شريك موثوق به.. قطر تواصل العمل على توسيع دبلوماسيتها

لم تعد المكانة التي تحتلها الدبلوماسية القطرية في الوقت الراهن خافية على أحد، ليس فقط بعد نجاحها في رعاية اتفاق مهم لتبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران، وإنما لأنها تواصل العمل على ملفات أكثر صعوبة داخل المنطقة وخارجها.

كان نجاح الوساطة القطرية الأخيرة بين واشنطن وطهران تحريكا كبيرا للمياه الراكدة بين البلدين منذ سنوات والتي وصلت إلى حد التلويح المتبادل بالقوة في أكثر من مرة.

ووفقا لرئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، فإن قطر نجحت على الأقل في استعادة الثقة المفقودة بين الخصمين اللدودين وانتقلت بالأمور إلى مرحلة أفضل مما كانت عليه.

لا تكمن أهمية الاتفاق الأمريكي الإيراني في تفاصيله بقدر ما تكمن في القدرة على إبرامه في ظل محاولات أطراف في مقدمتها إسرائيل الحيلولة دون التوصل لأي اتفاقيات بين الجانبين.

لكن دولة قطر، وبدأب وسرية شديدتين، أثبت وجهة نظرها التي أكد عليها سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والقائمة على أن جدوى الحوار -مهما تطلب من وقت وجهد- أكبر بكثير من جدوى الحرب.

 

قطر المكان المفضل لبناء الجسور

وكالة بلومبيرغ الأمريكية نقلت عن دبلوماسيين وخبراء قولهم إن الدوحة أصبحت المكان الذي تفضل الولايات المتحدة الذهاب إليه عندما تريد بناء جسور مع الأطراف الأكثر صعوبة مثل إيران والصين وحركتي طالبان في أفغانستان وحماس في فلسطين.

هذه الأفضلية التي حازتها قطر، والتي عكسها الاتفاق الأمريكي الإيراني الأخير، لم تأت فقط من السرية والحياد التي تتعامل بهما الدوحة مع الوساطات، وإنما أيضا لأنها تمكنت على مدار سنوات من بناء علاقات مع كافة الأطراف تسمح لها بلعب دور الوسيط.

وفقا لوكالة رويترز، فإن الدوحة بدأت حراكا جديدا خلال انعقاد الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة في نيويورك بهدف تمهيد الطريق أمام عودة المفاوضات النووية غير المباشرة بين واشنطن وطهران.

وقد التقى مسؤولون في الخارجية القطرية خلال تواجدهم في نيويورك مع نظراء من أمريكيين وإيرانيين بشكل منفصل وبحثوا معه تعزيز العلاقات والقضايا المشتركة، لكن لقاءات أخرى جرت في الخفاء بهدف توسيع المواضيع التي يمكنها طرحها على مائدة الحوار.

وسبق أن استضافت قطر مفاوضات مباشرة بين إيران والاتحاد الأوروبي وأخرى غير مباشرة بينها وبين واشنطن من أجل إحياء الاتفاق النووي.

ولا تقف الجهود القطرية لتخفيف حدة النزاعات على الخلاف الأمريكي الإيراني لكنها تمتد لعدد من الملفات المهمة حول العالم، وقد أعلن متحدث وزارة الخارجية الدكتور الأنصاري عن مساع تبذل في ثلاث ملفات حاليا.

هل تنجح قطر في تقريب وجهات النظر بين طالبان والمجتمع الدولي؟

جهود في 3 ملفات

الأنصاري قال خلال مشاركته في منتدى الشرق الأوسط الذي نظمه موقع مونيتور الأمريكي هذا الأسبوع إن الدوحة تفخر بكونها شريكا موثوقا به دوليا، وإنها تعمل على تعزيز حضورها في فض النزاعات.

وأوضح الأنصاري أن الدوحة تحاول حاليا التوصل تهدئة بين رواندا والكونغو الديمقراطية بالتعاون مع الولايات المتحدة، وتعمل أيضا على إيجاد حل لأزمتي لبنان وأفغانستان.

ووفقا للمتحدث فإن الجهود المبذولة لحل الأزمة اللبنانية تحرز تقدما حيث تحاول اللجنة الدولية الخماسية التي تضم إلى جانب قطر كل من الولايات المتحدة والسعودية ومصر وفرنسا، الحيلولة دون انهيار كامل للبلد الذي عانى حرب أهلية مدمرة قبل ثلاثة عقود.

وقد كلفت اللجنة مبعوثا قطريا هو الشيخ جاسم بن فهد آل ثاني، وكلفته بالعمل على إيجاد حل يقبل به الفرقاء السياسيون في لبنان.

حاليا، يواصل الموفد القطري اتصالاته ولقاءاته في العاصمة بيروت بعيدا عن الإعلام، في محاولة لإنهاء أزمة الشغور الرئاسي، وقد أجرى لقاءات مع شخصيات مهمة بينهم قائد الجيش العماد جوزيف عون، ومدير الأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري والوزير السابق زياد بارود والنائب نعمة أفرام، حسب ما نقلته قناة الجديد اللبنانية.

وتهدف الخماسية لإيجاد مخرج للأزمة السياسية في لبنان، وقد تشكلت في فبراير الماضي، بعد فشل البرلمان اللبناني في انتخاب رئيس للبلاد.

ويعمل الموفد القطري حاليا على تمهيد الطريق أمام الزيارة التي سيجريها وزير الدولة بوزارة الخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي لبيروت الشهر المقبل لاستكمال المساعي القطرية.

ويعش لبنان شغورا رئاسيا منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر الماضي وفشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس على مدار 12 جلسة، كان آخرها في يونيو الماضي.

إلى جانب ذلك، تعمل الدوحة حاليا على تفكيك الخلاف بين حركة طالبان الأفغانية والمجتمع الدولي، وقد استضافت مؤخرا اجتماعات بين مسؤولين من الحركة وآخرين من الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى.

ورغم أنها لا تعترف رسميا بحكومة طالبان وتنقدها في العديد من القرارات، إلا أن الدوحة التي استضافت قادة الحركة لسنوات ما تزال تحافظ على قدر من التفاهم يمكنها من القيام بدور الوسيط.

رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، كان أول مسؤول خارجي في العالم يلتقي زعيم طالبان آية الله آخوند زاده بعد عودة الحركة للحكم، وقد جرى اللقاء في مدينة قندهار، معقل طالبان، خلال مايو 2023.

وقد ناقش الشيخ محمد بن عبد الرحمن مع آخوند زاده، الذي لا يعرف مكانه، مجموعة من القضايا التي تعيق تعامل العالم مع أفغانستان بما في ذلك حقوق المرأة والأقليات القوى السياسية الأفغانية الأخرى.

وتتبنى قطر مقاربة تقوم على ضرورة فضل الخلاف السياسي عن العمل الإنساني، وتحاول إقناع الأطراف بتقديم تنازلات من أجل المضي قدما في بناء علاقات ولو مشروطة؛ لأنها مؤمنه بأن تشديد عزلة أفغانستان سيدفعها مجددا نحو العنف.

وسبق أن حققت قطر نجاحا دبلوماسيا كبيرا عندما رعت مفاوضات بين الولايات المتحدة وطالبان وانتهت بتوقيع اتفاق خرجت بموجبه القوات الأجنبية من أفغانستان بعد عقدين من الاحتلال.

 

ملفات أخرى

وبعيدا عن الضوء، فإن هناك العديد من الأحاديث التي جرت بشأن جهود قطرية لتقريب وجهات النظر في عدد من الملفات منها تفكيك الخلاف بين السعودية وإيران وبين الجزائر والمغرب وحتى بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حيث يحتدم القتال بين الجانبين منذ شهور، بيد أن كل هذه الوساطات لم يتم تأكيدها رسميا من أي طرف.

ولا يقف الأمر عند الملفات العربية أو الأفريقية والشرق أوسطية، لكنها تمتد حتى أمريكا اللاتينية؛ حيث قالت مجلة “ريسبونسبل ستيت كرافت” الأمريكية في يوليو الماضي إن الدوحة استضافت لقاء سريا بين الولايات المتحدة وفنزويلا لتحريك المفاوضات المجمدة بين البلدين.

وقالت المجلة التابعة لمعهد “كوينسي لإدارة الدولة المسؤولة” الأمريكي، إن دخول الدوحة على خط الوساطة الأمريكية الفنزويلية يأتي في إطار بروز الدور الدبلوماسي القطري.

وأوضحت المجلة أن اجتماعا سريا جرى في الدوحة بين مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون أمريكا اللاتينية، خوان غونزاليس، وخورخي رودريغيز، الذراع اليمنى للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.

وكان اللقاء -بحسب المجلة- يهدف لفتح قناة اتصال مباشرة بين البلدين مستقبلا وإيجاد سبل لإزالة التوتر القائم بينهما بسبب فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عقوبات على كاراكاس.

 

مكانة قطرية متزايدة

واعتبرت المجلة الأمريكية أن اللقاء الأمريكي الفنزويلي يؤكد تحول الدوحة إلى وسيط جديد بالثقة لحل الخلافات الدبلوماسية بشكل متزايد، وقالت إن اقتراب الدوحة من فنزويلا يمثل خطة عالية المكاسب ومنخفضة المخاطر وبالتالي فإن قطر ليس لديها ما تخسره من هذه الخطوة.

ورأت المجلة الأمريكية أن الدور غير المتوقع لقطر كوسيط في هذا النزاع “يملأ فراغا خلفه الفاعلون الآخرون في هذا الملف وخصوصا كولومبيا، حيث تعمل الدوحة على ترسيخ مكانتها الناشئة كوسيط دبلوماسي عالمي وهو أمر يساعد الولايات المتحدة في العديد من النقاط السياسية الحساسة بشكل خاص”.

وتعتبر فنزويلا ساحة أخرى تنظر فيها الولايات المتحدة إلى التنوع الدبلوماسي لقطر على أنه رصيد.

ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن الدوحة لم تنضم أبدا إلى قائمة الدول التي اعترفت بزعيم المعارضة خوان غوايدو كرئيس شرعي لفنزويلا، وقالت إن هذا الأمر “مكَّنها من الحفاظ على العلاقات مع كاراكاس”.

وقالت إن علاقات قطر الوثيقة مع تركيا، أحد شركاء مادورو الدوليين الرئيسين، تساعدها على تعزيز الثقة الثنائية.

وفي يونيو 2022، زار الرئيس الفنزويلي الدوحة وأجرى مشاورات مع أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وذلك تزامنا مع أحاديث عن مفاوضات أمريكية فنزويلية بشأن تصدير النفط.

الدوحة لعبت أيضا دورا في تقريب وجهات النظر بين مصر وتركيا اللتين ظلتا متصارعتين لعقد كامل وكاد الأمر بينهما يصل إلى حرب في ليبيا.

وسبق لقطر أن توسطت لحل نزاعات في جيبوتي والصومال ومالي والسودان وتشاد وقد نجحت هذه الوساطات في تخفيف حدة النزاعات المسلحة بهذه الدول.

الرابط المختصر: https://msheireb.co/nm

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *