لا يوجد في المنطقة أي منزل مناسب للعيش على الإطلاق”، مضيفا “حتى لو قررت العودة إلى المخيم والعيش في خيمة، فإن كل البنية التحتية وكل الشوارع وخطوط المياه مدمرة. لا يوجد مكان للحياة هنا الآن على الإطلاق.”

وتعزز هذه الشهادات الأحاديث الفلسطينية المستمرة بشأن رغبة الاحتلال في تطهير سكان القطاع عرقيا والقضاء على كل مظاهر الحياة في المكان لدفعهم نحو الهجرة.

وأفاد المتحدث باسم الدفاع المدني بغزة محمود بصل بأن طواقم الدفاع المدني تعمل بلا كلل في جباليا منذ ساعات الصباح الأولى ليوم الانسحاب، مؤكدا وجود دمار كامل في المخيم”، قائلا “هذا دمار بكل معنى الكلمة. لم يبق شيء داخل المخيم”.

فلسطينيون يتفقدون الأضرار في مخيم جباليا يوم الخميس

لا شيء سوى رائحة الموت

وقدّر بصل عدد المنازل التي دمرها الاحتلال بالمنطقة خلال هذه العملية بـ10 آلاف، مؤكدا أن التقييم النهائي “غير واضح حاليا ويتفاقم بسبب انقطاع خدمات الاتصالات والهاتف، فضلا عن التحدي المتمثل في إزالة الأنقاض دون وجود آلات كافية”.

ووصف سمير سالم (49 عاما)، الذي رافق زوجته إلى المخيم صباح يوم الجمعة على أمل العثور على منزلهما، المشهد بأنه “تسونامي كارثي من الدمار”.

وقال سالم لواشنطن بوست “ما حدث باختصار هو التدمير الكامل لمخيم جباليا. لم يعد هناك مكان يمكن تسميته بمخيم جباليا. نحن في منطقة لا تفوح منها إلا رائحة الموت”.

وفي حين قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصوير الهجوم على مدينة رفح الجنوبية على أنه معركة نهائية ضد حماس، فإن عودة قواته إلى الشمال تفند مزاعمه بشأن القضاء على جزء كبير من قوة المقاومة.

وقال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي هذا الأسبوع إن تدمير حماس والجماعات المسلحة الأخرى في غزة سيستغرق “سبعة أشهر أخرى”، وهو ما اعتبره عضو مجلس الحرب غادي آيزنكوت “خداعا”، مؤكدا أن هذا الأمر يتطلب فترة قد تصل إلى خمس سنوات.

 

مواصلة تدمير الحياة في رفح

وبشكل منفصل، قال الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر يوم الخميس إن الهجمات على عمال الإغاثة “يجب أن تتوقف”، بعد مقتل اثنين من المسعفين التابعين لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني غرب رفح الأسبوع الماضي.

وكتب الاتحاد في بيان له أن 24 من موظفيه ومتطوعيه قتلوا منذ بدء الحرب: 20 من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وأربعة من نجمة داود الحمراء الإسرائيلية.

وقالت منظمة أطباء بلا حدود الخيرية الدولية يوم الخميس إن الهجوم الإسرائيلي على رفح أدى إلى إغلاق مركز للرعاية الأولية في المواصي، التي تقول إسرائيل إنه ضمن المنطقة الآمنة.

وكتبت المؤسسة الخيرية على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الخميس: “هذه هي المنشأة الصحية الثانية التي نضطر إلى إغلاقها هذا الأسبوع وخطوة أخرى في التفكيك الإسرائيلي المنهجي للنظام الصحي في غزة”.

وأضافت أنها اضطرت لمغادرة 14 منشأة طبية في غزة منذ أكتوبر الماضي، مؤكدة أن أكثر من مليون شخص “أجبروا على الفرار من هجوم رفح”، وهو أمر أكدته في السابق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا).

وقالت أطباء بلا حدود “طالما استمر هذا الهجوم، فإن الخدمات الطبية والمساعدات الأساسية سوف تتضاءل، وسيموت المزيد من المدنيين”.

وتأتي هذه التطورات المأساوية رغم صدور قرار من محكمة العدل الدولية بوقف العمليات العسكرية في رفح بشكل فوري، وطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير جيشه يوآف غالانت.

ويمثل التدمير الإسرائيلي الممنهج لكافة مناطق القطاع عجزا دوليا فاضحا عن تطبيق القانون على دولة الاحتلال التي تواجه عزلة دولية متزايدة لكنها تواصل حربها تحت مظلة الحماية الأمريكية.

ويوم الجمعة، كشف الرئيس الأمريكي جو بايدن عن خطة قال إنها تمثل الفرصة الأخيرة لوقف الحرب، وهو ما رد عليه نتنياهو بالتأكيد على عدم استعداده لمناقشة وقف الحرب بشكل كامل قبل القضاء على حماس، وهو ما يعني رفضا ضمنيا للخطة التي قالت المقاومة إنها ستتعاطى معها بشكل إيجابي.

ومع ذلك، قال المتحدث باسم الأمن القومي الأمريكي جون كيربي إن إسرائيل لم تتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها لها واشنطن في مدينة رفح، وذلك بعد ارتكاب مجازر ضد النازحين في المخيمات أثارت انتقادات دولية واسعة.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *