الألعاب الشعبية في قطر.. ذاكرة جماعية تخلد ذكريات الزمن الجميل

على شواطئ الخليج العربي، ووسط الكثبان الرملية، نشأت ألعاب شعبية قطرية تمثل ذاكرة جماعية تخلد ذكريات الزمن الجميل.
ففي زمنٍ لم يكن فيه للألعاب الإلكترونية وجود، كانت الألعاب الشعبية تمثل متنفسا مهما للأطفال، تنمي مهاراتهم وتعلمهم التعاون والروح الرياضية.

ومنذ فجر التاريخ، اهتم التراث الشعبي اهتماما خاصا بالأطفال، فشمل قصصا وأغاني وأناشيد وألعابا وأمثالا شعبية وفنونا شعبية وتعبيرية، كل ذلك يسهم في ربط الأطفال أكثر بالماضي ويعمق صلتهم به، في ظل سطوة القيم المادية في الحياة المعاصرة.

وفي زمنٍ هيمنت فيه التكنولوجيا على كل مفاصل الحياة، تعد الألعاب الشعبية ذاكرة جماعية وثائقية تخلد ذكريات الطفولة الجميلة، وتعلمنا الكثير عن ثقافتنا وتراثنا.

الألعاب الشعبية

من جهته أكد صالح غريب الإعلامي والباحث في التراث الشعبي، على الدور الكبير الذي لعبته الألعاب الشعبية في الماضي، خاصة في شهر رمضان المبارك، حيث ساهمت في إثراء لياليه الجميلة بتنوعها بين ألعاب تعتمد على الحركة والنشاط مثل “عظيم الساري” و”الخشيشة” وألعاب ذهنية مثل “الصبة” و”الدامة”.

وأشار غريب في حديث لوكالة الأنباء القطرية “فنا” إلى أن بعض هذه الألعاب لا تزال تمارس حتى اليوم، مثل “الصبة” و”الدامة”، لافتًا إلى أنها تقدم ضمن الأنشطة المجتمعية في رمضان، مؤكدًا على كونها جزءًا رئيسًا من الحياة اليومية للأطفال.

وشدد غريب على الدور الكبير لهذه الألعاب في قيم التنشئة الاجتماعية للطفل، ومساهمتها في تكوين شخصيته، حيث تُكسبه القوة الجسمانية للتغلب على الإرهاق، خاصة في شهر رمضان مع حرارة الطقس، مؤكدا أنها تعطي الطفل المقاومة والصبر والتحمل على إتمام صيامه.

وأوضح غريب أن الألعاب الشعبية، على الرغم من التغير الاجتماعي الذي طرأ على دول الخليج، حافظت على تأثيرها، وتعد جزءًا رئيسًا من الحياة اليومية للأطفال.

وفي سياق تحليله لدور هذه الألعاب، أوضح غريب أنها تعزز القيم الاجتماعية مثل التعاون والتواصل لدى الأطفال، كما أنها تساهم في الحفاظ على التراث الثقافي ونقله للأجيال القادمة.

ونوه غريب إلى أهمية دعم الألعاب الشعبية من خلال المؤسسات التربوية والثقافية، مشددا على أهمية تنظيم فعاليات وبرامج تعرّف الأطفال بهذه الألعاب، كما دعا إلى توثيقها من خلال الكتب والأفلام والأبحاث.

ومعلوم أن الألعاب الشعبية تمارس من قبل الذكور والإناث على حد سواء، وغالبا ما ترتبط بالأغاني، ولها خطوات وحركات، وأدوار يوزعها الأطفال بينهم قبل بداية اللعبة، ويتعلمها الطفل دون توجيه وإرشاد، ولكن من خلال مشاهدة الآخرين.

تعد الألعاب الشعبية في قطر جزءا لا يتجزأ من ثقافتها وتراثها، وتعود جذورها إلى قرونٍ مضت. فقد مارسها الأجداد في الماضي، ونقلوها للأجيال اللاحقة، لتصبح رمزا للهوية والانتماء.

 الألعاب الشعبية وفوائدها

تتنوع الألعاب الشعبية في قطر بتنوع تضاريسها وثقافتها. ففي المناطق الساحلية، تمارس ألعاب مثل “القطّة والفأر” و”شدّ الحبل” التي تتطلب سرعة وذكاء، بينما تمارس في المناطق الصحراوية، ألعاب مثل “الخشيشة” و”الصبة” التي تتطلب التركيز والصبر.

وتقدم الألعاب الشعبية فوائد جمة للأطفال، فهي تنمي مهاراتهم الذهنية، والجسدية، وتعزز قيمهم الأخلاقية، كالتعاون والروح الرياضية والصبر. كما تساعدهم على التفاعل الاجتماعي مع أقرانهم، وتخلد ذكرياتهم الجميلة.

وتكتسب الألعاب الشعبية أهمية كبيرة عند الطفل، لدورها في تعزيز وتمتين قدراته الفردية، وتعكس تراث أجداده، وتحقق له الإشباع النفسي من الترويح والمتعة والسرور.

كما أنها تمثل تمرينا طبيعيا لقوى الطفل، إذ تساعده على تنمية التوافق الحركي والحسي لديه وتقوي عضلاته وتطور شخصيته، وتوثق علاقته مع البيئة، وتنمي لديه احترام القواعد التي تحكم اللعبة، وكيفية مواجهة المواقف الحرجة والخسارة أحيانان وتعظم الانتماء للجماعة وتعزز الترابط الاجتماعي.

تحديات

مع التطور التكنولوجي، تواجه الألعاب الشعبية تحديات كبيرة، فقد قلت الأماكن المخصصة لممارستها، وجذبت الألعاب الإلكترونية التي تُوفّر متعة فورية الأطفال وأخذتهم بعيدا عن ألعابهم الشعبية التراثية.

لكن ذلك لم يمنع بعض الباحثين والمهتمين بالتراث من العمل على إحياء الألعاب الشعبية والحفاظ عليها. فقد تم تخصيص أماكن لممارستها في بعض الحدائق العامة، وإدراجها في المناهج الدراسية، وتنظيم فعالياتٍ وأنشطة تهدف إلى نشر الوعي بأهميتها.

وتعد الألعاب الشعبية في قطر رحلة ممتعة تعلم الكثير عن ثقافة البلاد وتراثها. فهي تنمي مهارات الأطفال، وتعزز القيم، وتخلد ذكريات الطفولة الجميلة، لذلك، وجب العمل على إحياء الألعاب الشعبية والحفاظ عليها، لضمان تواصل الأجيال مع تراثها الثقافي، وتعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية لدى الأطفال.

ألعاب شعبية قطرية

تصنف الألعاب ضمن مجموعات تتقاطع فيما بينها بالعنوان الرئيسي والهدف، ومنها الحركية وهي لعبة “الكلينة والماطوع” وتتطلب مهارات الضرب والتمرير والتقاط الماطوع، ولعبة “الجدير” وتعتمد على الجري والقفز والاختباء.
أما لعبة “الدوامة” فتتطلب التوازن والتحكم بالجسم، فيما لعبة “البلبول”: تتطلب مهارات السرعة والرشاقة.
ومن ألعاب الصيد: لعبة “الفخاخ” وتحتاج لمهارات الصبر والتفكير الاستراتيجي، ولعبة “النبالة” تتطلب مهارات الدقة والتركيز.ومن الألعاب الذهنية: لعبة “الصبة” وتحتاج مهارات التركيز والذاكرة.
كما أن هناك ألعاب خاصة بالبنات، مثل لعبة “القيس” التي تتطلب مهارات التعاون والتنسيق بين اللاعبات.

 

وهناك لعبة “اللقفة” وتحتاج الطفلة للعبها لمهارات التوازن والتحكم بالجسم، فيما تتطلب لعبة “الخبصة” مهارات الصوت الجميل للغناء وإصدار النغمات.
أما لعبة العرايس فتتطلب الخيال والإبداع وتنميهما لدى البنات من خلال عمل حفلات مصغرة للأفراح الدارجة ولعب أدوار الكبار في المجتمع.

 

متاحف قطر

ويسجل لمتاحف قطر دورها الحيوي والهام في توثيق التراث الوطني ودعم الأنشطة التي تساهم في تحقيق ذلك لا سما المؤلفات التاريخية التي ترصد الماضي بكل تفاصيله التراثية والتي تعزز الارتباط بالزمن الجميل.

ونشرت متاحف قطر  مجموعة مؤلفات بينها كتاب “جبر.. فتى من زمن الصبر” من تأليف بشرى ناصر، وكتاب “الألعاب الشعبية في قطر” لخليفة المالكي.

وقالت على موقعها الرسمي تقدم لكتاب الماكي “لكل شعب تراثه وعاداته وتقاليده الاجتماعية التي ينفرد بها عن غيره من سائر الشعوب، وتنعكس على الألعاب الشعبية الخاصة به”.

و”تم تناقلها عبر الأجيال، لتظهر قدرة المجتمع على الإبداع وتوظيف المهارات العقلية والجسدية لخلق وسائل التسلية والمرح.

ويهدف كتاب “الألعاب الشعبية في قطر” لتوثيق هذه الذاكرة من خلال عرض رسوم إيضاحية لجميع الألعاب التي استخدمها الأطفال القطريون لللعب في الأيام الخوالي، وفق متاحف قطر.

 

 

 

الرابط المختصر: https://msheireb.co/25c