إطلاق رهينتين أمريكيتين.. وساطة قطرية ناجحة تحت أزيز الرصاص

أطلقت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، سراح رهينتين أمريكيتين (سيدة وابنتها)، في أول إنجاز دبلوماسي قطري منذ بدء المعارك بين المقاومة وجيش الاحتلال في السابع من الشهر الجاري.

وجاءت الخطوة في وقت تحشد فيه إسرائيل والولايات المتحدة ودول غربية أخرى قواتها من أجل اجتياح قطاع غزة والقضاء على المقاومة.

وقال الناطق باسم كتائب القسام “أبو عبيدة” في بيان على تلغرام، مساء الجمعة، إن الخطوة جاءت استجابة لجهود قطرية ولدواع إنسانية، ولكي يثبتوا للشعب الأمريكي والعالم “أن ادعاءات الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته الفاشية، كاذبة لا أساس لها من الصحة”.

 

وكان الرئيس الأمريكي قد أكد في كلمة للأمة يوم الخميس أن إطلاق الأسرى “الرهائن” الأمريكيين المتواجدين لدى حركة حماس يمثل أولوية قصوى بالنسبة له، وأكد أن الاجتياح الإسرائيلي المرتقب لغزة يخدم مصالح الولايات المتحدة.

وتحتجز فصائل المقاومة بما يصل إلى 250 أسيرا من جيش الاحتلال بينهم ضباط كبار، إلى جانب مجموعة من المدنيين الذين كانوا يسكنون مستوطنات غلاف غزة التي اجتاحتها المقاومة في عملة طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر الجاري.

وقالت المقاومة إن الرهائن المدنيين ليسوا أسرى وإنما ضيوف سيتم إطلاق سراحهم حسب الظروف، وقد أطلقت بالفعل سراح مستوطنة وطفليها قبل أيام، وأجروا عملية جراحية لأخرى.

وأعرب بايدن عن شكره لدولة قطر بعد إطلاق الرهينتين، وقال إن جهود واشنطن ستستمر لحين إطلاق سراح بقية الرهائن.

 

اتصالات مستمرة

وقال المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري إن إطلاق سراح الرهينتين جاء بعد اتصالات مكثفة مع كافة الأطراف. وأكد في تصريحات لوكالة رويترز أن قطر ستواصل حوارها مع كل من حركة حماس وحكومة الاحتلال من أجل إطلاق سراح بقية الرهائن.

وتأمل قطر -بحسب الأنصاري- في أن تفضي جهودها لإطلاق سراح كافة الرهائن من كل الجنسيات، حسب الأنصاري.

ويعزز هذا النجاح الصورة التي بنتها قطر لنفسها خلال الفترة الماضية كوسيط لا غنى عنه في بعض الملفات، فضلا عن أنه يضيف نجاحا جديدا للدبلوماسية الإنسانية التي تتبناها الدوحة.

فقبل أيام قليلة، نجحت هذه الدبلوماسية الإنسانية القطرية في إعادة 4 أطفال أوكرانيين من روسيا إلى ذويهم. كما إنها تمكنت من التوسط لإتمام اتفاق تبادل سجناء بين الولايات وإيران قبل أقل من شهرين، وقالت إنها تحركت بدوافع إنسانية.

 

جهود قطرية

وجاء الإفراج عن الرهينتين بعد أيام من تأكيد الإدارة الأمريكية قيام الدوحة بجهود كبيرة لإطلاق سراح المواطنين الأمريكيين المتواجدين لدى المقاومة.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي يوم الأربعاء إن دولة قطر تقود جهودا لتأمين إطلاق سراح الأسرى الأمريكيين المتواجدين لدى حماس، مؤكدا أن الولايات المتحدة تبذل قصارى جهدها لإتمام هذه المهمة.

ونقلت وكالة بلومبيرغ عن مصادر أن الدوحة تتفاوض مع حماس لإطلاق سراح نحو 200 أسير. وقالت المصادر أن واشنطن تحاول الاستفادة من العلاقات الودية التي تمتلكها قطر مع حماس وإيران التي تدعم حماس بقوة.

في الوقت نفسه، حاول القطريون بحسب الوكالة منع اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني الذي بدأ بالفعل اشتباكات متقطعة فيما يعرف بالجبهة الشمالية.

ومع استمرار هذه المحادثات الدقيقة، أعلنت قطر أيضا أنها نجحت في التوسط في لم شمل أطفال أوكرانيين انفصلوا عن عائلاتهم خلال الغزو الروسي، لتؤكد مكانتها كوسيط جيوسياسي لا يستهان به، كما تقول بلومبيرغ.

 

لا شيء دون قطر في الخليج

وتعترف الولايات المتحدة بشكل خاص بأنها لا تفعل أي شيء في الخليج بدون قطر، التي تستضيف بعض القادة السياسيين لحماس وكذلك أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط.

وقال أيهم كامل، رئيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة أوراسيا الاستشارية للمخاطر السياسية، إن القطريين هم الأداة الدبلوماسية التي لا غنى عنها بشأن قضايا الرهائن في الوقت الحالي لأن قلة من الأطراف الإقليمية الأخرى لديها عمق العلاقة المطلوبة لتحريك الإبرة بشأن هذه القضية.

وافتتح مكتب سياسي لحركة حماس في قطر عام 2012 بالتنسيق مع الحكومة الأمريكية، بعد طلب أمريكي لفتح قناة مع الحركة الفلسطينية وفق ما نقلته بلومبيرغ عن مسؤول قطري.

وقال المسؤول إن هذا المكتب استخدم في جهود الوساطة عبر العديد من الإدارات الأمريكية لتحقيق الاستقرار في غزة وإسرائيل.

وقال الأشخاص المطلعون إن الولايات المتحدة تحدثت أيضا مع شركاء من بينهم اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول لعب دور في موضوع الأسرى، على الرغم من عدم اتخاذ أي إجراء حتى الآن.

وحتى مع وجود قطر في العمل، فإن إعادة الأسرى لن تكون بسيطة، وليس من الواضح أين يحتجزون في قطاع غزة، ولا مدى علاقة إسرائيل بإعادتهم.

وبينما يجري الرئيس الأمريكي جو بايدن زيارة لإسرائيل، تعمل الولايات المتحدة وقطر على مدار الساعة للضغط من أجل خطوات ملموسة نحو التوصل لوعد دقيق من حماس بشأن الأسرى وليس فقط مجرد بيانات نوايا، وفقًا لـ الأشخاص المطلعين على المحادثات.

 

وساطة صعبة

وفي الشهر الماضي، ساعدت قطر في إطلاق إيران سراح خمسة سجناء أمريكيين. كما لعبت دور الوساطة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث سافر المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون إلى الدوحة لمعالجة المخاوف بشأن إمدادات الغاز.

وترى بلومبيرغ أن المملكة العربية السعودية وأبو ظبي ليستا قريبتين جدا من الولايات المتحدة، على الرغم من أن إدارة بايدن تنظر إليهما على أنهما شريكان مخصصان مفيدان.

كما تراجعت الكويت، التي اشتهرت في السابق بنفوذها الدولي، إلى المسرح العالمي منذ وفاة أميرها السابق عام 2020، وهو دبلوماسي خدم لفترة طويلة.  ونجحت قطر في استغلال خروجها قوية من أزمة الخليج في ملء الفراغ الدبلوماسي بالمنطقة.

واستفاد الاقتصاد القطري العام الماضي من ارتفاع أسعار النفط والغاز واستضافة كأس العالم لكرة القدم، رغم تباطؤه منذ ذلك الحين. الآن، يعزز دورها في الدبلوماسية الناجحة أهميتها الدولية مرة أخرى.

وقال سنام وكيل، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز أبحاث تشاتام هاوس بلندن، إن قطر ساعدت كثيرا في تذليل العقبات لكن نجاحها في إعادة الأسرى الحاليين من حماس مسألة صعبة جدا خصوصا عندما تكون محفوفة بالمخاطر.

الرابط المختصر: https://msheireb.co/u9