فايننشال تايمز: ماذا تبقى من غزة؟

سلطت صحيفة فايننشال نايمز، الضوء على حجم الدمار الذي تسببت به الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، والمستقبل الذي ينتظر القطاع خاصة مع طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطة لوقف الحرب.

وأوضح التقرير أن جيش الاحتلال الإسرائيلي حول قطاع غزة على مدار عامين من الحرب، إلى أنقاض، ودمر مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، إضافة إلى تدمير البنية التحتية والموارد الحيوية التي كانت تدعم القطاع.

وأشار إلى أن الفلسطينيين في غزة لا يعيشون في حالة من الصدمة المستمرة والجوع وتدمير مجتمعهم فحسب، بل إن مستقبل وجودهم في وطنهم المدمر لا يزال غير مؤكد.

دمار كامل

ويُظهر أحدث تقييم للأمم المتحدة، استنادا إلى صور الأقمار الصناعية المنشورة في 6 أغسطس من 2025 الجاري، أن 78% من المباني في قطاع غزة قد تضررت، وأن أكثر من نصفها قد دُمرت بالكامل.

وتقدر الأمم المتحدة أن كل متر مربع في غزة يحتوي في المتوسط على 383 كيلوغراما من الأنقاض.

وبيّن التقرير نقلا عن مسؤول مطلع، أن حجم الدمار الذي تسبب به الاحتلال الإسرائيلي في القطاع كان يتطلب استخدام “نموذج تدريجي” لإصلاح وتطوير الأحياء والمرافق القائمة وذلك حتى العام الماضي؛ مبينا أن جيش الاحتلال عمد خلال الأشهر الماضية إلى تدمير قطاع غزة بشكل شبه كامل، مما تطلب الآن “اتباع نهج شامل للإعمار”.

لا تهجير ولكن!

وأشارت الصحيفة إلى أن العديد من سكان قطاع غزة يخشون من أن يكون الدمار الكبير الذي تسبب به الاحتلال، مقدمة لطردهم من القطاع، وإجبارهم على ما يسميه قادة الاحتلال الإسرائيلي “الهجرة الطوعية”، بحجة أن غزة لم تعد مكانا صالحا للسكن، رغم أن خطة الولايات المتحدة الأمريكية التي طرحها الرئيس ترامب تنص صراحة على أنه لن يكون هناك تهجير قسري.

وقال مدير شبكة المنظمات غير الحكومية الفلسطينية أمجد الشوا: “أشعر أننا نتعرض للاقتلاع، وليس مجرد تهجير [مؤقت]”. “هذا التدمير الشامل للأرض يهدف إلى قطع صلتنا بها، حتى يتمكنوا من زرع فكرة أنه لا يوجد ما نعود إليه”.

وأضاف الشوا للصحيفة البريطانية: “هناك مشاكل خطيرة في الاقتراح. لكننا نحن الفلسطينيون نتشبث بأي بصيص أمل. الأولوية هي وقف القتل”.

لقد فقدنا كل شيء ولم يتبق سوى القليل. الأضرار هذه المرة تختلف عن أي حرب سابقة في غزة. يجب إعادة بناء المكان من الصفر“.

احصائيات الدمار

وكشفت الصحيفة في تقريرها عن حجم الدمار الذي طال القطاعات المختلفة في قطاع غزة، مشيرة إلى أن جميع الأراضي الزراعية تقريبا تعرضت للدمار، فيما أصبحت مساحات شاسعة منها غير قابلة للوصول، لأنها تقع في مناطق عسكرية محظورة تسيطر عليها “إسرائيل”.

ونشرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تقييما لصور الأقمار الصناعية، تقول إنه يكشف عن “الحقيقة المروعة” المتمثلة في أن 98.5% من الأراضي الزراعية في غزة إما متضررة أو غير قابلة للوصول أو كلاهما معا، في الوقت الذي تلوح فيه المجاعة في الأفق.

وبحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فإنه من أصل 15000 هكتار من الأراضي الزراعية في غزة قبل الحرب، لم يتبق سوى 232 هكتارا صالحة للزراعة. بالإضافة إلى ذلك، تضرر حوالي 83% من آبار الري وتقلص عدد الماشية بشكل كبير.

وقال نيل مارسلاند، كبير الموظفين الفنيين في منظمة الأغذية والزراعة، إن تدمير الأراضي الزراعية ليس فقط نتيجة حرق المحاصيل واقتلاع الأشجار، بل هو أيضا نتيجة القصف والتلوث الناجم عن تدمير البنية التحتية للصرف الصحي.

وأضاف: “لا شك في أن الصراع قد لوث التربة ومستوى المياه الجوفية. ولكن قبل أن يتم إصلاح التربة والمياه، يجب إزالة الأنقاض”.

وتقدر منظمة الأغذية والزراعة أن ربع سكان غزة قبل الحرب كانوا يعتمدون كليا أو جزئيا على الزراعة وصيد الأسماك في كسب رزقهم. وفي فبراير، قدرت الوكالة تكلفة إعادة تأهيل هذا القطاع بـ 7.4 مليار دولار، ومن المرجح أن تكون التكلفة أعلى الآن.

وأظهرت فاينانشال تايمز، أن “غالبية المدارس إما دمرت أو تعرضت لأضرار بالغة، ولم تبقَ جامعة واحدة على قيد الحياة. فقد الطلاب عامهم الدراسي الثاني ولا أحد يعرف كيف أو متى يمكن استئناف الدراسة”.

بالإضافة إلى الدمار، تم ضم أكثر من 80% من أراضي قطاع غزة إلى مناطق حظر عسكرية إسرائيلية، أو أصبحت خاضعة لأوامر تهجير قسري. ويقدر مسؤولو الإغاثة أن نصف تلك المنطقة قد دمرت بالكامل. تقول الصحيفة.

وذكرت أن معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، اكتظوا في خيام بأجزاء من وسط غزة أو في شريط المواصي الساحلي الجنوبي، حيث لا توجد خدمات عامة مثل المياه أو الصرف الصحي المناسب.

اعترافات إسرائيلية

ونقلت الصحيفة البريطانية اعترافات جندي احتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي قال إن الجيش ينفذ عملية أطلق عليها اسم “كونغ فو باندا” لتفجير المباني.

وأضاف: “هناك نوع من ناقلات الجنود المدرعة لم تعد تستخدم عسكريا. تم حشوها بالكثير من المتفجرات ويتم إدخالها إلى منزل، وتفجيرها. ولا يبقى من المنزل شيء. أصبح المشهد مسطحا تماما – لا ترى سوى الأنقاض”.

53 مليار دولار

في فبراير، قدَّر البنك الدولي أن تكلفة إصلاح وإعادة إعمار الأضرار التي لحقت خلال السنة الأولى من الحرب حتى أكتوبر 2024 ستبلغ حوالي 53 مليار دولار. ولم يقم البنك بعد بتحديث تقديراته، ولكن منذ ذلك الحين لم يسلم أي ركن من أركان القطاع من القصف العنيف.

دمار في كل مكان

وفي مدينة غزة، كما في أماكن أخرى من القطاع، تم تدمير كتل سكنية بأكملها أو قصفها أو تجريفها أو تفجيرها بواسطة مركبات مدرعة محملة بالمتفجرات يتم التحكم فيها عن بُعد.

وبدأت عمليات الهدم المنهجية في الجناحين الشرقي والجنوبي للمدينة قبل أشهر من إصدار “إسرائيل” أمرا بطرد السكان بالكامل في 9 سبتمبر، ثم شنّت هجوما بريا بعد أسبوع.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول مساعدات مطلع على حجم الدمار في غزة قوله إنه: “إذا لم يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار واستمرت عملية الإجلاء الكامل، فمن المرجح أن يتم تدمير مدينة غزة بالكامل”.

أما رفح جنوب قطاع غزة، فنقلت فايننشال تايمز عن مواطنين زاروا منازلهم خلال الهدنة في مارس الماضي، أن الاحتلال بعد أن قام بخرق الهدنة والعودة إلى القتال، قام بتدمير كل ما تبقى من أحيائهم السكنية في مدينة رفح.

وكان الاحتلال أعلن معظم المدينة منطقة محظورة، حيث يحدها من الشمال “محور موراغ العسكري المستحدث”، وهو محور تسيطر عليه إسرائيل، والذي يفصل رفح عن خان يونس.

وحول محيط غزة، هدم جيش الاحتلال المباني المدنية في منطقة عازلة موسعة، بعمق متوسط يبلغ كيلومترا واحدا داخل القطاع. كما تم تدمير جميع المباني في أربعة ممرات عسكرية واسعة على الأقل تقسم القطاع، بما في ذلك موراغ، كما تظهر صور الأقمار الصناعية.

صدمات نفسية ومجاعة

وأكد التقرير أن الصدمات النفسية والخسائر في الأرواح والتشريد القسري المتكرر للأشخاص المنهكين إلى جانب القيود المفروضة على دخول المساعدات، أدى إلى تفاقم الكارثة الإنسانية.

وأعلن مراقب الجوع المدعوم من الأمم المتحدة في أغسطس الماضي، أن المجاعة قد استشرت في مدينة غزة والمناطق المحيطة بها، ومن المرجح أن تنتشر إلى أجزاء أخرى من القطاع.

وقد اتهمت اللجنة التي عينتها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.

خطة طرد سكان القطاع

وكانت الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة قد بينت سابقا الخطة المثيرة للجدل التي أعلنها الرئيس الأمريكي ترامب في فبراير الماضي، والتي دعا فيها إلى طرد السكان بشكل جماعي إلى مصر والأردن وإعادة تطوير القطاع ليصبح “ريفييرا الشرق الأوسط”.

لكن ترامب تراجع منذ ذلك الحين عن اقتراحه الغريب. ويستبعد اقتراحه الأخير لوقف إطلاق النار صراحة الاحتلال أو الضم الإسرائيلي. كما تتضمن الخطة أحكاما تتعلق بالتنمية الاقتصادية وإعادة الإعمار.

لكن جميع الجداول الزمنية غامضة، بما في ذلك ما إذا كانت القوات الإسرائيلية ستنسحب من القطاع ومتى ستفعل ذلك. كما أن “إسرائيل” ستحتفظ بمنطقة عازلة حول قطاع غزة.

وقبل أسبوعين، وصف وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، غزة بأنها “كنز عقاري” محتمل يمكن تقاسمه مع الولايات المتحدة.

كما تعهد نتنياهو بأن “إسرائيل” “ستنهي المهمة” في غزة إذا لم توافق حماس على الاتفاق الذي تقوده الولايات المتحدة.

شاهد أيضا