دعا وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الحكومة العراقية باتخاذ خطوات عاجلة وجادة للتعامل مع تداعيات قرار المحكمة الاتحادية المتعلق بعدم دستورية اتفاق تنظيم الملاحة الموقع بين بغداد والكويت بشأن منطقة خور عبد الله.
وأصبح “خور عبد الله” عنوان أزمة جديدة بين العراق والكويت بعدما قضت المحكمة الاتحادية في العراق بعدم دستورية اتفاقية الملاحة الموقعة بين البلدين عام 2012 والتي أقرها البرلمان العراقي عام 2013.
يقع الخور شمالي الخليج العربي بين جزيرتي بوبيان ووربة الكويتيتين وشبه جزيرة الفاو العراقية، ويمتد إلى داخل الأراضي العراقية مشكلاً خور الزبير الذي يضم ميناء أم قصر في محافظة البصرة جنوبي العراق.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إنها استندت في حكمها إلى “أحكام المادة (61/ رابعا) من دستور العراق (2005)، إذ لا يمكن إعمال نص قانوني مخالف للدستور رغم سريان ذلك النص لتعطل آليات تطبيقه“.
يمثل خور عبد الله أحد أبرز الملفات المتعلقة بقضية ترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت، وقد صدق برلمان العراق على الاتفاقية الموقعة بين البلدين تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لعام 1993.
وينص قرار مجلس الأمن الصادر بعد الغز العراقي للكويت على تقسيم مياه الخور بالمناصفة بين البلدين.
معالي #وزير_الخارجية الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح قدم إحاطة لوزراء خارجية #مجلس_التعاون حول حيثيات الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا العراقية حول الاتفاقية المبرمة بين دولة #الكويت وجمهورية #العراق لتنظيم الملاحة البحرية بخور عبدالله.
الخبر: https://t.co/O6tnAwPYLG1️⃣ pic.twitter.com/EmYrvv73Jg
— وزارة الخارجية (@MOFAKuwait) September 18, 2023
موقف خليجي موحد
ويوم الاثنين (18 سبتمبر 2023) قدم وزير خارجية الكويت الشيخ سالم العبد الله إحاطة لوزراء خارجية دول مجلس التعاون خلال اجتماع جرى بمقر البعثة العمانية في مدينة نيويورك بشأن قرار المحكمة العراقية.
وخلال تواجدهم في الولايات المتحدة لحضور فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحث وزراء الدول الست هذا التطور الجديد بحضور الأمين العام لمجلس التعاون جاسم البديوي.
وبعد الاجتماع، أصدرت الأمانة العامة لمجلس التعاون بيانا طالبت في العراق بالتعامل الجاد والعاجل مع التداعيات السلبية لقرار المحكمة، مؤكدا أن حكمها تبنى حيثيات تاريخية غير دقيقة.
ولفت البيان الخليجي إلى أن الاتفاقية “تم التصديق عليها من قبل الجانب العراقي عام 2013، وتم إيداعها لدى الأمم المتحدة“، وقال إن هذه التطورات “لا تخدم العلاقات العراقية مع دول مجلس التعاون، وتخالف المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، بما فيها قرار مجلس الأمن 833″.
وكان مجلس التعاون قد دعا العراق (خلال الدورة الـ57 لوزراء خارجيته والذي عقد مدينة الرياض في التاسع من الشهر الجاري) إلى استكمال ترسيم الحدود البحرية مع الكويت لما بعد العلامة 162.
وقد أعرب المجلس وقتئذ عن رفضه القاطع لأي انتهاك يمس السيادة الكويتية واحتفاظها بحقها في الرد وفق القنوات القانونية.
بدورها، سلمت الخارجية الكويتية سفير بغداد المنهل الصافي، مذكرة احتجاج على حكم المحكمة الاتحادية العليا بشأن الاتفاقية. وفي نفس اليوم بحث وزير الخارجية مع الصافي تطورات الأزمة.
وتضمنت المذكرة الكويتية الإشارة إلى أنه “تم التصديق على هذه الاتفاقية من قبل البرلمان العراقي بموجب القانون 42 لسنة 2013، ومن قبل مجلس الأمة الكويتي بموجب القانون الصادر رقم 4 لسنة 2013، وتم إيداعها لدى الأمم المتحدة”.
الكويت تؤكد عزمها العمل في حقل الدرة دون اتفاق.. وإيران ترد بالمثل
قضية سيادية
القائم بالأعمال الأمريكي في الكويت جيم هولتسنايدر، جدد (الأحد 17 سبتمبر 2023) التزام بلاده أمن واستقرار الكويت والمنطقة، قائلا إنه “التزام لم ولن يتغير”، مؤكدا أن الولايات المتحدة تشجع على الحوار وتدعو للجلوس على طاولة واحدة في مثل هذه القضايا المهمة.
ملف الترسيم الحدودي بين العراق والكويت، عاد للواجهة مؤخرا في أعقاب الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الكويتي أواخر شهر يوليو الماضي إلى بغداد، والتي التقى خلالها نظيره العراقي فؤاد حسين.
خلال هذه الزيارة، تم التأكيد من الجانبين على ضرورة إنهاء “المسائل الحدودية” بين البلدين في إطار الحوار المشترك.
التطور الأخير الذي طرأ على مسألة ملف الحدود بين البلدين هو القرار الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا في العراق القاضي بإبطال التصويت على اتفاقية الملاحة البحرية في خور عبد الله والتي صدّقها البرلمان العراقي عام 2013.
قرار المحكمة استند إلى أن التصويت النيابي على الاتفاقية لم يراع النقطة الرابعة من المادة 61 من الدستور العراقي والتي تنص على التالي: “تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بقانون يُسن بغالبية ثلثي أعضاء مجلس النواب“.
في هذه الحال، تُعلَّقُ الاتفاقية من الجانب العراقي لكنها تبقى نافذة بالنسبة للكويتيين بحسب ما قاله رئيس المنتدى الخليجي للأمن والسلام فهد الشليمي لموقع “بي بي سي” عربي.
الشليمي، الذي كان عضوا دوليا سابقا في لجنة ترسيم الحدود الكويتية، قال إن الكويت لا يعنيها الإجراء العراقي الأخير.
لكنه تساءل عن توقيت قرار المحكمة خصوصا وأن العراق لم يبد اعتراضا على الاتفاقية طوال العقود الثلاثة الماضية، أي منذ صدور القرار الأممي رقم 833 الصادر عام 1993 وأيضا، منذ توقيع اتفاقية خور عبد الله منذ نحو عشر سنوات.
من وجهة نظر الشليمي، فإن السبب الكامن وراء إثارة الجدل حول هذه الاتفاقية هو انتخابات مجالس المحافظات العراقية في التاسع عشر من ديسمبر المقبل والانقسام الحاد في الداخل العراقي بين الكتل السياسية.
كنز مغمور.. حقل الدرة يعيد التوتر بين إيران والخليج
سيناريوهات محتملة
في المقابل، يرى الخبير في القانون العراقي علي التميمي، أن تعليق الاتفاقية يفتح الباب أمام سيناريوهات عدة.
السيناريو الأول بحسب ما قال التميمي لـ”بي بي سي”، يتمحور حول دعوة مجلس النواب العراقي لإعادة التصويت على الاتفاقية بهدف إقرارها، الأمر الذي يتطلب تصويت ثلثي أعضاء مجلس النواب العراقي، وفي هذه الحال، يعاد العمل بالاتفاقية.
أما السيناريو الثاني، فيتضمن إرسال كتاب إلى الطرف الآخر (أي الكويتي) وإبلاغه بتعليق الاتفاقية.
وفي حال فشل المفاوضات بين الطرفين، يصبح البلدان أمام السيناريو الثالث وهو رفع المسألة إلى المحكمة الدولية لقانون البحار، والتي تنظر في النزاعات البحرية بين الدول، بحسب التميمي.
اتفاقية الملاحة البحرية في خور عبد الله تستند إلى القرار رقم 833 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 1993.
وفق الوثيقة الرسمية، فإن القرار “وضع تحديدا دقيقا لإحداثيات الحدود الواردة في المحضر المتفق عليه بين الكويت والعراق بشأن إعادة علاقات الصداقة والاعتراف والمسائل ذات الصلة الموقع عليه من الطرفين في 4 أكتوبر عام 1963″.
هذا القرار يعتبر خور عبد الله خطا حدوديا بين البلدين.
المحلل السياسي الكويتي الدكتور عايد المناع، قال إن “رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري السعيد بعث برسالة إلى المندوب السامي البريطاني آرثر واكهوب عام 1932 حدّد فيها الحدود الكويتية العراقية. وفي 4 تشرين الأول أكتوبر عام 1964″.
ووفقا للمناع، فقد وافق العراق على ما جاء في رسالة السعيد واعترف بدولة الكويت وفقا لتلك الحدود، وبالتالي فإن القرار 833 استند إلى تلك الوثائق.
ما هي العلامة 162 التي توقف عندها ترسيم الحدود البحرية؟
العلامة 162 هي النقطة الأخيرة التي عيّنها البلدان في المراسلات بينهما قبيل الغزو العراقي للكويت وهي تقع في أقصى جنوب خور عبد الله وفي منتصف المسافة بين جزيرة بوبيان وشبه جزيرة الفاو.
وبين عامي 2010 و2011، وعلى ضفتين متقابلتين، وضع العراق حجر الأساس لإقامة ميناء الفاو الكبير، فيما وضعت الكويت حجر الأساس لإقامة ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان.
عام 2019، تقدّم العراق بشكوى ضد الكويت أمام مجلس الأمن بسبب ما اعتبره لجوء الكويت إلى القيام بتغييرات جغرافية في المنطقة الواقعة بعد العلامة 162 من خلال تدعيم منطقة فشت العيج وإقامة منشأة عليها من دون موافقة الجانب العراقي، بحسب ما جاء في الشكوى العراقية.
آنذاك، ردت الكويت بأن منشأة فشت العيج هي مساحة من الأرض متكوّنة طبيعيا فوق سطح البحر وتقع ضمن مياهها الإقليمية، وبالتالي، وبحسب التبرير الكويتي، فإن للكويت سيادة على بحرها الإقليمي.
الخلاف بين البلدين امتد ليشمل حيا سكنيا لمنتسبي القوة البحرية العراقية مؤلفا من نحو مئة منزل في مدينة أم قصر الحدودية، يقع على الخط الحدودي.
فبعدما وافق العراق على ترسيم الحدود مع الكويت في تسعينيات القرن الماضي، وتم تثبيت الدعامات الحدودية البرية بين البلدين، أصبح هذا الحي السكني ضمن نطاق الدعامات.
في ذلك الوقت، طالبت الكويت بإزالة هذه المنازل وقدّمت مقترحا لبناء حي سكني بديل، وقد وافق الجانب العراقي على المقترح الكويتي.
وفي عام 2020 أنجزت الكويت مدينة سكنية بديلة مكونة من 228 منزلا مع كامل الخدمات اللوجستية الأساسية. لكن حتى اليوم لم تجر إزالة تلك المنازل.
إضافة إلى الخلافات المتعلقة بالحدود البحرية والبرية، لا بد من الإشارة إلى أن هناك أيضا مفاوضات جارية بين البلدين منذ عام 2018 لدراسة الحقول النفطية المشتركة على الحدود بين البلدين، وسيتم تحديد السياسة الإنتاجية لكل بلد بناء على الدراسة.
إلى جانب ذلك، فإن العام الأخير شهد خلافا جديدا بشأن ملكية حقل الدرة للغاز الطبيعي والذي يشكل خلافا بين إيران والسعودية والكويت.
فقد ظهرت في الآونة الأخيرة مطالبات عراقية نيابية بهذا الحقل، ولاسيما من قبل لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية النيابية، والتي قالت إن الوثائق التاريخية في المنطقة البحرية تؤكد أحقية العراق بحقل الدرة.
وقد أكد المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي الذي عُقد هذا الشهر في الرياض، أن ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المقسومة السعودية–الكويتية، بما فيها حقل الدرة بكامله، هي ملكية مشتركة بين السعودية والكويت فقط، ولهما وحدهما كامل الحقوق لاستغلال الثروات في تلك المنطقة.
ورفض المجلس أي ادعاءات بوجود حقوق لأي طرف آخر في هذا الحقل.