هل تكون السلطة الفلسطينية حصان طروادة الذي يمكن الاحتلال من غزة؟

في الوقت الذي يقول فيه الوسطاء إنهم يواصلون العمل من أجل التوصل لاتفاق يوقف إطلاق النار في قطاع غزة، تحدثت وسائل إعلام عبرية عن بدء رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، تشكيل قوة مسلحة من عشائر القطاع، رغم تحذيرات المقاومة من مغبة القيام بأي تعاون مع الاحتلال.

فقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية ماجد الأنصاري أن الوسطاء يواصلون العمل من أجل التوصل لاتفاق لكنه أكد أن الوضع معقد جدا في الوقت الراهن، كما أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أمس الثلاثاء مواصلة المفاوضات.

وقال مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) وليام بيرنز، في جلسة مغلقة أمام مجلس الشيوخ إن التوصل لاتفاق ليس مستحيلا، وإن العمل جارٍ عليه.

ورغم تأكيد الوسطاء مواصلة مساعي وقف إطلاق النار، فإن العديد من التطورات تجري على الأرض سواء في غزة أو في إسرائيل.

فعلى الأرض، بدأ الأمريكيون بناء ميناء بحري على شاطئ غزة لإيصال المساعدات، فيما تحدثت وسائل إعلام عبرية عن تشكيل قوة مسلحة تابعة لرئيس المخابرات الفلسطينية.

ووفقا لما نقلته القناة الـ14 العبرية، فقد بدأ فرج عمليا تشكيل قوة من جنوب غزة من أجل تولي مسؤولية نقل المساعدات إلى مناطق الشمال، وذلك في وقت يدعم فيه بعض الإسرائيليين أن يتولى الرجل إدارة القطاع بعد الحرب.

ويعرف فرج بعلاقاته الواسعة والوطيدة مع الأمريكيين والإسرائيليين والعديد من الدول العربية الفاعلة في الملف الفلسطيني.

وستكون مهمة القوة التي يجري الحديث عن تسليحها من جانب إسرائيل نقل المساعدات من جنوب القطاع إلى شماله، وهي خطوة تتعارض مع تحذير حركة المقاومة الإسلامية حماس من أنها سترد على أي تعاون مع إسرائيل بيد من حديد.

 

تكرار لسيناريو العراق

وقد يؤدي تشكيل قوة مسلحة على يد فرج إلى تحول الأمر إلى ما يشبه الحرب الأهلية في القطاع الخاضع لسيطرة حركة المقاومة الإسلامية حماس منذ 2007.

وخلال الأيام الماضية، حذرت حماس كافة شيوخ العشائر من التعامل بأي شكل من الأشكال مع إسرائيل، وقالت إنها ستضرب كل من يثبت عليه هذا الأمر بيد من حديد.

ويدور الحديث هنا حول محاولة إسرائيل تسليم مساعدات إنسانية لبعض شيوخ العشائر في غزة، لكن الأمر يبدو أكبر من مسألة مساعدات على ما يبدو.

وفي الوقت الذي تتحدث فيه إسرائيل عمَّن سيدير القطاع بعد الحرب، يقول تقرير مجتمع الاستخبارات الأمريكية إن القضاء على الحركة قد يستغرق سنوات، وإن حكومة بنيامين نتنياهو المتطرقة قد تسقط بسبب هذه الحرب.

وتصاعد الصدام العلني بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بشكل ملحوظ يوم الثلاثاء بعد أن اتهم مسؤول إسرائيلي كبير واشنطن بمحاولة تقويض حكومة نتنياهو.

وكان تقرير مجتمع الاستخبارات الأمريكي الصادر يوم الاثنين قد أشار إلى تعمق “عدم الثقة في قدرة نتنياهو على الحكم” منذ بدء الحرب.

وتتوقع أجهزة المخابرات الأمريكية احتجاجات كبيرة تطالب باستقالة نتنياهو وإجراء انتخابات جديدة في الأسابيع والأشهر المقبلة، وترى أنه من المحتمل أن يتم تشكيل حكومة مختلفة وأكثر اعتدالا.

ووفقا لموقع “أكسيوس” الأمريكي، فمن غير المعتاد إلى حد كبير أن يتم الإعلان عن مثل هذا التقييم للوضع السياسي الداخلي لزعيم حليف رئيسي للولايات المتحدة، ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن نشر هذه التقديرات لا يمكن أن يحدث دون موافقة البيت الأبيض عليه مسبقا.

وتواجه إدارة بايدن ضغوطا سياسية هائلة بسبب دعمها للحكومة الإسرائيلية في حربها مع غزة، بينما يقاتل بايدن من أجل إعادة انتخابه.

وردا على تقرير الاستخبارات الأمريكية، وجه مسؤول إسرائيلي كبير بيانا للصحفيين استهدف فيه إدارة بايدن وقال إنها تحاول التدخل في الشأن الداخلي الإسرائيلي.

وقال المسؤول الإسرائيلي الكبير “أولئك الذين ينتخبون رئيس وزراء إسرائيل هم مواطنو إسرائيل وليس أي شخص آخر”، مضيفا أن إسرائيل “ليست دولة تابعة للولايات المتحدة ولكنها دولة مستقلة وديمقراطية مواطنوها هم الذين ينتخبون الحكومة”.

وأضاف “نتوقع من أصدقائنا أن يتحركوا للإطاحة بنظام حماس الإرهابي وليس بالحكومة المنتخبة في إسرائيل”.

وغالبا ما يُتهم نتنياهو بالوقوف خلف هذه البيانات أو التسريبات التي تتبنى تصريحات مهمة لا يمكنه تبنيها بصورة علنية.

وبعد خطاب الاتحاد الأسبوع الماضي، بدأ الرئيس الأمريكي ما بدا أنه محاولة انفصال عن نتنياهو واستراتيجيته في غزة، مع مواصلة دعمه لإسرائيل في معركتها.

فقد وصف الرئيس الأمريكي مؤخرا دخول مدينة رفح جنوبي قطاع غزة بأنها “خط أحمر”، وهو ما رد عليه نتيناهو بالقول إن “خطه الأحمر” هو أن إسرائيل يجب أن تدخل رفح.

واعترف بايدن في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” أن هناك توافقا بين واشنطن وتل أبيب على أهداف الحرب، مع وجود خلافات في طريقة التنفيذ.

وفي خطاب ألقاه يوم الثلاثاء في مؤتمر اللوبي المؤيد لإسرائيل بلجنة الشؤون العامة الإسرائيلية (إيباك)، وجه نتنياهو الشكر لبايدن على دعمه لإسرائيل حتى الآن، لكنه شدد على أنه لن يرضخ للضغوط الخارجية لعدم القيام بعملية في رفح.

وزعم نتنياهو أن أغلبية الأمريكيين وأغلبية في الكونجرس تدعم إسرائيل. وقال إن “هناك أشخاص سيجعلونك تعتقد أن هناك رئيس وزراء إسرائيل وشعب إسرائيل. الحقيقة هي أن شعب إسرائيل يدعم سياستي”.

وحاول مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، التقليل من أهمية هذه الخلافات في مؤتمر صحفي مع الصحفيين يوم الثلاثاء، وقال إن بايدن “سيتحدث علنا” عندما تكون لديه مخاوف بشأن المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين في غزة.

وقال سوليفان، الذي التقى بالسفير الإسرائيلي مايك هرتزوغ صباح الثلاثاء: “دعونا نرى ما سيحدث في رفح، لأن القضية هي ما يحدث على الأرض وليس الأخذ والرد”.

 

هل يكون فرج حصان طروادة؟

وعندما يتركز الحديث على مدينة رفح، تبرز أهمية الأنباء التي سربها الإسرائيليون بشأن عمل رئيس مخابرات السلطة الفلسطينية على تشكيل قوة مسلحة في القطاع، والدور المنوط بها.

وأثارت هذه الأنباء مخاوف لدى فلسطينيين من أن يكون فرج أداة لتنفيذ مخططات إسرائيلية، وطالبه نشطاء على مواقع التواصل بنفي أو توضيح هذه المعلومات.

وتحدث البعض عن رفض 11 قبيلة من أصل 12عرض عليهم التعاون من جانب فرج وإسرائيل أيضا، وهو أمر يعيد إلى الأذهان ما حدث في العراق خلال الاحتلال الأمريكي عندما نشأت “الصحوات” التي قاتلت ضد المقاومة مقابل مبالغ مالية.

ويدور الحديث عن تسليح القبائل من أجل تمكينها من نقل المساعدات إلى شمال القطاع المحروم تماما من المواد الغذائية والطبية والذي يعيش سكانه مجاعة قاتلة.

لكن الإسرائيليين الذين يحاصرون القطاع كله بعدما دمروا غالبية مبانيه وبنيته التحتية لا يبدون مكترثين بإيصال الغذاء لأهل الشمال بقدر اكتراثهم بتسليح أهل الجنوب.

لقد قتلت إسرائيل مئات من سكان شمال غزة خلال تزاحمهم على المساعدات التي أسقطت عليهم جوا أو التي وصلت عبر شاحنة محدودة جدا، وأكدت مرارا أنها لن تسمح بعودة النازحين إلى الشمال الذي تريد إنشاء منطقة عازلة فيه.

بناء على ذلك، فإن تسليح عشائر الجنوب قد يكون بديلا للعملية العسكرية الفاشلة التي بدأها جيش الاحتلال قبل شهور في خان يونس جنوبا، والتي قال إنها مركز القيادة العسكرية لحماس.

ولم تتمكن القوات الإسرائيلية من السيطرة على خان يونس ولا على الجنوب عموما بسبب شدة المقاومة ونقص أعداد مقاتليها، والذي دفع زعيم معارضتها يائير لابيد للمطالبة بتجنيد اليهود المتشددين قبل استدعاء قوات الاحتياط.

وقال لابيد إن الجيش يعاني نقصا كبيرا في عدد المقاتلين وإنه بحاجة لضم عشرات آلاف من اليهود المتطرفين الذين لا يخضعون للتجنيد، لأن المسألة لم تعد إيدولوجية وإنما وجودية.

ويغذي هذا الحديث عن نقص عدد الجنود احتمالات لجوء إسرائيل للاستعانة ببعض عشائر الجنوب لخوض المعركة نيابة عنها ضد المقاومة.

وقد تكون القوة التي يجري الحديث عن تشكيلها على يد فرج هي حصان طروادة الذي يمكن إسرائيل من اختراق جدار غزة المنيع، حيث يبدو الأمر استبدال لحماس بقوة أخرى من أبناء غزة.

وعرفت حماس بقوتها في التعامل مع مثل هذه الأمور التي قد تشق الصف داخل القطاع وخصوصا على صعيد حمل السلاح، لكن السؤال يكمن في قدرتها على وأد هذه الفكرة وهي التي تخوض منذ أكثر من خمسة شهور معركة هي الأكبر ضد إسرائيل.

الرابط المختصر: https://msheireb.co/22z