الاستثمار القطري في سان جيرمان.. 14 عاما من النجاح

قائمة أبطال المسابقات الأوروبية الكبرى لعام 2025
باريس سان جيرمان بطلا لدوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخه

كان استقبالا حافلا يليق بالأبطال؛ عندما استقبلت العاصمة الفرنسية باريس الرئيس التنفيذي لنادي باريس سان جرمان القطري ناصر الخليفي وهو يحمل كأس دوري أبطال أوروبا، بعد فوز تاريخي على نادي إنتر ميلان الإيطالي 5 – 0، في نهائي البطولة، في لحظات كانت تعني الكثير للرجل وللنادي، بعد رحلة طويلة توجت بنجاح مذهل.

فبعد أن كانت قيمة نادي باريس سان جيرمان لا تتجاوز 80 مليون يورو في 2011، وصلت قيمته اليوم إلى 5 مليارات يورو في عام 2025. وهو رقم كفيل بإظهار الإنجاز الذي قامت به هيئة قطر للاستثمار، التي استحوذت على النادي عام 2011.

وتعليقا على الإنجاز قال الخليفي: “اشترينا النادي مقابل 80 مليون دولار في عام 2011، واليوم باتت قيمته 5 مليارات دولار”.. كلمات جاءت في مشهد رمزي، بينما كان كأس دوري أبطال أوروبا يتوسّط استوديو قناة الكأس القطرية ببريقه الخاطف.

اختصر الخليفي بهذه الجملة الموجزة، فصلا استثنائيا في تاريخ كرة القدم الحديثة، وجوهر الرحلة القطرية الجريئة التي بدأت قبل 14 عاما؛ هذه الرحلة التي لم تكتفِ بالصعود بالنادي الباريسي من الظل الأوروبي فقط؛ بل صنعت منه مؤسسة رياضية عالمية تتصدر المشهد الكروي وتفرض حضورها بين الكبار، على المستويين الرياضي والتجاري.

ويمكن القول أن ما صنعته قطر من خلال هذا الاستثمار يتجاوز حدود الرياضة.؛ فيما يمثل درسا بقدرة الدول الصغيرة في صناعة التأثير الكبير عالميا، حين يكون وراء القرار رؤية، ووراء المشروع إخلاص، ووراء القيادة شخصية تؤمن بالنجاح، بعد أن أصبح اسم باريس سان جيرمان في الملاعب مرادفا لاسم قطر.

قصة الاستثمار

في مايو 2011، دخلت قطر رسميا عالم كرة القدم الأوروبية من أوسع أبوابه، حين استحوذت “قطر للاستثمارات الرياضية”، وهي ذراع استثماري لصندوق الثروة السيادي القطري، على 70% من أسهم نادي باريس سان جيرمان مقابل 70 مليون يورو.

وكان النادي آنذاك غارقا في أزمات مالية تحت إدارة “كولوني كابيتال”، لكن الصفقة شكّلت انطلاقة مشروع طموح، يهدف إلى تحويل باريس سان جيرمان إلى علامة تجارية كروية عالمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وبعد أسابيع فقط حققت قناة الجزيرة، التي تربطها علاقات وثيقة بقطر للاستثمارات الرياضية، تقدما نوعيا على الجبهة الإعلامية، حيث حصلت على حقوق البث الدولي للدوري الفرنسي، ثم دخلت في شراكة مع “كانال+” لشراء الحقوق المحلية، ما كسر احتكار الشبكة الفرنسية وأعاد المنافسة إلى سوق تلفزيون رياضي كان راكدا لسنوات.

وقد انعكست هذه التطورات سريعا على كرة القدم الفرنسية، إذ أعلنت رابطة الدوري الفرنسي للمحترفين أن صفقة البث المحلي للفترة من 2012 إلى 2016 بلغت قيمتها 510 ملايين يورو سنويا (نحو 725 مليون دولار)، وهو ما شكّل دفعة مالية هائلة رفعت من مكانة “ليغ 1” على خارطة الدوريات الكبرى.

وفي يوليو من نفس العام، بات واضحا أن “قطر للاستثمارات الرياضية” لا تنوي السير بخطى مترددة. ففي أغسطس، فجّر باريس سان جيرمان أولى صفقاته الضخمة بضم صانع الألعاب الأرجنتيني خافيير باستوري من باليرمو مقابل 42 مليون يورو (نحو 60 مليون دولار)، في صفقة كانت الأعلى في تاريخ الدوري الفرنسي حينها.

وفي مارس 2012، استكملت قطر للاستثمارات الرياضية السيطرة الكاملة على النادي بعد شراء الحصة المتبقية البالغة 30% من “كولوني كابيتال”، لتُقدّر قيمة النادي وقتها بنحو 100 مليون يورو (131 مليون دولار تقريبا).

وفي أكتوبر من العام نفسه، تم تعيين ناصر الخليفي رئيسا ومديرا تنفيذيا لباريس سان جيرمان، إيذانا ببدء مرحلة جديدة عنوانها الطموح والاستراتيجية بعيدة المدى.

الاستثمار القطري في سان جرمان

صعود مالي

وفي مايو 2025، قدّرت فوربس القيمة السوقية لباريس سان جيرمان بـ4.6 مليار دولار، رغم تسجيله خسارة تشغيلية بلغت 111 مليون دولار. لكن النادي حقق إيرادات قياسية وصلت إلى 870 مليون دولار في موسم 2023–2024، وهي الأعلى في تاريخه والثالثة بين الأندية الأوروبية العملاقة.

ميزانية مفتوحة

ومنذ دخول قطر للاستثمارات الرياضية إلى باريس سان جيرمان عام 2011، أنفق النادي الباريسي نحو 2.28 مليار يورو (ما يعادل 2.90 مليار دولار) على صفقات التعاقد مع اللاعبين، في مقابل تحقيق 865 مليون يورو (نحو 1.01 مليار دولار) من بيع اللاعبين.

في البدايات، كانت كلفة الإنفاق ترجح بشكل ساحق على الإيرادات، كما حدث في موسم 2011–2012 حين أنفق النادي 107.1 مليون يورو (149 مليون دولار)، بينما لم تتجاوز العائدات من المبيعات 9.4 ملايين يورو (13 مليون دولار).

غير أن العوائد تحسّنت تدريجيا على مدار السنوات، وبلغت ذروتها في موسم 2023–2024 حين حقق النادي 210.65 مليون يورو (نحو 228 مليون دولار) من بيع اللاعبين، دون أن يتوقف عن ضخ الاستثمارات القوية لتعزيز التشكيلة.

وارتفعت القيمة السوقية للفريق بشكل هائل، من 137.15 مليون يورو (نحو 190.9 مليون دولار) في موسم 2011–2012، إلى ما يزيد عن 630.7 مليون يورو (682.6 مليون دولار) في 2023–2024، قبل أن تصل حاليًا إلى 1.05 مليار يورو (نحو 1.2 مليار دولار).

نجوم العالم يحطّون في باريس

في 18 يوليو 2012، افتتح سان جيرمان حقبة “الغلاكتيكوس” بتوقيع النجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش قادما من ميلان، في صفقة بلغت قيمتها 21 مليون يورو (نحو 25.76 مليون دولار).

وبعد أشهر قليلة، وفي 31 يناير2013، فجّر النادي مفاجأة مدوية بضم أسطورة الكرة الإنجليزية ديفيد بيكهام في عقد يمتد لخمسة أشهر قادما من لوس أنجلوس غالاكسي.

ثم في 10 أغسطس 2021، دوّى الحدث الأضخم في تاريخ سوق الانتقالات: الأسطورة الأرجنتيني ليونيل ميسي يوقّع عقدًا مع باريس سان جيرمان يمتد لعامين مع خيار التمديد لموسم ثالث. ليجسّد قمة الطموح الباريسي في ضم الأسماء الأسطورية.

الاستثمار القطري في سان جرمان
ليونيل ميسي في باريس سان جيرمان

صمود في وجه التحديات

أثبت الخليفي أنه رجل يمتلك الإيمان والصبر، ويجمع بين الكفاءة الإدارية والفكر الرياضي، فحوّل النادي إلى منصة تواصل حضاري وثقافي.

أصبح النادي مركزا لنجوم عالميين مثل ميسي، نيمار، ومبابي. وسرعان ما بات باريس سان جيرمان ينافس بقوة على البطولات الأوروبية، ويجذب أنظار العالم إليه، لا كلاعب فقط، بل كلاعب استراتيجي في صناعة الرياضة الدولية والاستثمار فيها. لكن خلف هذه الإنجازات، كانت هناك تحديات جسيمة.

أبطال أوروبا: التتويج التاريخي

بعد 14 عاما من السعي الدؤوب والحلم المؤجل، توّج باريس سان جيرمان أخيرًا بلقب دوري أبطال أوروبا في عام 2025، محققا إنجازا تاريخيا طال انتظاره.

وجاء التتويج بأسلوب ساحق، بعدما أمطر شباك إنتر ميلان بخماسية نظيفة في نهائي تاريخي، وهي أكبر نتيجة في تاريخ المباريات النهائية للبطولة على الإطلاق.

هذا الانتصار منح النادي جائزة مالية قدرها 25 مليون يورو (27.35 مليون دولار)، دون احتساب الجوائز التي حصل عليها في الأدوار السابقة.

أهداف مباراة سان جرمان وموناكو في نهائي السوبر الفرنسي
تتويج نادي باريس سان جيرمان

الرابط المختصر: https://msheireb.co/62h