بينما تواصل دولة الاحتلال حربها الوحشية على قطاع غزة، فإن عمليات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي تجري في الضفة الغربية المحتلة على قدم وساق أيضا، ما يضع فلسطينيي الداخل في مواجهة نكبة جديدة.
وتستغل الحكومة اليمنية المتطرفة والمتطرفين اليهود حالة تركز الأنظار على غزة الذي يتعرض لجرائم حرب على مدار الساعة، لتنفيذ مخطط تهجير سكان الضفة والاستيلاء على بيوتهم وأراضيهم الذي لطالما قوبل لرفض دولي.
ووصل عنف المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة إلى مستويات قياسية في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي شنتها فصائل المقاومة على دولة الاحتلال في السابع من أكتوبر.
فقد بدأ المستوطنون شن هجمات متعمدة على الفلسطينيين وأراضيهم ووثقت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية)، أكثر من 400 اعتداء أدت لمقتل 9 فلسطينيين منذ السابع من أكتوبر الماضي.
واضطرت تسع تجمعات فلسطينية تضم 100 عائلة لهجر بيوتهم إلى أماكن أخرى هربا من هجمات المستوطنين الذين يدمروا مئات أشجار الزيتون واستولوا على مساحات كبيرة من الأراضي والبيوت تحت حماية جيش الاحتلال.
وتحول المستوطنون من إطلاق النار على الأرجل كما تعودوا إلى إطلاق النار بهدف القتل كما نقلت وكالة رويترز عن بعض السكان.
وحذرت جماعات حقوقية من أن حركة الاستيطان المتطرفة تسعى إلى زيادة ترسيخ وجودها في جميع أنحاء الأراضي المحتلة بدلا من أصحابها.
وقالت منظمة بتسيلم، الإسرائيلية لحقوق الإنسان، إن سبعة فلسطينيين على الأقل قتلوا على يد المستوطنين منذ بدء الحرب في قطاع غزة.
وقتلت قوات الاحتلال أكثر من 100 فلسطيني في الضفة الغربية خلال نفس الفترة، وفق تقارير الأمم المتحدة. كما تم طرد حوالي 500 فلسطيني من منازلهم وتتزايد بالفعل الدعوات إلى التشدد بعد تصاعد الغارات والاعتقالات الإسرائيلية.
وتقول جماعات المستوطنين إنها تتصرف دفاعا عن النفس، لكن وفقا لصحيفة واشنطن بوست فقد نفذ المستوطنون المسلحون هجمات قاتلة هذا العام في جميع أنحاء الأراضي المحتلة حتى قبل السابع من أكتوبر.
View this post on Instagram
قتل دون محاسبة
وقالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن غالبية ضحايا المستوطنين هم في الغالب من المدنيين، وتخشى العائلات الفلسطينية، التي تطاردها ذكريات النزوح، أن تعيش فترة أخرى من سلب الأرض والتهجير القسري.
وتعليقا على هذه التطورات، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن “هجمات المستوطنين المتطرفين ترقى إلى صب البنزين على النيران المشتعلة بالفعل”، مؤكدا أن هذه التصرفات يجب أن تتوقف وأن يحاسب المسؤلون عنها.
ويقول الفلسطينيون إنهم غالبا ما يُستهدفون من جانب ضباط الشرطة الإسرائيلية المكلفين بحمايتهم، كما تقول واشنطن بوست.
وفي مشهد يعكس ما يتعرض له فلسطينيو الضفة من اجتثاث -وفق واشنطن بوست- طلبت شرطة الاحتلال من هاشم صالح -وهو من قرية العيساوية- إحضار شهود عيان لإثبات قتل أخيه بلال (38 عاما) على يد أحد المستوطنين.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن مراسليها شاهدوا ضباطا إسرائيليين يعتقلون شقيق الضحية ويقيدونه ثم وجهوا له تهمة الانضمام لحركة حماس.
وقال آفي نادل، أحد سكان كوخاف هشاشار، لواشنطن بوست إن “الخطاب السياسي الإسرائيلي تحول إلى اليمين في الأسابيع التي تلت السابع من أكتوبر والذي يعتقد أنه سيفيد حركة المستوطنين”، مضيفا: “في بعض الأحيان يكون التنوع الأقل أمرا جيدا”.
وبدأ وزير الأمن الداخلي المتطرف إتمار بن غفير توزيع ما يصل إلى 25 ألف قطعة سلاح على المستوطنين في العديد من أنحاء الضفة، في تغذية جديدة لخطة ترهيب الفلسطينيين وقتلهم وتهجيرهم.
وقال بن غفير إن توزيع الأسلحة “يهدف للاستعانة بالمواطنين العاديين في مساعدة رجال الأمن”، وذلك بعدما أعلن عزمه تشكيل “فرق أمنية”، ميليشيات.
وقبل يومين، قالت صحيفة نيويورك تايمز إن تل أبيب طلبت من واشنطن الحصول على 24 ألف بندقية هجومية وهو ما أثار مخاوف لدى مشرعين أمريكيين وبعض مسؤولي وزارة الخارجية.
ووفق الصحيفة، فإن مخاوف المشرعين ومسؤولي الخارجية تدور حول احتمال وصول هذه الأسلحة إلى المستوطنين والمليشيات المدنية التي تحاول إجبار الفلسطينيين على ترك أراضيهم.
وخلال السنوات الماضية، سرعت حكومة الاحتلال منح تصاريح حمل السلاح للمستوطنين ومنعت مصادرة أسلحة مطلقي النار على الفلسطينيين المتهمين بتنفيذ عمليات.
وحظرت الحكومة التحقيق مع مطلقي النار على الفلسطينيين المتهمين بتنفيذ عمليات، وبدأت تشجيعهم على حمل السلاح بشكل دائم.
وفي كل مرة، تبرر حكومة الاحتلال عمليات القتل سواء من المستوطنين أو من رجال الأمن والجيش بأنها كانت دفاعا عن النفس، في حين قالت وكالة رويترز إن العنف في الضفة وصل إلى أعلى مستوى منذ 15 عاما.
وسجلت الأمم المتحدة أكثر من 170 هجوما للمستوطنين على الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر الماضي، وقالت إن هذا العام هو الأكثر دموية في الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية، وحذرت من انفجار الوضع هناك بسبب تلك الممارسات.
وقالت إن نحو 200 فلسطيني و26 إسرائيليا. لكن الأسابيع الثلاثة التي تلت هجوم حماس شهدت استشهاد 121 فلسطينيا آخرين بالضفةن معظمهم خلال اشتباكات مع الجنود.
وقال مواطن فلسطيني يدعى وادي من قرية قُصرة التي تشتهر بزراعة الزيتون لرويترز “كان العرب واليهود يرشقون بعضهم بالحجارة. ويبدو أن المستوطنين في نفس عمري (29عاما) يحملون جميعا أسلحة آلية الآن”.
وأضاف وادي أن المستوطنين المسلحين كانوا قبل 10 سنوات يطلقون النار لتخويف القرويين أو إصابتهم أثناء المواجهات، إلا أن إطلاق النار أصبح الآن في مقتل على نحو متزايد.
وتمثل الضفة خليطا معقدا من المدن الواقعة على سفوح التلال إلى جانب مستوطنات ونقاط التفتيش عسكرية تمزق التجمعات السكنية الفلسطينية.
ويعتقد أكرمان أن العنف المتزايد من جانب المستوطنين سيؤدي لمواجهات مسلحة بين الطرفين مشيرا إلى دعوة مجموعة “عرين الأسود” إلى شن هجمات داخل إسرائيل.
View this post on Instagram
نكبة جديدة
ومع تزايد نزعة التطرف والعنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي، طالب وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش -الذي يسكن في إحدى المستوطنات هو وبن غفير- لبناء مناطق عازلة ومنع الفلسطينيين من دخولها.
هذا الأمر دعا صحيفة الغارديان البريطانية لوصف ما يحدث لسكان الضفة الغربية بأنه “نكبة جديدة”، مشيرة إلى أن مخيم جنين يتعرض لحملات اعتقال واغتيالات واسعة من جانب قوات الاحتلال.
ولم يقف الأمر عند جنين، فقد امتدت الاعتداءات -التي تحولت إلى مواجهات في بعض الأحيان- لمدينة ومخيم طولكرم التي عمدت قوات الاحتلال لتجريف طرقها وشوارعها وقصفت محول الكهرباء الذي يغذيها.
ووقعت مواجهات أخرى في قرية سعير شمالي الخليل وفي مدينة بيت لحم ومخيم عقبة جبر في أريحا، وبلدة بيتونيا غربي رام الله، ولم تتخذ حكومة الاحتلال أي خطوات لتهدئة هذه الأوضاع.
وتشير بيانات هيئة الأسرى ونادي الأسير الصادرة يوم الثلاثاء (7 نوفمبر 2023) إلى سقوط 163 شهيدا خلال شهر واحد، فضلا عن اعتقال 2200 آخرين، ليرتفع عدد الأسرى في سجون الاحتلال بنهاية أكتوبر 2023 إلى نحو 7 آلاف بينهم 62 أسيرة، مع أكثر من 20 ألف معتقل إداري (دون تهمة أو محاكمة).
وقالت الغارديان إن سكان “زنوتا”، الواقعة على قمة هضبة جنوب تلال الخليل في عمق الضفة الغربية، وعددهم 150 شخصا قرارا جماعيا بهجر قريتهم.
وبدأت إسرائيل تمرير قوانين لم تكن قادرة على تمريرها في السابق ومنها “قانون الإرهاب” الذي يناقش منذ ست سنوات، حيث أقر الكنيست قراءته الأولى في 25 أكتوبر الماضي.
ووسعت حكومة الاحتلال من اعتقال طلاب الجامعات وفصلهم من الدراسة جنبا إلى جنب مع اتساع حملة الفصل التعسفي للموظفين العرب.
ووفقا لبيانات حركة “السلام الآن” الإسرائيلية الرافضة للاستيطان، فقد قدمت حكومة نتنياهو مخططات لإقامة 12 ألفا و885 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، ونشرت مناقصات لبناء 1289 وحدة استيطانية، ما يعني أنها تعمل على إنشاء أكثر من 14 ألف وحدة.
وقالت الحركة إن أكبر هذه المخططات كانت في مستوطنة “معاليه أدوميم” شرق مدينة القدس، حيث تم إقرار 1475 وحدة استيطانية، ومستوطنة “عيلي” شمال شرق رام الله والتي تم فيها إقرار 1081 وحدة استيطانية.
يضاف إلى ذلك مستوطنة “كوخاف يعقوب” وسط الضفة الغربية، حيث تم إقرار 627 وحدة استيطانية، و”جفعات زئيف” شمال غرب القدس، والتي تم فيها إقرار 559 وحدة استيطانية.
كما تم إقرار بناء 350 وحدة استيطانية في مستوطنة “ألكناه” القريبة من نابلس، و374 وحدة في مستوطنة “كريات أربع” في الخليل جنوبي الضفة، و380 وحدة في مستوطنة “كيدوميم” شمالي الضفة، إضافة إلى التوسعات في العديد من المستوطنات الأخرى.
وفي السياق نفسه، قالت منظمة “عير عميم” الإسرائيلية، المتخصصة في قضايا القدس، إن السلطات الإسرائيلية تبحث مخططات لإقامة 7082 وحدة استيطانية في القدس الشرقية.
والتزمت إسرائيل في فبراير الماضي بتجميد الاستيطان في اجتماع بمشاركة السلطة الفلسطينية في مدينة العقبة الأردنية، وبحضور ممثلين عن الولايات المتحدة الأمريكية والأردن ومصر، ثم جددت هذا الالتزام في اجتماع مماثل عقد يوم 19 مارس في مدينة شرم الشيخ المصرية.
وتشكل المستوطنات الإسرائيلية ما نسبته 42% من مساحة الضفة الغربية، وتمت السيطرة على 68% من مساحة المنطقة “ج” لمصلحة المستوطنات، وهي منطقة تضم 87% من موارد الضفة الغربية الطبيعية و90% من غاباتها و49% من طرقها.
ورسخت السياسات الاستيطانية مشروع تفتيت الضفة الغربية، وعزل المواطنين الفلسطينيين في مناطق محدودة المساحة مقطعة الأوصال، وعملت على تجزئة الأسواق والمجتمعات المحلية الفلسطينية.
ومنعت هذه المستوطنات تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، إضافة إلى انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، وإلغاء أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية.