رغم جهود الحكومة.. معدلات السمنة في قطر تثير القلق

يواجه المجتمع القطري مشكلة مع زيادة الوزن التي باتت تؤرق كافة المستويات الرسمية والشعبية، لا سيما بعد الأرقام التي نشرها تقرير برنامج الغذاء العالمي لعام 2022.

ويعاني 46.1٪ من النساء و35.9٪ من الرجال (فوق 18 عاما) في قطر من السمنة، في حين بلغ المتوسط في المنطقة 10.3٪ للنساء و7.5٪ للرجال، وفق التقرير.

ويعزو برنامج الغذاء العالمي ذلك إلى عوامل عديدة منها الوراثة، والعادات الغذائية غير الصحية، وأنماط الحياة الروتينية، والعوامل الاقتصادية والاجتماعية.

وتعرض السمنة المفرطة الأفراد للعديد من المخاطر الصحية؛ فالأمراض المزمنة مثل السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، والضغط العالي وبعض أنواع السرطان، كلها مرتبطة بشكل مباشر بالسمنة.

ويعد السكري حاليا مصدر قلق عالمي كبير، حيث يصيب حوالي 21.3٪ من النساء و21.8٪ من الرجال البالغين في جميع أنحاء العالم.

بالإضافة إلى ذلك، يعاني المصابون بالسمنة من ضغوط نفسية كبيرة نظرا للحرج الاجتماعي الذي يواجهونه، مما يؤدي إلى مشاكل في الثقة بالنفس، والاكتئاب والقلق.

وأكدت اختصاصية التغذية الرياضية، تيما بن إبراهيم، وجود ضرر نفسي شديد يمكن أن تحدثه السمنة للأفراد، خاصة في مجتمع غني بالثقافة مثل قطر.

وفي مقابلة لها مع دوحة نيوز أمس الأربعاء، قالت إبراهيم: “يمكن أن تؤدي السمنة إلى انخفاض الثقة بالنفس وعدم التصالح مع شكل الجسد، والاكتئاب، والقلق وحتى العزلة الاجتماعية“.

وأكدت أيضا أن العلاقة غير الصحية مع الطعام قد تنشأ  لدى المصابين بالسمنة، مما يؤدي إلىاضطرابات الأكل“.

 

سمنة الأطفال

صنف حوالي 46٪ من الأطفال بسن المدرسة في قطر، ضمن قائمة زائدي الوزن، وفقا لدراسة أجرتها المكتبة الوطنية للطب في ميريلاند الأمريكية، نشرت نتائجها في فبراير 2022، مما ينذر بمشكلة خطيرة.

غالبا ما يكون الأطفال هدفا لإعلانات الأطعمة عالية السعرات الحرارية والفقيرة بالعناصر الغذائية، والتي كثيرا ما تروج للعادات الغذائية السيئة في سن مبكرة.

الدراسات السريرية أشارت إلى أن الأطفال المصابين بالسمنة معرضين بشكل أكبر لخطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، والسكري، وأمراض القلب والتحديات النفسية في مرحلة البلوغ.

لذا، فإن التعامل مع سمنة الأطفال ليس فقط أمرا بالغ الأهمية لرفاهيتهم الحالية ولكن أيضا لصحتهم المستقبلية.

تؤكد اختصاصية التغذية أن الأهل يمكن أن يلعبوا دورا كبيرا في تعزيز العادات الصحية لدى أطفالهم من خلال تبني نمط حياة صحي والمشاركة في الأنشطة البدنية معًا.

ويمكن للأهل أيضا تقديم خيارات غذائية صحية، وتحديد وقت مشاهدة التلفاز واستخدام الهاتف، وتوعية الأطفال بأهمية نظام غذائي متوازن وممارسة الرياضة بشكل منتظم يمكن أن يكون لها تأثير بعيد المدى.

 

ما سبب السمنة؟

لا يمكن تجاهل العلاقة بين أنماط الحياة الروتينية والسمنة، فقد ساهمت زيادة العمل في المكاتب في قطر وتوفر الخيارات الغذائية غير الصحية الرخيصة، فيما يعرف بـوباء السمنة“.

بالإضافة إلى ذلك، فإن “تعقيد السمنة، الذي يتشكل بواسطة عوامل تتجاوز السيطرة الفردية، بما في ذلك الوراثة والبيئة الاقتصادية والاجتماعية، يتطلب حلولا شاملة ومتعددة الجوانب.

واعتبر الخبراء، أن الروتين اليومي، والنظام الغذائي الغني بالسعرات الحرارية، والعوامل الثقافية والوراثية تساهم في تفاقم المشكلة.

وأضافت خبيرة التغذية لقائمة الأسبابالتحضر المتزايد، والاعتماد على التنقل بالسيارات، والضيافة التقليدية والاحتفالات التي غالبا ما تتضمن وجبات كبيرة وأطباق عالية السعرات الحرارية“.

 وأشارت أن البنية التحتية في بلدان عدة تشجع على نمط حياة أكثر نشاطا مقارنة بالخدمات الفاخرة المقدمة في قطر، والتي تشجع بطريقة غير مباشرة على الخمول.

 

ما الذي يمكن القيام به؟

وأكدت الاختصاصية على أهمية استخدام الاستراتيجيات التي تتناسب مع نمط الحياة والعوامل الثقافية الفريدة في قطر، مثل تعزيز التوعية الصحية والتعليم، وتشجيع مبادرات النشاط البدني والأكل الصحي، والتعاون مع المؤسسات الدينية وإشراك مقدمي الرعاية الصحية.

ونصحت بممارسة الرياضة بشكل منتظم لما لها من تأثيرات إيجابية على الصحة العقلية، وتقليل التوتر والقلق.

وأوصت بتحويل الأطباق التقليدية إلى أطباق صحية أكثر من خلال تقليل محتوى الزيت والملح والسكر، والتشجيع على شرب الماء، وتعزيز تنوع الخيارات الصحية في المطاعم أيضا.

 

خطوات نحو الحل

مع الاعتراف بخطورة المشكلة، قامت الدول الخليجية بتنفيذ العديد من الاستراتيجيات لمكافحة السمنة في السنوات الأخيرة.

وتم تدشين العديد من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز النشاط البدني والأكل الصحي، خاصة في المدارس، حيث تتواجد نسبة السمنة العالية.

وأصبحت التربية البدنية جزءا إلزاميا من المنهج الدراسي لتشجيع أنماط الحياة النشطة بين الأطفال. كما تم تشديد القوانين حول التسويق للأطعمة غير الصحية للأطفال أيضا.

 وتم توجيه الجهود أيضا نحو إنشاء حملات توعية صحية، ووضع إرشادات غذائية والعمل نحو جعل الغذاء مفيدا أكثر مع إمكانية القدرة على الشراء.

وأعدت المؤسسات الصحية في قطر خدماتها للحد من السمنة، حيث تقدم العيادات المتخصصة برامج إدارة الوزن، بما في ذلك الإرشاد الغذائي ونصائح حول النشاط البدني والدعم النفسي.

ويتم تشجيع الأفراد على البحث عن المساعدة المهنية لضمان فقدان الوزن بشكل آمن وفعال، وأكدت بن إبراهيم نجاح بعض الاستراتيجيات والبرامج التي كانت تحدث فرقا في قطر

ولفتت إلى أن الأحداث الصحية المجتمعية، وبرامج الصحة في مكان العمل، والمبادرات المدرسية، والمنصات والتطبيقات عبر الإنترنت، والعيادات والمعسكرات الصحية، كانت ناجحة في مكافحة السمنة في قطر.

وأضافت: “يمكن لأفراد المجتمع المشاركة في هذه المبادرات، ونشر الوعي، ودعم الجهود لتعزيز الحياة الصحية“.

 

المعركة ما زالت طويلة

رغم هذه الجهود، المعركة ضد السمنة في قطر ما زالت مستمرة. الوضع الحالي يبرز الحاجة لسياسات صحية مبتكرة ومستدامة، ومشاركة أفراد المجتمع بشكل استباقي، كما يقول الخبراء.

وأقرّت بن إبراهيم بالتحديات التي يواجهها الأفراد في قطر عندما يحاولون إدارة الوزن.

ويمكن أن تحد أزمة الوعي، وحواجز اللغة، والحساسية الثقافية، وتكاليف الحياة الصحية، من القدرة على الحفاظ على الصحة العامة.

وطالبت بن إبراهيم: “بمزيد من البحث، والتوعية، والرعاية الصحية المتاحة.. نحن بحاجة إلى التركيز على الوقاية وليس فقط العلاج“.

كل هذه التغييرات تتطلب تعاونًا كبيرًا بين الحكومة والأفراد والمؤسسات والمنظمات لتحقيق النجاح.

وقالت: “نحن نحتاج إلى أن نعي أن السمنة هي مرض متعدد الأسباب يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من الأمراض الأخرى”.

وختمت بالقول “السمنة ليست مشكلة فردية، ولكنها مشكلة تحتاج إلى حل على مستوى المجتمع“.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *