كجزء من الاستثمار في الاستدامة.. قطر تبيع سندات خضراء بـ2.5 مليار دولار

قطر أطلقت العديد من المشروعات التي تعزز الاستدامة وتقلل الانبعاث

قالت وكالة بلومبيرغ إن دولة قطر جمعت 2.5 مليار دولار من سندات دولارية هي الأولى لها منذ أربع سنوات، مشيرة إلى أنها أيضا أول سندات خضراء تصدرها الدوحة مستفيدة من السوق العالمية المزدهرة للديون المستدامة.

وتم تقسيم السندات الخضراء بين جزء بقيمة مليار دولار لمدة خمس سنوات وشريحة بقيمة 1.5 مليار دولار لمدة 10 سنوات، حسب ما نقلته الوكالة الأمريكية يوم الثلاثاء.

وتم تسعير السندات الأقصر بفارق 30 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأمريكية، أي ما يعادل عائدا قدره 4.74%، بانخفاض عن التوجيه الأولي البالغ 70 نقطة أساس. وكان الدين لأجل 10 سنوات انتشار قدره 40 نقطة أساس وعائد قدره 4.82٪.

ونجح الطرح في تسجيل أقل سعر هامش تم تحقيقه تاريخيا من قبل أي دولة مصدرة للسندات في منطقة الشرق الأوسط ووسط وشرق أوروبا وأفريقيا.

وتنفق قطر مليارات الدولارات لزيادة الطاقة الشمسية كجزء من تركيزها على تقليل الكربون وحماية البيئة.

وتعتبر قطر واحدة من أغنى دول العالم ولديها تصنيف AA أو ما يعادله – وهو ثالث أعلى مستوى ممكن – من شركات التصنيف الثلاث الكبرى.

وكانت آخر صفقة قطرية للسندات في أبريل 2020، عندما جمعت 10 مليارات دولار بعد جذب طلبات بقيمة 45 مليار دولار من المستثمرين.

وكانت البنوك الرئيسية التي رتبت الصفقة الأخيرة هي بنك كريدي أجريكول إيه إس، وإتش إس بي سي هولدنجز بي إل سي، وجي بي مورجان تشيس وشركاه، وبنك قطر الوطني.

 

مشروعات صديقة للبيئة

وخلال السنوات الماضية، نفذت دولة قطر عددا من المشاريع والمبادرات التي تستهدف الحد من تداعيات تغير المناخ، والاستثمار في مشاريع الطاقة منخفضة الكربون، وتعزيز دور الدوحة في إمداد السوق العالمية بالطاقة الصديقة للبيئة.

وتعتبر محطة “الخرسعة” للطاقة الشمسية، التي افتتحها سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني العام الماضي، أحد المشاريع المهمة والأمثلة البارزة التي تعكس اهتمام قطر في الاستثمار بتقليل انبعاثات الكربون والحفاظ على البيئة.

وتم بناء المحطة على مساحة تتجاوز الـ10 كيلومترات مربعة، وهي تضم مليون و800 ألف لوحة شمسية، وتوفر 10% من الطاقة الكهربائية للدولة وقت الذروة.

وقبل عامين، قال وزير البيئة والتغير المناخي الشيخ فالح بن ناصر آل ثاني، إن قطر تعمل على 5 مشروعات بينها بناء محطتين للطاقة الشمسية في المدن الصناعية التابعة لشركة “قطر للطاقة” بقدرة إجمالية تصل 870 ميجاوات.

ومن المتوقع أن يبدأ إنتاج المحطتين خلال العام المقبل لتصل القدرة الإنتاجية الكلية من الطاقة الشمسية في البلاد لنحو 1.7 جيجاوات.

وبحسب ما نقلته فرانس برس في أغسطس 2022، فإن الروبوتات ستكون مسؤولة عن أعمال التنظيف في المحطتين المقامتين في مدينتي “مسيعيد” و”رأس لفان” الصناعيتين بتكلفة تصل إلى 600 مليون دولار (2.3 مليار ريال).

وسيعتمد المشروع على ألواح ثنائية الوجه عالية الكفاءة سيجري تثبيتها على أجهزة تتبع أحادية المحور. وستكون هناك روبوتات تنظيف للحد من خسائر التوليد بسبب التلوث، من خلال إزالة الغبار من الوحدات الكهروضوئية لضمان ضخ مزيد من الطاقة.

وأعلنت الحكومة القطرية عام 2021 أنها تستهدف خفض الانبعاثات في منشآت الكربون بنسبة 25% بحلول العام 2030.

 

انتقال واقعي

وفي حين تعمل دولة قطر بدأب من أجل التحول إلى طاقة أقل انبعاثا كجزء من خطتها المستقبلية القائمة أساسا على الاستدامة، فإنها تدعو في الوقت نفسه إلى انتقال واقعي وعادل للطاقة النظيفة.

وقد أكد وزير الدولة لشؤون الطاقة سعد الكعبي -خلال الاجتماع الوزاري لأسبوع طوكيو للتحول الأخضر (25 سبتمبر 2023)- أهمية تحقيق توازن بين أمن الطاقة، والقدرة على تحمل التكاليف، والاستدامة، خلال العمل على تحقيق تحول واقعي وعادل إلى طاقة منخفضة الكربون.

وأعرب الكعبي عن اعتقاده الراسخ بأن “أي تحول متوازن إلى طاقة منخفضة الكربون يتطلب دمج الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة الحالي والمستقبلي”.

وأضاف أن “الغاز الطبيعي سيكون عاملا أساسيا، خاصة أنه يمكن الاعتماد عليه كمصدر طاقة للأحمال الأساسية للعديد من الدول ولسنوات عديدة ما بعد عام 2050”.

وقال الوزير القطري “على الرغم من أن التوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة أمر لا غنى عنه، إلا أن هذه المصادر ليست الحل الوحيد، لا سيما بسبب طبيعتها المتقطعة”.

وتعتمد قطر استراتيجية من ثلاثة محاور لرفع الاعتماد على الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاث من خلال تقنيات حديثة، منها تقنية احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) التي ستلتقط أكثر من 11 مليون طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2035.

وستسمح المبادرات القطرية بخفض المزيد من الكربون في منشآت الغاز الطبيعي المسال بنسبة 35%، وبنسبة 25% على الأقل في منشآت التنقيب والإنتاج، مقارنة بالأهداف السابقة المحددة بنسبة 25% و15% على التوالي.

وتعزز هذه المبادرات التزام قطر بتزويد غاز طبيعي أنظف وعلى نطاق واسع لتسهيل الانتقال إلى طاقة منخفضة الكربون.

 

مونديال أقل انبعاثا

وخلال مونديال 2022، اعتمدت الحكومة خططا نجحت من خلالها في خفض 9 آلاف طن من الكربون خلال فترة البطولة عبر الاعتماد على شبكة الكهرباء الوطنية لتشغيل الملاعب بدلا من تركيب مولدات تعمل بالديزل.

وقالت اللجنة العليا للمشاريع والإرث إن هذه الحلول المبتكرة وفرت استهلاك 5 ملايين لتر من الديزل كانت ستستخدم لتشغيل المولدات.

وخلال المونديال، وفر مترو الدوحة فرص تنقل لـ 17.4 مليون مسافر مما أدى لتجنب 120 ألف رحلة بالسيارة يوميا، تعادل 8500 طن من ثاني أكسيد الكربون، كما تم تركيب 100 شاحن كهربائي للسيارات على مستوى الدولة لتشغيل أول بطولة عالمية خالية من الكربون.

وأطلقت قطر أيضا مشروع “اركن وانطلق” الذي يوفر مواقف سيارات حديثة ذات كفاءة عالية في المناطق الجغرافية الرئيسية والحيوية في قطر، إلى جانب محطات المترو، لتشجيع استخدام الطرق المستدامة والمتطورة وضمان انسيابية حركة المرور وتقليل الازدحام المروري والانبعاثات الكربونية.

وخطت قطر أيضا خطوات مهمة على مستوى التحول الكهربائي في قطاع النقل العام إضافة إلى استراتيجية المركبات ذاتية القيادة وتنويع وسائل النقل الذكية والسعي لخلق حركة ذكية وآمنة ومتكاملة ومستدامة متاحة للجميع من خلال تبني الحداثة وتأمين البنية التحتية وتعزيز الاتصالات الشبكية لتبادل البيانات.

وهناك أيضا استراتيجية المركبات الكهربائية والشحن والبنية التحتية الخاصة بشركة كهرماء والتي تمثل نواة تنظيم تشغيل وتركيب محطات الشحن من خلال برنامج ترشيد الوطني.

 

نمو كبير في مجال الاستدامة

وفي 2021 قال معهد ماسوتشوتس التابع لجامعة كمبريدج البريطانية إن قطر تحتل المرتبة الثالثة عربيا، والـ76 عالميا، في التصنيف السنوي الخاص بالدول الخضراء والمستدامة.

وأكد المعهد أن النمو الكبير الذي حققته الدوحة في هذا المجال خلال السنوات القليلة الماضية جاء عن طريق تركيزها على تطوير قدراتها في مجموعة من المجالات المهمة، الأمر الذي مكنها من احتلال مثل هذه المكانة دولياً.

وتوقع التقرير مواصلة قطر المضي قدما في هذا القطاع في الأعوام القليلة القادمة، واحتلالها لمراكز أفضل بداية من السنة المقبلة، بالنظر إلى المجهودات الجبارة التي تبذلها في تطوير قطاع النقل وتعزيزه بأسطول مميز من الحافلات الكهربائية.

وفي يناير 2023، نشر موقع “لاس فرانسي برس” الفرنسي تقريرا بعنوان “قطر تغزو الطاقة الخضراء والصديقة للبيئة”، أشار فيه إلى النمو الكبير الذي تشهده الدوحة في القطاع الطاقوي؛ من خلال نجاحها في إطلاق عديد من المشاريع المتماشية مع هذه الرؤية.

وأشار التقرير إلى أن قطر تركز على رفع القدرات الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال، أحد أكثر المصادر الطاقوية نظافة وحفاظا  على المناخ.

وقال التقرير إن قطر وفي طريقها نحو تسجيل هذا التحول الهائل في منتوجاتها من الغاز الطبيعي المسال ستستثمر نحو 80 مليار دولار أمريكي، في الفترة ما بين 2021 و2025.

ولفت إلى التركيز القطري الكبير على التماشي مع المتطلبات البيئية للمرحلة الراهنة، بالرغم من تخطيطها للتوسع في قطاع الطاقة ومضاعفة إنتاجها السنوي من الغاز الطبيعي المسال.

وتعمل قطر على بلوغ هذا الهدف مع التمكن من السيطرة على الانبعاثات الكربونية عبر تخفيضها بمقدار الربع بحلول عام 2030، وهو ما يعزز مكانتها كأحد أكثر العواصم العالمية توافقا مع الرؤية العالمية لهذا المجال.

ولم ينحصر الاهتمام القطري بالطاقة النظيفة والخضراء في مشاريع الغاز الطبيعي المسال فقط، بل تعداها إلى غيرها من الاستثمارات الرامية إلى دعم الموقف القطري في الحرص على سلامة البيئة، واستغلال الموارد الطبيعية في توليد الطاقة.

وتحاول قطر من خلال مشروع جماعي جديد يقوده معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، التابع لجامعة حمد بن خليفة الحد من انبعاثات الكربون.

ويهدف المشروع الذي يحمل عنوان “نهج شامل لتطوير نظام عالي الكفاءة وعملي لإدارة الكربون بغرض تحسين الاستدامة في قطر” إلى تطوير نظام فعال وعملي لإدارة الكربون. وسيتعاون المعهد في هذا المشروع مع جامعة قطر، ومجلس قطر للمباني الخضراء.

وتهدف التقنية المقترحة، التي تستخدم مواد مبتكرة، إلى امتلاك القدرة على خفض تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي عبر امتصاصها مباشرة.

كما يهدف أيضا لتحسين جودة الهواء في الأماكن المغطاة عن طريق توجيه هذه الغازات الممتصة إلى الصوبات الزراعية، وكذلك تحويلها إلى منتجات ذات قيمة مضافة.

ووفقا لمعهد قطر، ستكون لهذه الحلول آثار إيجابية على تغير المناخ، والصحة، والأمن الغذائي، وتنويع الاقتصاد، وستساهم بالتالي في تحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *