اجتياح غزة.. رغبة إسرائيلية تصطدم بتعقيدات السياسة

رغم تعالي أصوات طبول الحرب البرية التي تخطط إسرائيل لشنها على قطاع غزة، فإن ثمة أطراف تعمل بلا كلل ولا ضجيج لإيجاد موطئ قدم لتنفيذ عمليات إنسانية قد يصبح تنفيذها مستحيلا إذا بدأ الاجتياح.

وفي خضم حديث الحرب، تحاول دولة قطر وشركاء آخرون توسيع رقعة الوساطات الإنسانية قبل اشتعال الوضع على الأرض، وربما إرجاء المواجهة البرية التي يبدو التراجع عنها صعبا، حتى الآن على الأقل، لكنه ليس مستحيلا بالنظر إلى ضبابية النتائج التي ستترتب عليها، وفق ما يؤكده كثير من المحللين.

وقد نجحت الدوحة بالفعل في إطلاق سراح سيدتين أمريكيتين كانتا لدى حركة في المقاومة الإسلامية (حماس)، في خطوة يأمل كثيرون أن تكون بداية لعملية أوسع.

وفي حين يواصل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حشد قواته على حدود غزة تمهيدا لاجتياح القطاع “والقضاء على حماس تماما”، يؤكد محللون أن تحرير الأسرى (مدنيون أو عسكريون) المتواجدين في غزة سيكون مستحيلا تقريبا بوسائل عسكرية بحتة.

وقال نتنياهو يوم الجمعة إن إسرائيل “لن تتهاون في جهودها لإعادة جميع المخطوفين والمفقودين”، وهو تعهد يقول محللون إنه قد يجعل صناع القرار الإسرائيليين يتوقفون قبل الأمر بهجوم بري من شأنه أن يجعل استعادة الرهائن أحياء أصعب بكثير.

وفي تصريحات أخرى، اقترحت شخصيات سياسية وعسكرية إسرائيلية بارزة بدائل لهجوم واسع النطاق، مثل غارات تشنها القوات الخاصة أو حملة جوية مطولة، وقالوا إنها “ربما تكون النافذة الصغيرة التي تسمح بخفض التصعيد مفتوحة”.

ومع نبرات التلويح بالحرب الصادرة من عدة جهات، إلا أن ثمة تعقيدات سياسية وعسكرية قد تحول دون وقوع حرب واسعة النطاق كالتي يبدي كثيرون تخوفهم من أنها باتت على مرمى حجر واحد بسبب التصعيد الإسرائيلي.

 

موقف صعب

تاريخيا، كانت الأنظمة العربية وخصوصا التي تقف على جبهة مع إسرائيل حريصة على عدم خوص الحرب، ووقعت مصر -الجبهة الأهم عربيا- ومن بعدها الأردن -ثاني الجبهات- اتفاقيات تطبيع مع تل أبيب، وكلا البلدين لا يبدو مستعدا للانخراط في أي معركة، حتى الآن على الأقل.

في الوقت نفسه، تجد حكومتا البلدين نفسيهما في مواجهات تحديات أمنية خطيرة وغضب شعبي يتزايد على مدار الساعة، وهذا ما دفع قادة البلدين لتبني خطاب أكثر شدة تجاه سلوك إسرائيل.

هناك مخاوف حقيقية من اندلاع حرب واسعة إن لم يكن اليوم، فربما لاحقا، وقد حذر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين من أن المنطقة كلها تواجه خطر الحرب فعليا.

قد تلعب هذه المخاوف التي باتت مسيطرة على حلفاء رئيسيين للولايات المتحدة، ولإسرائيل أيضا، دورا في دفع نتنياهو إلى إعادة النظر في طبيعة العملية البرية التي يلوح بها منذ أسبوعين، رغم أن محللين يقولون إنها حرب وجود بالنسبة له بعد الضربة الكبيرة التي وجهتها المقاومة لصورة إسرائيل.

وبالنظر إلى أهمية العملية العسكرية البرية على المستويين العسكري والسياسي بالنسبة لنتنياهو، يبدو الحديث عن إنقاذ الأسرى المتواجدين في غزة، هو الورقة الأكثر قوة التي يمكن استخدامها لإرجاء الاجتياح أو تخفيفه.

وعلى الرغم من وصف المساعدات التي دخلت إلى قطاع غزة من الجانب المصري يومي السبت والأحد بأنها “قطرة في محيط” مقارنة باحتياجات كارثة إنسانية لـ 2.3 مليون شخص، فإنها تمثل تراجعا إسرائيليا واستجابة للضغوط.

كان فتح ممرات إنسانية لسكان القطاع المحاصرين بشكل كامل منذ أسبوعين، مطلبا عربيا أساسيا، وقد تحول إلى مطلب أمريكي أيضا جزئيا بسبب الضغوط التي تتعرض لها إدارة بايدن.

وبدأ إدخال المساعدات تزامنا مع إطلاق سراح السيدتين الأمريكيتين من غزة، وهو ما يعطي مؤشرا على احتمال نجاح خطة مقايضة عمل إنساني بآخر مثله ومنها إلى إجراء فكرة الحرب البرية لحين ترتيب هذه الأمور الإنسانية البحتة.

نيويورك تايمز: هكذا تمكنت قطر من إطلاق سراح السيدتين الأمريكيتين

لا تبدي إسرائيل أي تهاون في العلن، لكنها في الغرف المغلقة تواجه ضغوطا كبيرة فيما يتعلق بطبيعة ونتائج عملياتها البرية المحتملة، وأيضا فيما يتعلق بمصير المدنيين الأجانب.

وقد نقلت القناة الـ12 العبرية أن وزير الجيش يوآف غالانت رد -خلال جلسة سرية- على انتقادات بعض الأصوات المتشددة في الكنيست بأن واشنطن ترفض بدء الاجتياح قبل تحرير مواطنيها من غزة، وأن إسرائيل ليست في موقف يمكنها من قول: لا.

وقال ياكوف بيري، الرئيس السابق لجهاز الأمن الإسرائيلي (شين بيت) إن إسرائيل ربما وافقت على السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة صباح السبت في ضوء إطلاق سراح الرهائن مساء الجمعة.

وأضاف أن دافع حماس ربما كان إلهام الإسرائيليين الذين لديهم أحباء محتجزين في غزة للضغط على حكومتهم لتأجيل الغزو البري الوشيك حتى يتم إطلاق سراح المزيد من الرهائن.

في المقابل، نقلت نيويورك تايمز أن القيادي في حماس، خليل الحية، أكد خلال اجتماع سري في الدوحة إن العدوان على غزة لا بد وأن يتوقف قبل أن تطلق الحركة سراح المزيد من الرهائن.

وقال الحية أيضا إن فصائل مقاومة أخرى في غزة تحتجز بعض الرهائن وإن حماس تحتاج إلى وقت “للنظر في المنازل، مع العائلات، ومع الفصائل، وجمعهم معًا”.

في غضون ذلك، تتزايد الاحتجاجات الغاضبة في إسرائيل والتي تطالب بوقف أو تأجيل الحرب البرية لحين عودة كافة الأسرى، وهو أمر يبدو صعبا في ظل ما يحدث على الأرض، لكنه ليس مستحيلا بالنظر إلى المخاوف الكبيرة التي تسيطر على الجميع.

الرابط المختصر: https://msheireb.co/up