كيف تحركت قطر لحماية البيئة قبل عقدين من إكسبو الدوحة 2023؟

يمثل المعرض الدولي للبستنة “إكسبو الدوحة 2023” تتويجا لجهد طويل بدأته دولة قطر قبل عقدين على الأقل عندما أصدرت قانون المحميات الطبيعية عام 2002، وصولا إلى تنظيم أول معرض من نوعه في المنطقة للبحث عن حلول للتحديات البيئية التي باتت تهدد العالم.

وقد أكد سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أن تنمية البيئة تعتبر أحد الركائز الأربع التي قامت عليها رؤية قطر 2030 منذ انطلاقها عام 2008، مؤكدا أن الدوحة تولي التغير المناخي والتصحر أهمية خاصة.

وبعد افتتاح المعرض الدولي للبستنة “إكسبو الدوحة 2023″، كتب سمو الأمير على حسابه الرسمي على منصة “X”، إن هذا المعرض يأتي في إطار هذه الرؤية وإنه أول معرض دولي من نوعه وفئته في قطر والمنطقة، مضيفا “فمرحبا بضيوفنا من جميع أنحاء العالم”.

 

كما قال رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن بلاده “تؤمن أن المهام العظيمة لا تنجز إلا بتبادل الخبرات الدولية”، ودعا العالم للتعاون من أجل توفير بيئة أكثر آمنا للأجيال المقبلة.

وأضاف خلال افتتاح “إكسبو 2023 الدوحة” (الاثنين 2 أكتوبر 2023) أن هذا المعرض يأتي ضمن مبادرات قطر الرامية لتحقيق توازن بين حاجاتها التنموية وحماية مواردها الطبيعية برا وبحرا وجوا، تحقيقا لرؤية 2030.

ولفت إلى أن هذه المبادرات تأتي تنفيذا لتوجيهات سمو أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الهادفة لتحقيق بيئة أكثر أمنا للأجيال القادمة.

وتابع “في الوقت الذي تصادف فيه البشرية كوارث طبيعية غير مسبوقة بسبب عدم احترام العالم للكوكب واستنزاف الطبيعة بشكل غير مسبوق فإننا نتطلع من خلال هذا المعرض العالمي إلى مبادرات وشراكات جادة تعيدنا والأجيال المقبلة إلى حياة ننشدها بدون تمييز”.

 

جهود طويلة الأمد

كانت قطر حريصة منذ سنوات على القيام بدور فاعل مع المجتمع الدولي في حماية البيئة، وهو ما دفعها للانضمام إلى العديد من الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية التنوع الحيوي لكون التنوع الحيوي واتفاقية فيينا بشأن حماية طبقة الأوزون.

كما خصصت الدوحة الـ26 من فبراير سنويا كيوم للبيئة القطرية ووضعت الاستدامة البيئية هدفا استراتيجيا في كافة قطاعاتها، وأطلقت العديد من المبادرات في هذا الشأن كمبادرة المليون شجرة، والعمل على حماية الغطاء النباتي وإيلاء الدراسات البيئية مزيدا من الاهتمام.

وينطلق هذا الاهتمام القطري بقضايا البيئة والاستدامة من كونها أخطر ما يواجه العالم من تحديات فضلا عن أنها إرثا مهما يجب تركه للأجيال المقبلة.

واهتمت قطر أيضا بالحفاظ على الحيوانات والطيور والنباتات المهددة بالانقراض من خلال توفير محميات لبعض أهم هذه الأنواع مثل السلاحف البحرية والباندا والمها العربي، وعملت على تقنين عمليات تصدير واستيراد الطيور والحيوانات البرية وطيور الزينة والصقور.

إلى جانب ذلك، أنشأت الحكومة قاعدة بيانات حيوية ومشروع حماية نبات الغاف القطري المهدد بالانقراض ومشروع إعادة تأهيل أشجار البمبر المحلية المهددة بالانقراض ومشروع تأهيل البر القطري ومشروع مكافحة نبات الغويف في عموم البلاد ومشروع حماية السلاحف البحرية صقرية المنقار.

وأسست الدوحة العديد من المؤسسات والأجهزة الحكومية المعنية بوضع البرامج والسياسات الاستراتيجيات الهادفة إلى تحقيق الاستدامة بأبعادها المختلفة، وسنت قوانين عديدة في هذا الشأن.

ومن أهم القوانين والتشريعات ذات العلاقة بتطبيقات التنمية المستدامة ما نصت عليه المادة (33) من الدستور الدائم: “تعمل الدولة على حماية البيئة والحفاظ على توازنها الطبيعي، تحقيقاً للتنمية الشاملة والمستدامة لكل الأجيال “.

 

رؤية وطنية

تستهدف الرؤية الوطنية التي اعتمدت بموجب القرار الأميري رقم (44) لسنة 2008، إلى تحويل قطر إلى دولة متقدمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة وعلى تأمين استمرار العيش الكريم لشعبها جيلا بعد آخر، وذلك بحلول 2030.

وفي ديسمبر 2022، أنهت قطر زراعة مليون شجرة تنفيذا لمبادرة أطلقت في 2019 كجزء من خطة تنظيم مونديال صديق للبيئة.

ومع انطلاق الحملة عام 2019، رصدت الحكومة مليار ريال (نحو 275 مليون دولار) لتنفيذ خطة مدتها ثلاثة أعوام لتجهيز الطرقات والشوارع وتجميل أماكن الإنشاءات الحديثة. كما دعمت أصحاب المنازل لتشييد مزارع وحدائق منزلية في ظل توجه الدولة لتحقيق تنمية مستدامة وفق رؤية 2030.

وجاءت المبادرة البيئية التزاما من قطر بالتعهدات الدولية لاتفاق باريس للمناخ بشأن خفض نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وأهمية الأشجار في النظام البيئي وعلى صحة الإنسان وجودة الحياة، وتعزيز التنوع البيولوجي، والاستفادة من المياه المعالجة في الري، وتحسين جودة الهواء، وزيادة الرقعة الخضراء.

وحققت قطر تقدما كبيرا في إنشاء الحدائق العامة، وزاد عددها من 56 حديقة عام 2010 إلى 148 حديقة حتى نهاية العام الماضي. كما زادت المساحات الخضراء إلى أكثر من 43 مليون متر مربع في 2022، بعدما كانت قرابة 2.5 مليون متر مربع عام 2010.

وبناء على هذا، زادت حصة الفرد من المساحة الخضراء إلى 16 مترا مربعا، بعدما كانت أقل من متر مربع واحد قبل 12 عاما، وذلك بزيادة 16 ضعفا، بحسب وزير البلدية عبد الله بن عبد العزيز السبيعي.

كما أكد رئيس برنامج “لكل ربيع شجرة” سيف الحِجري، في تصريحات سابقة إن الغطاء النباتي الأخضر يغطي 20% من مساحة شبه جزيرة قطر، في ظل زراعة أكثر من 10 آلاف من أشجار القرم (المانغروف) في مدينة لوسيل، وزادت قطر من زراعة الأشجار الملحية مثل القليف والقطف في المدينة.

وانطلق برنامج “لكل ربيع زهرة” عام 1999، يختار سنويا نبتة تنمو في البيئة القطرية، تتنوع ما بين النباتات الشاطئية والساحلية والبرية، واختار لعام 2023 نبات “العشرق” أو ما يعرف بـ “السنامكي أو “السنا”، بحسب الحجري.

وتلتزم زراعة الأشجار في قطر بمعايير تناسب البيئة القطرية، لتكون أقل كلفة ومتاعب في العناية وأقل استخداما للمياه، وهي الأشجار الصحراوية المعمرة، مثل السدر والغاف والسمر والعوسج، بالإضافة إلى النباتات الموسمية التي تنبت بعد هطول الأمطار.

والتزمت قطر التزمت بزراعة 10 ملايين شجرة بحلول عام 2030، في إطار دعم الدوحة لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أطلقتها المملكة العربية السعودية خلال عام 2021.

أول مونديال صديق للبيئة

كما نظمت الدوحة أول مونديال كرة قدم صديق للبيئة من خلال اعتماد تقنيات لتقليل الكربون وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة لتشغيل ملاعب ومنشآت البطولة، وهو ما وفر نحو 9 ملايين طن من الكربون كانت ستنبعث في المونديال لو لم توجد هذه التقنيات، وفق ما أعلنته لجنة المشاريع والإرث.

وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، جرى إنشاء 44 محطة فرعية في مواقع البطولة، لتوفير 49 ألف كيلو فولت أمبير من الطاقة الكهربائية. ووفق المعتاد، تطلب الأمر استخدام 185 مولدا لتشغيل الملاعب والمرافق المحيطة بها.

وقد تراجع هذا الرقم إلى 70 بفضل الاعتماد على الشبكة الوطنية، الأمر الذي أدى إلى توفير 82% من احتياجات البطولة من الطاقة بشكل مباشر عبر شبكة الكهرباء الوطنية.

وحصلت ملاعب البطولة الثمانية في الحصول على شهادات “جي ساس” من فئة أربع نجوم على الأقل في التصميم والبناء، بداية من ستاد خليفة الدولي، والذي خضع لعملية تطوير شاملة استعدادا للمونديال، وانتهاءً باستادي لوسيل و974.

وحصلت خمسة من استادات المونديال على شهادات “جي ساس” من فئة الخمس نجوم في التصميم والبناء، بينما حصل ستة استادات على شهادة من الفئة المميزة في إدارة أعمال الإنشاء، كما حصلت الاستادات على شهادات في كفاءة استهلاك الطاقة، وفي العمليات التشغيلية.

ولم تقتصر استدامة مشاريع المونديال على ثمانية استادات خضراء؛ بل شملت تدريب مئات الفنيين والمتخصصين في ممارسات المباني الخضراء.

كما ساعدت في تعزيز سلاسل توريد المنتجات والمواد المستدامة، إضافة إلى تقديم حلول هندسية جديدة مبتكرة، الأمر الذي سيدعم تشييد المزيد من المباني الخضراء في قطر بالمستقبل.

انتقال واقعي للطاقة النظيفة

تعمل دولة قطر بدأب من أجل التحول من الوقود التقليدي إلى طاقة أقل انبعاثا كجزء من خطتها المستقبلية القائمة أساسا على الاستدامة، لكنها تدعو في الوقت نفسه إلى انتقال واقعي وعادل للطاقة النظيفة.

وخلال السنوات الماضية، بدأت الدوحة العمل على العديد من مشاريع الطاقة النظيفة وذلك بالتوازي مع توسيع إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال لضمان استمرار الإمدادات كونها أحد أكبر المصدرين في العالم.

وتعتمد قطر استراتيجية من ثلاثة محاور لرفع الاعتماد على الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاث من خلال تقنيات حديثة، منها تقنية احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) التي ستلتقط أكثر من 11 مليون طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2035.

وستسمح المبادرات القطرية بخفض المزيد من الكربون في منشآت الغاز الطبيعي المسال بنسبة 35%، وبنسبة 25% على الأقل في منشآت التنقيب والإنتاج، مقارنة بالأهداف السابقة المحددة بنسبة 25% و15% على التوالي.

وتعزز هذه المبادرات التزام قطر بتزويد غاز طبيعي أنظف وعلى نطاق واسع لتسهيل الانتقال إلى طاقة منخفضة الكربون.

وتعمل الدوحة على احتجاز 5 ملايين طن من الكربون خلال عمليات إسالة الغاز بحلول 2025، وقد افتتحت في 2019 منشأة لهذا الغرض.

كما افتتح سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في أكتوبر 2022، محطة الخرسعة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والتي بلغت كلفتها 467 مليون دولار.

وتصل القدرة الإجمالية للمحطة إلى نحو 800 ميغاوات، ومن المتوقع أن تنتج 10% من الكهرباء التي تستهلكها قطر، وتلعب الروبوتات دورا كبيرا في تشغيلها.

 

مرتبة متقدمة عالميا

ومن المقرر أن تسهم المحطة في توليد نحو عشر الطاقة المستخدمة في الشبكة الوطنية للكهرباء في أوقات الذروة بطرق مستدامة وصديقة للبيئة.

وكانت المحطة جزءا من خطط الدوحة لتقليل انبعاثات الكربون وآثار التغير المناخي والانتقال المدروس للطاقة النظيفة.

وتمثل المحطة جزءا من خطة قطرية طويلة الأمد لتوليد أكثر من 5 غيغاواط من الطاقة الشمسية، ووقف الحرق الروتيني للغاز والحد من انبعاثات غاز الميثان المتسربة على طول سلسلة صناعة الغاز.

إلى جانب ذلك، تعمل الدوحة على إنشاء محطتين للطاقة الشمسية بتكلفة تصل إلى 600 مليون دولار؛ وذلك في إطار جهودها للحد من الكربون.

وفي 2021 قال معهد ماسوتشوتس التابع لجامعة اكمبريدج البريطانية إن قطر تحتل المرتبة الثالثة عربيا، والـ76 عالميا، في التصنيف السنوي الخاص بالدول الخضراء والمستدامة.

وأكد المعهد أن النمو الكبير الذي حققته الدوحة في هذا المجال خلال السنوات القليلة الماضية جاء عن طريق تركيزها على تطوير قدراتها في مجموعة من المجالات المهمة، الأمر الذي مكنها من احتلال مثل هذه المكانة دولياً.

وتوقع التقرير مواصلة قطر المضي قدما في هذا القطاع في الأعوام القليلة القادمة، واحتلالها لمراكز أفضل بداية من السنة المقبلة، بالنظر إلى المجهودات الجبارة التي تبذلها في تطوير قطاع النقل وتعزيزه بأسطول مميز من الحافلات الكهربائية.

الرابط المختصر: https://msheireb.co/ov