بعد الدور الذي لعبته مؤخرا لإتمام اتفاق تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران، أبدت دولة قطر استعدادها للتوسط في النزاع الروسي الأوكراني، إذا طُلب منها ذلك.
وسطع نجم الدبلوماسية القطرية مؤخرا مع انخراطها في عديد من الملفات الدولية والإقليمية المعقدة بما في ذلك أفغانستان ولبنان ورواندا وتشاد وربما اليمن أيضا.
واتخذت الدوحة موقفا محايدا من الصراع العسكري الروسي الأوكراني المتواصل منذ فبراير 2022، فلم تتخذ موقفا عدائيا من موسكو ولا أيدت غزها العسكري لكييف، بل وأدانته في كل المحافل.
هذه الحالة من الحياد مع كثير من المصالح المتبادلة بين قطر وأطراف النزاع ربما تمنحها مدخلا للعب دور ما لتقريب وجهات النظر بعدما أصبح عجز الطرفين عن حسمه عسكريا أمرا واضحا ولا ينكره المحللون.
View this post on Instagram
استعداد قطري للتوسط
في حوار مع مجلة نيوزويك الأمريكية أمس الثلاثاء (3 أكتوبر 2023)، أبدى وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي، جاهزية قطر للتوسط في الأزمة الأوكرانية في حال طلب ذلك منها، وذلك لتعزيز الحوار وضمان السلام في أوروبا.
وقال الخليفي “إذا طلب منا التوسط في الصراع الأوكراني، فسنكون بالطبع مستعدين للعمل من أجل تسهيل الحوار وتحقيق السلام في أوروبا، كون ذلك حاجة ماسة”.
وأضاف: “قطر تؤيد أي مفاوضات تهدف إلى إنهاء هذا الصراع، ونحن نطالب، كما فعلنا من قبل، بوقف فوري للأعمال العسكرية في أوكرانيا”، مشددا على ضرورة الحفاظ على الممرات الإنسانية مفتوحة للسماح بوصول المساعدات، واحترام السيادة الأوكرانية وحدودها المعترف بها عالميا.
ولعب الخليفي دورا مهما في الاتفاق الأمريكي الإيراني الأخير، وهو أيضا على وشك الانخراط في الأزمة اللبنانية التي تسعى قطر ومن معها في اللجنة الخماسية الدولية (أمريكا، السعودية، مصر، فرنسا) لحلها.
وقد أعرب الوزير القطري عن أمله في تحقيق تقدم بشأن النزاع الروسي الأوكراني الذي ما تزال تداعياته ممتدة في العديد من مناطق العالم وعلى أكثر من صعيد.
وطالبت قطر مرارا بوقف الحرب والجلوس لطاولة المفاوضات وحل الخلاف بالطرق الدبلوماسية، وقد أجرى سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، العديد من المشاورات مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فلودومير زيلينسكي.
وزير الدولة بوزارة الخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي يبدي جاهزية دولة قطر للتوسط في الأزمة الأوكرانية في حال طلب ذلك منها، وذلك لتعزيز الحوار وضمان السلام في أوروبا، جاء ذلك في تصريحه لمجلة “نيوزويك” الأمريكية اليوم الثلاثاء @MofaQatar_AR
@Dr_Al_Khulaifi
#اقتباس #قطر🇶🇦… pic.twitter.com/RPiqnAOAdD— منصة مشيرب – Msheireb Platform (@msheirebQa) October 3, 2023
فرصة أفضل
ربما لم تكن فرصة توسط أي من دول الخليج في النزاع -الذي يكاد يعصف بأوروبا كلها- سانحة في بدايات الحرب لكنها باتت ممكنة بشكل أكبر في الوقت الراهن خصوصا لبلد مثل قطر نجح في تحقيق اختراقات بملفات معقدة كانت الولايات المتحدة تحديدا طرفا فيها، كما حدث في أفغانستان وإيران ومؤخرا.
ولا تستمد قطر قدرتها على التوسط في النزاع الروسي الأوكراني فقط لأنها لاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمية وإنما بسبب ثقة الأطراف في قدراتها الدبلوماسية التي تتزايد يوما بعد آخر.
يبدو واضحا أن لدى قطر نفوذا يمكنها من الحديث مع الجانب الأوكراني، فقد هاتف الرئيس زيلينسكي سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد بعد ساعات من بدء الغزو الروسي لبلاده، ثم توالت اللقاءات خلال فترة الحرب.
أما على الجانب الروسي، فقد توترت العلاقات مع قطر بعض الشيء بسبب موقفها الرافض للغزو العسكري لأوكرانيا، لكنها ما لبثت أن تحسنت بشكل كبير.
ولدى قطر علاقات قوية جدا مع روسيا خصوصا فيما يتعلق بالاقتصاد حيث تستثمر الدوحة أكثر من 20 مليار دولار في روسيا وهي أكبر مستثمر عربي هناك، وفق ما أكده سفير موسكو لدى الدوحة دميتري دوجادكين في يونيو الماضي.
وفي أكتوبر 2023، التقى سمو أمير قطر الرئيس الروسي خلال فعالية رياضية في كازاخستان، وقد نقلت وكالة رويترز عن مصدر مطلع أمن الاجتماع كان يهدف إلى محاولة تهدئة التوترات التي بدأت بين موسكو والدوحة بسبب موقف الأخيرة من الحرب.
وقال المصدر إن قطر “تحتاج إلى علاقات ودية مع روسيا وآخرين في المنطقة” من أجل الاستمرار في لعب دور كوسيط في الصراع.
لاحقا، مضت العلاقات الروسية القطرية قدما وقد زار رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني موسكو (21 يونيو 2023) لإيصال رسالة من سمو الأمير إلى الرئيس بوتين.
وقد تناولت الزيارة جملة من المواضيع بينها تحسين العلاقات السياسة والاقتصادية بين البلدين وسبل المضي في محاولات وقف الحرب الروسية الأوكرانية.
وبعد شهر واحد، زار الشيخ محمد بن عبد الرحمن كييف لأول مرة منذ بدء الحرب وبحث مع الرئيس زيلينسكي وكبار مسؤوليه سبل التوصل لصيغة تنهي الحرب.
ويوم الاثنين (3 أكتوبر 2023) أجرى الرئيس الأمريكي جو بايدن اتصالا مع سمو أمير قطر شكره فيه على جهود قطر لإتمام صفقة تبادل السجناء مع إيران، وتبادل معه وجهات النظر بشأن قضايا إقليمية ودولية، وفق ما نقلته وكالة الأنباء القطرية الرسمية.
ولم تذكر الوكالة تفاصيل الموضوعات التي بحثها سمو الأمير والرئيس الأمريكي لكنها قالت إن الشيخ تميم بن حمد أكد للرئيس الأمريكي إيمان قطر بأهمية الحوار كسبيل وحيد لحل الخلافات السياسية وإرساء السلام، وقال إن بلاده ستواصل جهودها من أجل فض النزاعات.
كما جدد سمو الأمير “التزام قطر بدورها كوسيط دولي موثوق لا تحده حدود إقليمية، بل يمتد للمساهمة في جهود إرساء السلام عالميا”
View this post on Instagram
قطر.. مكان مفضل لبناء الجسور
أواخر الشهر الماضي، قالت وكالة بلومبيرغ إن العلاقات القطرية الأمريكية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة خصوصا بعد مونديال كرة القدم الذي استضافته الدوحة أواخر العام الماضي، مشيرة إلى أن الدوحة باتت المكان المفضل الذي تقصده واشنطن عندما تريد بناء جسور مع الأطراف الأكثر صعوبة.
ونقلت الوكالة عن مصدر أن العلاقات بين واشنطن والدوحة تحسنت بشكل كبير في ظل إدارة جو بايدن، خصوصا بعد وساطتها الأخيرة التي أفضت لاتفاق تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وإيران والتي عززت أهمية الدوحة الدولية.
إلى جانب ذلك، فإن وصول طرفي النزاع إلى مرحلة اللا عودة تقريبا، ربما تجعل تدخل طرف محايد لبدء مفاوضات ولو سرية أمرا أقرب للمنطق، وقد ألمح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مؤخرا إلى عدم رفض موسكو العودة للمفاوضات.
جزء من أهمية قطر ومنطقة الخليج عموما في النزاع الروسي الأوكراني هو الدور المهم الذي تلعبه في سوق الطاقة العالمية، حيث تستحوذ دول مجلس التعاون الست على نحو 40% من احتياطات الطاقة المؤكدة عالميا، و23% من احتياطات الغاز، وهو أمر يمنح هذه الدول ثقلا كبيرا في وقت الأزمات، وفق تحليل نشرته “فورين بوليسي” الأمريكية في فبراير الماضي.
ووفقا للتحليل، فإن دول الخليج وبدلاً من ملاحقة الانتهازية وتحقيق أرباح أكبر من الصراع في أوكرانيا، قامت بالاستفادة من ثقلها في مجال الطاقة وموقفها السياسي الأوسع للعب دور دبلوماسي أكثر نشاطا في الحرب.
وترى “فورين بوليسي” أن إبقاء دول الخليج المؤثرة على علاقات عمل قوية مع كل من روسيا والغرب، يجعلها تتمتع بموقف فريد؛ لأن رفضها فرض عقوبات على روسيا والحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع موسكو يمنحها نفوذا لدى الكرملين، تماما كما يمنحها استعدادها لزيادة إمدادات الطاقة إلى أوروبا نفوذا لدى الغرب.
في نهاية المطاف، تقول المجلة الأمريكية، لا يرغب مجلس التعاون الخليجي في الانجرار إلى الصراع، لكنه قد يصبح في نهاية المطاف مفتاحًا له. وعلى الرغم من أن دور الوساطة الذي تلعبه دول مجلس التعاون الخليجي بين موسكو وكييف والغرب يقتصر إلى حد كبير على التدابير التكتيكية مثل تبادل السجناء حتى الآن.
لكن من المحتمل أن ينمو ليصبح أكثر أهمية في المستقبل، واعتمادا على كيفية تطور الصراع، يمكن أن تشارك دول الخليج في التوسط للتوصل إلى تسوية محتملة للحرب عندما يحين الوقت، كما تقول المجلة.
وقبل عام من الآن، نقل منتدى الخليج الدولي عن نيكولاي كوزانوف أستاذ باحث مشارك في مركز دراسات الخليج بجامعة قطر، أن الدوحة لديها رغبة في البقاء لاعبا دبلوماسيا رئيسيا. كما قال المنتدى إن تمسك الدوحة بأنها صديقة للجميع ربما يتيح لها لعب دور في الصراع الروسي الأوكراني في وقت ما حسب تطور الظروف.
أضف تعليقا