ما إن غادر الرئيس الأمريكي جو بايدن تل أبيب يوم الأربعاء حتى أعلنت حكومة الاحتلال العمل وضع على وضع اللمسات النهائية على خطة اجتياح غزة من أجل القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لكن تسريبات صحفية تؤكد أن تل أبيب لم تقدم إجابات على أسئلة أمريكية صعبة بشأن العملية.
وظهر بنيامين نتنياهو بين أفراد حكومة الحرب التي شكلها قبل أيام للتعامل مع تداعيات عملية طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس في السابع من الشهر الجاري، والتي كسرت الصورة القوية التي امضت إسرائيل سنوات في ترسيخها.
فقد نجح مقاتلو حماس من اقتحام قواعد ومعسكرات ومستوطنات في منطقة غلاف غزة المتاخمة للقطاع، وقتلوا مئات الجنود وأسروا ما يصل إلى 250 عسكريا بينهم ضباط كبار، إلى جانب بعض سكان المستوطنات.
وبدأت إسرائيل قصفا جويا ومدفعيا على القطاع في إطار عملية أطلقت عليها “السيوف الحديدية“، وقتلت ما يصل إلى 4 آلاف مدني حتى الآن ودمرت جزءا كبيرا من البنية التحتية، وقالت إنها ستتوغل في القطاع لمحو حركة حماس.
View this post on Instagram
أسئلة أمريكية صعبة
أبدت الولايات المتحدة دعما لا محدودا لإسرائيل في عملياتها ضد غزة، وأمدها الرئيس جو بايدن بعتاد عسكري شمل حاملتي طائرات ومقاتلات حديثة تم تحريكها إلى المنطقة لتكون قريبة من منطقة المواجهات.
وقال بايدن إن طلب من نتنياهو سحق حركة حماس، وكرر مرارا أنه يؤيد هذا الأمر، وحذر أطرافا أخرى في المنطقة من التدخل في الحرب، وتحديدا إيران وحزب الله اللبناني.
وفي سابقة تاريخية، زار بايدن تل إسرائيل في اليوم الثاني عشر للمعارك وقبيل بدء الاجتياح البري الإسرائيلي المحتمل، ليؤكد من تل أبيب دعمه الكامل والمطلق لكل ما يقوم نتنياهو.
لكن المحللين والمسؤولين يقولون إن زيارة بايدن وإن كانت من أجل الدعم فإنها أيضا كانت من أجل الحصول على إجابات كثيرة تتعلق بتداعيات الحرب المحتملة على الولايات المتحدة في حال حدثت أمور غير متوقعة على الأرض.
في البدء، حرص بايدن على إجبار نتنياهو بالسماح بإدخال مساعدات إنسانية للقطاع من الجانب المصري حيث واصل جيش الاحتلال قصف معبر رفح الفلسطيني وهدد بقصف أي شاحنة تمر من مصر.
ووفقا لوسائل إعلام أمريكية، فقد كان الموقف الإنساني في غزة مشحونا جدا خلال زيارة بايدن خصوصا وأن إسرائيل قصفت المستشفى المعمداني عشية وصول الرئيس الأمريكي وقتلت 500 مدني على الأقل كانوا يتلقون العلاج أو يحتمون به.
وقال موقع أكسيوس إن إدخال المساعدات للمحاصرين في غزة قوبل برفض شعبي وحكومي إسرائيلي لأن الإسرائيليين يرغبون في مواصلة الحصار الكامل على القطاع حتى تفرج المقاومة عن الأسري الـ200 المتواجدين لديها.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير للموقع إن نتنياهو أخبر بايدن أن إسرائيل لن تفكر في السماح لأي مساعدة بدخول غزة من جانبها طالما أن الأسرى ما زالوا محتجزين لدى حماس.
وبعيدا عن الجزء المتعلق بالأسرى، فإن البيت الأبيض قال قبل وصول بايدن إلى تل أبيب إنه سيطرح أسئلة صعبة على قادة إسرائيل بشأن خطتهم المقبلة في غزة.
وحذر الرئيس الأمريكي حكومة الحرب الإسرائيلية -بشكل علني من تل أبيب- من ارتكاب خطأ في التقدير قد يؤدي إلى أخطاء مثل تلك التي ارتكبتها الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
وقال بايدن “عليك أن تطرح أسئلة صعبة وتحدد الأهداف بوضوح وتقيم ما إذا كانت الخطوات التي يتم اتخاذها تحقق هذه الأهداف”، وذلك في إشارة إلى أنه يعتقد بأن على إسرائيل وضع استراتيجية خروج من غزة بعد تحقيق الهدف المتمثل في تفكيك حماس.
وأعلن الرئيس الأمريكي من تل أبيب أيضا أنه سيرسل هذا الأسبوع إلى الكونجرس طلبا للحصول على حزمة مساعدات عسكرية غير مسبوقة لإسرائيل. وقال مسؤولون إسرائيليون إنهم طلبوا مساعدات بقيمة 10 مليارات دولار وأن تتم الموافقة عليها في أقرب وقت ممكن.
View this post on Instagram
هدف صعب
وتوعدت إسرائيل بالقضاء على حركة “حماس” من خلال هجوم لا هوادة فيه على قطاع غزة، لكن لا يبدو أن لديها تصورا لنهاية هذا الهجوم كما لا توجد خطة واضحة لشكل الحكم المتوقع في القطاع، في حال انتصرت عسكريا.
ولا يقف الأمر عند القضاء على حماس فقط، فقد قال وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، إنه “في نهاية هذه الحرب، لن يتم القضاء على حماس في غزة فحسب، بل سيتم تقليص مساحة غزة أيضا”.
وقالت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، بأن تصريحات كوهين لراديو الجيش الإسرائيلي، تشير إلى توقعات محللين بأن الجيش الإسرائيلي سيحاول إنشاء منطقة عازلة داخل غزة لتوفير غطاء أفضل للبلدات الإسرائيلية الواقعة في محيط القطاع.
واستدعت إسرائيل عددا قياسيا من قوات الاحتياط بلغ 360 ألف جندي، ولم يتوقف قصفها للقطاع منذ السابع من أكتوبر الجاري.
وأوضح المسؤولون بحكم اطلاعهم على المناقشات بين الولايات المتحدة وزعماء بالشرق الأوسط، أن الاستراتيجية الإسرائيلية الفورية هي “تدمير البنية التحتية في غزة، حتى لو سقط عدد كبير من الضحايا المدنيين.
وتخطط إسرائيل -حسب المسؤولين- لدفْع سكان القطاع نحو الحدود المصرية وملاحقة (حماس) بتفجير شبكة الأنفاق مترامية الأطراف تحت الأرض، والتي شقتها الجماعة لتنفيذ عملياتها”.
ومع ذلك، قال مسؤولون إسرائيليون، إنه ليس “لديهم تصور واضح لما قد يكون عليه الوضع في المستقبل بعد الحرب”.
وأفاد مصدر مطلع في واشنطن، بأن بعض مساعدي بايدن، يشعرون بـ”القلق” من أن إسرائيل، على الرغم من أنها قد تبرع في وضع خطة فعالة لإلحاق ضرر دائم بحركة حماس، إلا أنها “لم تضع بعد استراتيجية للخروج”.
وأضاف المصدر، أن رحلات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، إلى إسرائيل “شددت على الحاجة إلى التركيز على خطة ما بعد الحرب في غزة”.
وقال خبير شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة “كارنيجي” للسلام الدولي، آرون ديفيد ميلر، إن زيارة بايدن كانت “فرصة سانحة بالنسبة له للضغط على نتنياهو للتفكير في قضايا مثل الاستخدام المتناسب للقوة، والخطط طويلة المدى لغزة قبل شن أي غزو”.
View this post on Instagram
لا توجد خطة للخروج
وقال مصدر أمني إقليمي إن إسرائيل “ليس لديها نهاية للعبة في غزة. استراتيجيتهم هي إسقاط آلاف القنابل وتدمير كل شيء والدخول. ولكن ماذا بعد؟ ليس لديهم استراتيجية خروج لليوم التالي”.
ويشعر المسؤولون العرب بالانزعاج من “عدم وضع إسرائيل خطة واضحة لمستقبل القطاع” الذي تحكمه حماس منذ عام 2007.
وعلى الرغم من حشد إسرائيل قواتها تمهيدا لغزو بري، إلا أنها لم تبدأ الاجتياح بعد. وقال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنجبي، يوم الثلاثاء: “نحن بالطبع نفكر ونتدبر في هذا الأمر”.
وقال هنيجي إن النقاشات “تتضمن تقييمات، ويشمل (مشاركة) مجلس الأمن القومي والجيش وآخرين بشأن الوضع النهائي. لا نعرف على وجه اليقين كيف سيكون”، مضيفا: “لكن ما نعرفه هو ما الذي لن يكون لأن الكلام شيء والأفعال شيء آخر”.
وقال خبيران عسكريان إقليميان لـ”رويترز”، إن كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، تحشد القوات للتصدي للاجتياح، وتزرع الألغام المضادة للدبابات، وتنصب أكمنة للقوات.
مع ذلك، قال مصدر أمريكي لرويترز إن المسؤولين الأمريكيين ليسوا متفائلين جدا بشأن قدرة إسرائيل على تدمير حماس، كما إنهم لا يعتقدون أنها تريد إعادة احتلال غزة.
ويرجح المصدر أن يكون السيناريو الأقرب للتنفيذ هو أن “تقتل القوات الإسرائيلية أكبر عدد ممكن من أفراد حماس، أو تأسرهم، وتفجر أنفاق وورش تصنيع الصواريخ، ثم بعد تزايد القتلى والجرحى الإسرائيليين، ستبحث عن سبيل لإعلان النصر والخروج”.
وستكون عملية إسرائيل القادمة أكبر بكثير من سابقاتها التي أشار مسؤولون إسرائيليون إليها على أنها مجرد “تقليم للعشب”، إذ قللت من قدرات “حماس” العسكرية، لكنها لم تستأصلها.
وانتقد محللون عسكريون وضباط سابقون في جيش الاحتلال تعجل نتنياهو في شن اجتياح بري لقطاع غزة، وقالوا إن الجنود غير مدربين، وإن الأمر يتطلب وقتا.
وقال الجنرال يغال كرمون، وهو مستشار سابق لقضايا الحرب على الإرهاب، في مقابلة مع القناة 13، إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أنشأت بناء عسكريا تحت الأرض وهي الآن بانتظار دخول الإسرائيليين، وهي تقول ذلك.
ووصف كرمون إدخال الجيش الإسرائيلي إلى غزة في هذا الوقت بـ”الإثم”، وقال إنه أمر “ممنوع”، مؤكدا أن الجنود غير مدربين، وأن على الجيش الحصول على ما يكفيه من الوقت لأنه حتى الآن لا يملك معلومات عن الميدان.
وقال كرمون إنه من غير الممكن إدارة جيش بهذه الطريقة، ونصح “كل الأبطال الذين يطالبون بدخول غزة بالكف عن هذا الأمر”.
ويرى كرمون أن على الجيش حاليا مضاعفة القصف على قطاع غزة وإذا لم يتوقف “المخربون” بعد استنفاد إسرائيل كل ما لديها، فيجب عندها تحويل غزة إلى حديقة خراب، حسب تعبيره.
وقال الجنرال السابق “إن غزة لن تهرب، والمخربين تحت الأرض ولن يهربوا، بالتالي يجب ألا نتسرع ويمكننا فعل هذا (التوغل البري) بعد شهرين”.
وقال المحلل العسكري ألون بن دافيد على القناة 13 إن إسرائيل ذاهبة إلى معركة طويلة وبطيئة، لأن الاجتياح القريب يستهدف إبادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حسب ما هو معلن.
وأضاف أن الأمر يتطلب تدمير كل ما هو تحت الأرض فعليا وليس فقط رجال حماس المتحصنين هناك، وهذه عملية بطيئة جدا.
View this post on Instagram
هواجس اتساع الحرب
ومع تزايد حديث الاجتياح، تتزايد المخاوف من أن تتسع رقعة الحرب إذا انضمت إيران أو القوى المتحالفة معها في المنطقة وخصوصا حزب الله اللبناني الذي بدأ بالفعل اشتباكات متقطعة مع إسرائيل.
وحذر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، من احتمال اتخاذ “إجراء استباقي” ضد إسرائيل، حال مضيها في اجتياح غزة، وقال إن إيران “لن تتخذ موقف المتفرج إذا لم تكبح الولايات المتحدة جماح إسرائيل”.
وأرسلت واشنطن مجموعة حاملة طائرات هجومية إلى منطقة شرق البحر المتوسط، وتخشى انضمام حزب الله للمعركة عبر الحدود الشمالية لإسرائيل.
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إن أمريكا حشدت نحو ألفين من جنود النخبة للمشاركة في الاجتياح البري إذا اقتضى الأمر.
وأثارت دعوات لإقامة ممرات إنسانية في غزة وفتح طرق لهروب المدنيين الفلسطينيين ردود فعل قوية من الدول العربية المجاورة، ويثير هذا الأمر مخاوف من أن يؤدي الاجتياح الإسرائيلي إلى موجة تهجير جماعي جديدة في تكرار لنكبة عام 1948 وحرب 1967.