حذرت العالم من تجاهله.. كيف تتحرك قطر نحو انتقال واقعي للطاقة النظيفة؟

تعمل دولة قطر بدأب من أجل التحول من الوقود التقليدي إلى طاقة أقل انبعاثا كجزء من خطتها المستقبلية القائمة أساسا على الاستدامة، لكنها تدعو في الوقت نفسه إلى انتقال واقعي وعادل للطاقة النظيفة.

وتسعى العديد من الدول حول العالم حاليا لتوسيع رقعة مشروعات الطاقة بالنظر إلى الإيجابيات الكثيرة التي تنضوي عليها خصوصا فيما يتعلق بتغيرات المناخ التي تهدد العالم.

غير أن منظمة أوبك وبعض كبار منتجي الطاقة يحذرون بشكل متواصل من مخاطر التسرع في الانتقال من الوقود التقليدي إلى نظيره النظيف على اقتصاد العالم.

ففي مايو الماضي، أكد الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أن العالم بحاجة للتعاون من أجل إيجاد حلول واقعية وعادلة للانتقال إلى الطاقة النظيفة.

وقال الغيص خلال تصريحات صحفية إن غياب الانتقال العادل والواقعي من الوقود التقليدي إلى الطاقة النظيفة سيؤدي إلى تخلف بعض الشعوب والصناعات مؤكدا وجود عقبات كبيرة تتعلق بتأمين إمدادات الطاقة وتغيرات المناخ والتنمية المستدامة.

وفقا لأمين عام أوبك، فإن نمو السكان والاقتصادات يجعل العالم بحاجة إلى مزيد من الطاقة في العقود القادمة، مع توقعات بتوسع الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 23% حتى عام 2045.

ويتطلب تحقيق هذا النمو وضمان أمن الطاقة والوصول الميسور التكلفة وخفض الانبعاثات العالمية بما يتماشى مع اتفاقية باريس جميع الطاقات والاستثمار والتعاون غير المسبوقين، بحسب الغيص.

الأمر نفسه، ذهب إليه وزير الطاقة القطري المهندس سعد الكعبي عندما أكد على ضرورة تحقيق توازن بين أمن الطاقة، والقدرة على تحمل التكاليف والاستدامة خلال العمل على تحقيق تحول واقعي وعادل إلى طاقة منخفضة الكربون.

وقال الكعبي خلال الاجتماع الوزاري لأسبوع طوكيو للتحول الأخضر (25 سبتمبر 2023) إن “الغاز الطبيعي سيكون عاملا أساسيا، خاصة أنه يمكن الاعتماد عليه كمصدر طاقة للأحمال الأساسية للعديد من الدول ولسنوات عديدة ما بعد عام 2050”.

وأضاف “على الرغم من أن التوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة أمر لا غنى عنه، إلا أن هذه المصادر ليست الحل الوحيد، لا سيما بسبب طبيعتها المتقطعة”.

وتعمل قطر للطاقة على الوصول إلى الحياد الكربوني في عملياتها بحلول 2030.

قطر تؤكد أهمية الغاز في التحول لطاقة منخفضة الكربون

جهود قطرية في الطاقة النظيفة

خلال السنوات الماضية، بدأت الدوحة العمل على العديد من مشاريع الطاقة النظيفة وذلك بالتوازي مع توسيع إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال لضمان استمرار الإمدادات كونها أحد أكبر المصدرين في العالم.

وتعتمد قطر استراتيجية من ثلاثة محاور لرفع الاعتماد على الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاث من خلال تقنيات حديثة، منها تقنية احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) التي ستلتقط أكثر من 11 مليون طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2035.

وستسمح المبادرات القطرية بخفض المزيد من الكربون في منشآت الغاز الطبيعي المسال بنسبة 35%، وبنسبة 25% على الأقل في منشآت التنقيب والإنتاج، مقارنة بالأهداف السابقة المحددة بنسبة 25% و15% على التوالي.

وتعزز هذه المبادرات التزام قطر بتزويد غاز طبيعي أنظف وعلى نطاق واسع لتسهيل الانتقال إلى طاقة منخفضة الكربون.

وتعمل الدوحة على احتجاز 5 ملايين طن من الكربون خلال عمليات إسالة الغاز بحلول 2025، وقد افتتحت في 2019 منشأة لهذا الغرض.

كما افتتح سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في أكتوبر 2022، محطة الخرسعة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والتي بلغت كلفتها 467 مليون دولار.

وتصل القدرة الإجمالية للمحطة إلى نحو 800 ميغاوات، ومن المتوقع أن تنتج 10% من الكهرباء التي تستهلكها قطر، وتلعب الروبوتات دورا كبيرا في تشغيلها.

ومن المقرر أن تسهم المحطة في توليد نحو عشر الطاقة المستخدمة في الشبكة الوطنية للكهرباء في أوقات الذروة بطرق مستدامة وصديقة للبيئة.

وكانت المحطة جزءا من خطط الدوحة لتقليل انبعاثات الكربون وآثار التغير المناخي والانتقال المدروس للطاقة النظيفة.

وتمثل المحطة جزءا من خطة قطرية طويلة الأمد لتوليد أكثر من 5 غيغاواط من الطاقة الشمسية، ووقف الحرق الروتيني للغاز والحد من انبعاثات غاز الميثان المتسربة على طول سلسلة صناعة الغاز.

إلى جانب ذلك، تعمل الدوحة على إنشاء محطتين للطاقة الشمسية بتكلفة تصل إلى 600 مليون دولار؛ وذلك في إطار جهودها للحد من الكربون.

وبحسب ما نقلته فرانس برس في أغسطس 2022، فإن الروبوتات ستكون مسؤولة عن أعمال التنظيف في المحطتين اللتين ستنتجان إنتاج الكهرباء نهاية العام المقبل.

وسيتم بناء المحطتين في مدينتي “مسيعيد” و”رأس لفان” الصناعيتين بتكلفة تصل إلى 600 مليون دولار (2.3 مليار ريال) ومن المتوقع أن تسهما في زيادة قدرة توليد الطاقة المتجددة في البلاد إلى 1.67 غيغاواط بنهاية 2024.

وسيعتمد المشروع على ألواح ثنائية الوجه عالية الكفاءة سيجري تثبيتها على أجهزة تتبع أحادية المحور. وستكون هناك روبوتات تنظيف للحد من خسائر التوليد بسبب التلوث، من خلال إزالة الغبار من الوحدات الكهروضوئية لضمان ضخ مزيد من الطاقة.

 

مونديال أقل انبعاثا

خلال مونديال 2022، اعتمدت الحكومة خططا نجحت من خلالها في خفض 9 آلاف طن من الكربون خلال فترة البطولة عبر الاعتماد على شبكة الكهرباء الوطنية لتشغيل الملاعب بدلا من تركيب مولدات تعمل بالديزل.

وقالت اللجنة العليا للمشاريع والإرث إن هذه الحلول المبتكرة وفرت استهلاك 5 ملايين لتر من الديزل كانت ستستخدم لتشغيل المولدات.

وفي 2021 قال معهد ماسوتشوتس التابع لجامعة اكمبريدج البريطانية إن قطر تحتل المرتبة الثالثة عربيا، والـ76 عالمياً، في التصنيف السنوي الخاص بالدول الخضراء والمستدامة.

وأكد المعهد أن النمو الكبير الذي حققته الدوحة في هذا المجال خلال السنوات القليلة الماضية جاء عن طريق تركيزها على تطوير قدراتها في مجموعة من المجالات المهمة، الأمر الذي مكنها من احتلال مثل هذه المكانة دولياً.

وتوقع التقرير مواصلة قطر المضي قدما في هذا القطاع في الأعوام القليلة القادمة، واحتلالها لمراكز أفضل بداية من السنة المقبلة، بالنظر إلى المجهودات الجبارة التي تبذلها في تطوير قطاع النقل وتعزيزه بأسطول مميز من الحافلات الكهربائية.

واعتبر المعهد أن أهم المشاريع التي ستقفز بقطر في تصنيفها المستقبلي هو محطة الخرسعة لتوليد الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الأشعة الشمسية.

 

توسع في الغاز مع الحد من الكربون

في يناير 2023، قال موقع “لاس فرانسي برس” الفرنسي إن قطر تعمل على رفع القدرات الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال، لتصل الدوحة إلى 126 مليون طن من الغاز المسال سنوياً بحول عام 2027.

وأكد الموقع، في تقرير بعنوان “قطر تغزو الطاقة الخضراء والصديقة للبيئة”، النمو الكبير الذي تشهده الدوحة في القطاع الطاقوي؛ من خلال نجاحها في إطلاق عديد من المشاريع المتماشية مع هذه الرؤية.

وأشار التقرير إلى أن قطر تركز على رفع القدرات الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال، أحد أكثر المصادر الطاقوية نظافة وحفاظاً على المناخ.

وينتظر أن تصل الدوحة إلى توفير 126 مليون طن من الغاز المسال سنوياً بحول عام 2027، أي ما يعادل تضاعف الإنتاج بنسبة تقدر بـ 66%، ما سيمكن قطر من إنتاج 13 مليون برميل يومياً بدلاً من 12 مليون برميل قدرتها الحالية.

وقال التقرير إن قطر وفي طريقها نحو تسجيل هذا التحول الهائل في منتوجاتها من الغاز الطبيعي المسال ستستثمر نحو 80 مليار دولار أمريكي، في الفترة ما بين 2021 و2025.

ولفت إلى التركيز القطري الكبير على التماشي مع المتطلبات البيئية للمرحلة الراهنة، بالرغم من تخطيطها للتوسع في قطاع الطاقة ومضاعفة إنتاجها السنوي من الغاز الطبيعي المسال.

وأوضح أن قطر تعمل على بلوغ هذا الهدف مع التمكن من السيطرة على الانبعاثات الكربونية، من خلال تخفيضها بمقدار الربع بحلول عام 2030، وهو ما يعزز مكانة الدوحة كأحد أكثر العواصم العالمية توافقا مع الرؤية العالمية لهذا المجال.

كما أكد التقرير أن الاهتمام القطري بالطاقة النظيفة والخضراء لم ينحصر فقط في مشاريع الغاز الطبيعي المسال، بل تعداها إلى غيرها من الاستثمارات الرامية إلى دعم الموقف القطري في الحرص على سلامة البيئة، واستغلال الموارد الطبيعية في توليد الطاقة.

وتحاول قطر تعزيز مكانتها كأحد أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، ورفع قدرتها الإنتاجية للاستفادة من الفجوة في إمدادات الغاز العالمية التي خلقتها العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.

والعام الماضي، باعت قطر لـ5 شركات عالمية حقوق امتياز، بنحو 25% من مشروع حقل الشمال الذي سيرفع القدرة الإنتاجية لقطر من الغاز الطبيعي من 77 مليون طن حاليا إلى 110 ملايين طن قبل نهاية عام 2025، باستثمارات تقارب 29 مليار دولار.

إكسون موبيل: الغاز القطري الأكثر تنافسية في العالم

أزمة الانبعاث

وفقا للموقع الرسمي للأمم المتحدة، فإن توليد جزء كبير من غازات الدفيئة التي تحيط بالأرض وتحبس حرارة الشمس يعود إلى إنتاج الطاقة، عن طريق حرق الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء والحرارة.

ويمثل الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز، هو إلى حد بعيد أكبر مساهم في تغير المناخ العالمي، إذ يمثل أكثر من 75% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية وحوالي 90% من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

ولتجنب أسوأ آثار تغير المناخ، يجب خفض الانبعاثات بمقدار النصف تقريبا بحلول عام 2030 والوصول بها إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050.

ولتحقيق ذلك، يحتاج العالم إلى التخلص من اعتمادنا على الوقود الأحفوري والاستثمار في مصادر بديلة للطاقة تكون نظيفة ومتاحة وفي المتناول ومستدامة وموثوقة.

تتجدد مصادر الطاقة المتجددة (المتوفرة بكثرة في كل مكان حولنا من خلال الشمس والرياح والمياه والنفايات وحرارة الأرض) بفضل الطبيعة وتنبعث منها غازات أو ملوثات قليلة إن لم تكن منعدمة.

في الوقت الراهن، لا يزال الوقود الأحفوري يمثل أكثر من 80% من إنتاج الطاقة العالمي، لكن مصادر الطاقة الأنظف تزداد قوة. حوالي 29% من الكهرباء تأتي حاليا من مصادر متجددة.

وتحاول قطر من خلال مشروع جماعي جديد يقوده معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، التابع لجامعة حمد بن خليفة الحد من انبعاثات الكربون.

ويهدف المشروع الذي يحمل عنوان “نهج شامل لتطوير نظام عالي الكفاءة وعملي لإدارة الكربون بغرض تحسين الاستدامة في قطر” إلى تطوير نظام فعال وعملي لإدارة الكربون. وسيتعاون المعهد في هذا المشروع مع جامعة قطر، ومجلس قطر للمباني الخضراء.

وتهدف التقنية المقترحة، التي تستخدم مواد مبتكرة، إلى امتلاك القدرة على خفض تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي عبر امتصاصها مباشرة.

كما يهدف أيضا لتحسين جودة الهواء في الأماكن المغطاة عن طريق توجيه هذه الغازات الممتصة إلى الصوبات الزراعية، وكذلك تحويلها إلى منتجات ذات قيمة مضافة.

ووفقا لمعهد قطر، سيكون لهذه الحلول آثار إيجابية على تغير المناخ، والصحة، والأمن الغذائي، وتنويع الاقتصاد، وستساهم بالتالي في تحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030.

الرابط المختصر: https://msheireb.co/nd