في ظل ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف في قطر، برزت مبادرة نوعية لتقديم تجربة معيشية فريدة من نوعها في قطر، من خلال تطوير أماكن مفتوحة مكيفة بالكامل، تجمع بين جمال التصميم الخارجي وتقنيات التبريد الحديثة.
وشكلت هذه المشاريع نقلة نوعية في البنية الحضرية للدولة، حيث أصبح بإمكان السكان والزوار الاستمتاع بالتنزه والتسوق وممارسة الأنشطة الترفيهية في الهواء الطلق دون التأثر بحرارة الطقس المرتفعة.
الأماكن الخارجية المكيفة في قطر
توزعت هذه المواقع على عدد من أبرز مناطق العاصمة، لتشمل وجهات تراثية وحديثة في آن واحد.
1. سوق واقف
أحد أكثر الوجهات الشعبية والتاريخية في قطر، والذي شهد افتتاح أول ممر مكيف بطول 400 متر أمام فندق البدع، مما وفر لزواره أجواء مريحة دون المساس بهوية المكان التراثية.
2. الحدائق المكيفة
في خطوة تعد الأولى من نوعها في العالم، تم تكييف الهواء في حديقة الغرافة التي تمتد على مساحة تزيد عن 50 ألف متر مربع، حيث تم اعتماد نظام تبريد يحافظ على درجة حرارة تتراوح بين 26 و28 درجة مئوية.
والحديقة مصممة بأسلوب يعكس العمارة الإسلامية، وتستقبل نحو ثلاثة آلاف زائر يوميا.
وفي المدينة التعليمية، أصبحت حديقة الأكسجين وجهة مثالية لعشاق الطبيعة والنشاط البدني، بممراتها المكيفة ومسطحاتها الخضراء الواسعة التي تتجاوز 130 ألف متر مربع، والتي توفر بيئة باردة وسط الطبيعة الخلابة والمرافق الرياضية.
أما حديقة أم السنيم، فهي تحتضن أطول ممر مكيف للمشي والجري في العالم وفقا لموسوعة غينيس، بطول يتجاوز 1,140 مترا، وسط أكثر من 88 ألف متر مربع من المساحات الخضراء ومسارات مخصصة للدراجات ومناطق للأطفال، مما يجعلها نموذجا حضريا متكاملا للصحة والراحة.
3. تجربة تسوق دون حرارة
امتد الابتكار أيضا إلى الشوارع التجارية، حيث تحوّل شارع 21 هاي ستريت في الحي الثقافي كتارا إلى تجربة تسوق استثنائية، تجمع بين الممرات المكيّفة والمتاجر الراقية، بما في ذلك فرع غاليري لافاييت، مما يمنح الزوار تجربة راقية ومريحة على مدار العام.
وفي السياق ذاته، يقدم الحزم مول تجربة فاخرة مستوحاة من الطراز المعماري الإيطالي، حيث تم تكييف ساحاته الخارجية بالكامل، لتكون بيئة مثالية للتسوق والاسترخاء، خاصة مع الديكورات المميزة والأجواء الهادئة.
4. وجهات سياحية مكيفة
مدينة لوسيل بدورها تحتضن ثلاث من هذه الوجهات: أولها ساحة عرض النافورات في مول بلاس فاندوم، حيث يمكن للزوار مشاهدة العروض المائية في أجواء مكيفة بالكامل، إلى جانب خيارات واسعة من المطاعم والمقاهي.
ثم يأتي درب لوسيل، الوجهة النابضة بالحياة والتي لعبت دورا محوريا خلال فعاليات كأس العالم 2022، إذ تم تكييف ساحاته الخارجية لتستوعب أعدادا كبيرة من الزوار في الفعاليات والمهرجانات.
أما ويست ووك في منطقة الوعب، فقد صُمم ليكون مجتمعا عصريا متكاملا، حيث يتيح للزوار والمقيمين الاستمتاع بتجربة تسوق ومطاعم وترفيه خارجي مكيف طوال أيام السنة.
5. القطاع التجاري
أخيرا، يبرز تورنادو ديون بلازا في الخليج الغربي كمركز حديث للمطاعم والأعمال، يتميز بوجود مناطق جلوس خارجية مكيّفة تتيح للزوار قضاء وقت ممتع دون الحاجة إلى الاحتماء داخل المباني المغلقة.
ما يجمع هذه المشاريع ليس فقط اعتمادها على أنظمة تبريد فعّالة، بل أيضا ربطها بين الوظيفة البيئية والجمالية، حيث تم تصميمها لتكون جزءا من نسيج المدينة، دون المساس بمكوناتها الثقافية أو طابعها العمراني.
كما أنها تعكس توجها وطنيا لتوفير حلول ذكية لمشكلة مناخية قائمة، وتقديم نموذج يُحتذى به إقليميا وعالميا.
وبذلك، لم تعد حرارة الصيف في قطر عائقا أمام الحياة اليومية أو السياحة، بل باتت فرصة لاستعراض القدرة على الابتكار العمراني والتقني، في خدمة رفاه الإنسان واستدامة المدن.
فرص لتعزيز السياحة والاقتصاد المحلي
الاستثمار في البنية التحتية المفتوحة المكيّفة لا ينعكس فقط على راحة السكان، بل يسهم أيضا في دعم الاقتصاد والسياحة، ومع تزايد أعداد الزوار إلى قطر خاصة بعد تنظيم كأس العالم 2022، أصبحت الحاجة إلى أماكن خارجية جاذبة وآمنة من حرارة الصيف ضرورة استراتيجية.
وتقدم هذه الأماكن بديلا فاعلا عن المراكز التجارية المغلقة، وتمنح السائح تجربة تسوق واستجمام في الهواء الطلق دون معاناة الطقس.
وتسهم هذه المشاريع في تحفيز النشاط التجاري في المناطق المجاورة، إذ أظهرت تقارير محلية ارتفاعا في إقبال الزوار على المحلات والمطاعم الواقعة ضمن أو قرب هذه المواقع المكيّفة.
كما تتيح هذه الأماكن تنظيم فعاليات ثقافية ورياضية وسياحية طوال العام، مما يطيل من الموسم السياحي ويزيد من معدل الإنفاق المحلي.
من الناحية البيئية، تم تطوير أنظمة التبريد المستخدمة في هذه المواقع بحيث تكون موفرة للطاقة وملائمة لمتطلبات الاستدامة، وتعمل بكفاءة حتى في الظروف المناخية القاسية. واعتمدت الجهات المنفذة على تقنيات عزل حراري متقدمة، وتوزيع ذكي للتبريد يركز على الأماكن التي يتواجد فيها الناس فقط دون هدر للطاقة.
كما رُوعي في التصميمات استخدام مواد صديقة للبيئة وتشجير محيط الممرات والمناطق المفتوحة بأشجار ظلّية تساعد على خفض درجة الحرارة، إلى جانب دمج مفاهيم العمارة الإسلامية والمحلية التي تسمح بتدفق الهواء بشكل طبيعي، كما هو الحال في حديقة الغرافة التي استخدمت “المشربية” كعنصر معماري أساسي لتوجيه التهوية.
خطة للتوسع والتطوير مستقبلا
تشير الجهات الرسمية إلى وجود خطط لتوسيع نطاق هذه التجربة لتشمل مزيدا من الأحياء والمرافق العامة، بما فيها الكورنيش والمنتزهات المجتمعية والمناطق الساحلية.
ومن المتوقع أن تدخل تقنيات أكثر تطورا في مراحل التوسعة المقبلة، مثل الطاقة الشمسية لتغذية أنظمة التبريد، وتقنيات الذكاء الاصطناعي لضبط درجات الحرارة بناءً على كثافة الزوار.
وفي يونيو الماضي، أعلن ميناء الدوحة القديم عن إطلاق مشروع التكييف الخارجي على امتداد الواجهة البحرية والممشى الخشبي بمنطقة حي المينا.
وتأتي هذه الخطوة لتحسين تجربة الزوّار وتثبيت مكانة الميناء كإحدى الوجهات السياحية الرئيسية في الدولة.
وبدأ العمل على المشروع منذ يونيو الماضي، ومن المتوقع أن يكون المشروع جاهزا بشكل كامل ليتمتع به زوار الميناء الصيف القادم.
مركز إقليمي للابتكار
وتفتح هذه المبادرات الباب أمام الشراكات مع القطاع الخاص، خاصة في مجالات المقاولات والتصميم وتكنولوجيا التبريد، مما يوفر فرصا وظيفية محلية ويعزز من مكانة قطر كمركز إقليمي للابتكار في حلول المناخ الحضري.
ما قامت به قطر من تكييف للمناطق المفتوحة ليس فقط استجابة عملية لتحديات المناخ، بل هو تعبير عن رؤية مستقبلية طموحة لبناء مدن ذكية تحترم طبيعتها الجغرافية وتحتضن سكانها وزوارها على مدار العام.
لقد باتت حرارة الصيف فرصة لتقديم تجربة عمرانية وإنسانية غير مسبوقة في المنطقة، وتجسيدا لتكامل البنية التحتية مع رفاهية الإنسان، والاستثمار الذكي في جودة الحياة.