يوما بعد يوم، يتزايد الحضور القطري في محاولات وقف الحرب الدائرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال، وخصوصا في ظل تزايد احتمالات اتساع رقعة هذه الحرب وانخراط مزيد من الأطراف الإقليمية فيها.
وفي حين تتصاعد لهجة التهديد الأمريكية تجاه كل من يفكر في المساس بإسرائيل، فإن الموقف القطري الداعي لوقف التصعيد ما يزال متمسكا بإدانة جرائم تل أبيب وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967.
وفي الوقت الذي تؤكد فيها المقاومة عزمها مواصلة القتال ضد جيش الاحتلال الذي زاد من ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، فإن اشتباكات متقطعة وقعت بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان.
كما هدد الحوثيون اليمنيون بقصف إسرائيل بالصواريخ والمسيرات في حال تدخلت الولايات المتحدة في الحرب بشكل مباشر، وهو ما بدأت أمريكا القيام به ضمنيا.
لكن واشنطن التي أرسلت أول إمداداتها العسكرية لإسرائيل فعليا من أجل مساعدتها على صد “طوفان الأقصى” الذي زلزلها خلال أيام قليلة، تسعى في الوقت نفسه إلى تفعيل الدور الدبلوماسي لإنهاء الحرب أو تحجيمها على الأقل.
فقد قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر إن الولايات المتحدة طلبت من دولة قطر وكل الدول المعنية استخدام نفوذها لدى فصائل المقاومة الفلسطينية من أجل منع دخول أطراف أخرى في الحرب.
وأكد ميلر في مؤتمر صحفي (الثلاثاء 10 أكتوبر 2023) أن واشنطن طلبت أيضا من الدوحة العمل على تأمين أسرى الاحتلال المتواجدين لدى المقاومة في غزة.
ووفقا لميلر، فقد أجرى وزير الخارجية أنتوني بلينكن محادثات مثمرة مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حيث “تلعب قطر دورا مثمرا (لوقف التصعيد)، وستواصل القيام بهذا الأمر كشريك للولايات المتحدة”.
وكانت الخارجية الأمريكية قد أعلنت (الاثنين 9 أكتوبر 2023) أن بلينكن أجرى مباحثات مثمرة مع نظيره القطري، بشأن محاولات وقف التصعيد بين المقاومة وجيش الاحتلال.
وكان هذه هو الاتصال الثاني الذي يجريه بلينكن مع الشيخ محمد بن عبد الرحمن منذ بدء العمليات في السابع من الشهر الجاري.
View this post on Instagram
نفوذ لدى الأطراف الفاعلة
وخلال السنوات الماضية، عُرفت الدوحة بعلاقاتها القوية مع الأطراف الفاعلة في الصراع الدائر حاليا سواء كانت حركة حماس في غزة أو إيران التي تخشى الولايات المتحدة من تدخلها في المعارك.
ورغم أن المسؤولين الإيرانيين قد أكدوا عدم تدخلهم في المعارك إلا أن ما توصف بأذرع طهران عسكرية في المنطقة قد تدخلت فعليا في العمليات كما هو الحال مع حزب الله اللبناني، أو هددت بالتدخل مثل الحوثيين اليمنيين.
المخاوف الأمريكية من فتح جبهات أخرى دفعتها لتحريك حاملة طائرات جيرالد فورد، وهي الأكثر تطورا في البحرية الأمريكية، إلى منطقة قريبة من إسرائيل في شرق المتوسط.
كما حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن في كلمة يوم الثلاثاء أي طرف آخر من التدخل في الحرب، وقال إن واشنطن ستقدم كل ما يلزم من دعم لحماية إسرائيل.
هذه التحذيرات الأمريكية عالية المستوى تعكس على ما يبدو هاجسا لدى البيت الأبيض من أن تجد دولة الاحتلال نفسها في مرمى نيران كثير من الخصوم الإقليميين، وهو ما حدا بالأمريكيين لمطالبة القطريين بالتدخل لمنع اتساع رقعة الحرب.
View this post on Instagram
موقف قطري ثابت
كان الموقف القطري وما يزال واضحا تماما مما يحدث على الأرض سواء في قطاع غزة الذي يواجه جرائم حرب إسرائيلية على مدار الساعة، أو داخل الأراضي المحتلة التي تمارس فيها دولة الاحتلال تمييزا عنصريا واضحا، حسب التوصيف القطري.
وقد أكدت الدوحة على لسان سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وكبار المسؤولين على ضرورة وقف الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، والعمل على إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
غير أن النهج الذي تتبعه الدوحة للتعامل مع مثل هذه الأزمات يقوم بالأساس على تفعيل الحوار وتقليص رقعة العمليات العسكرية تجنبا لمزيد من الخسائر، وهو ما أكد الشيخ تميم بن حمد أمام الجمعية العام للأمم المتحدة مؤخرا.
تمتلك الدولة القطرية نفوذا كبيرا لدى إيران التي يمثل تدخلها في الحرب أكبر هواجس الولايات المتحدة وإسرائيل، وقد تمكنت الدوحة قبل شهر من تنفيذ اتفاق مهم لتبادل السجناء بين طهران وواشنطن.
هذا الاتفاق، كشف ما يمكن للدبلوماسية القطرية القيام به بين الخصمين اللدودين، وخلق حالة من الثقة التي كانت مفقودة تماما بينهما، ومهد لمزيد من العمل الدبلوماسية بالمنطقة.
وكانت وكالة بلومبيرغ قد وصفت دولة قطر مؤخرا بأنها المكان المفضل حاليا للولايات المتحدة من أجل بناء جسور من الأطراف الأكثر صعوبة في التعامل مثل إيران وحركة حماس.
ورغم مواقفها المتماهية مع موقف مجلس التعاون الخليجي من ضرورة وقف طهران أي نشاط يهدد أمن المنطقة، فإن الدوحة تحافظ في الوقت نفسه على علاقة تمكنها من الحديث مع الإيرانيين في ملفات مهمة.
في غضون ذلك، أعلن الناطق العسكري لجيش الاحتلال (الأربعاء 11 أكتوبر) وصول أول طائرة نقل عسكرية أمريكية محملة بالسلاح والذخيرة إلى تل أبيب لتمكينها من توجيه ضربات “مؤلمة” ضد الفلسطينيين في غزة.
ونشر جيش الاحتلال صور وصول أول طائرة تحمل ذخيرة أمريكية متقدمة، قائلا إنها ستسمح بتنفيذ ضربات كبيرة، وإنها تأتي استعدادا لسيناريوهات أخرى.
مع ذلك، لا تبدو الإدارة الأمريكية في حال يسمح لها بمزيد من الانخراط في هذه الحرب أو الدخول في مواجهة عسكرية أكبر بالشرق الأوسط، رغم ثبات موقف واشنطن عموما تجاه أمن إسرائيل.
وفي حين يبدو الدعم الأمريكي سياسيا وعسكريا لإسرائيل جزءا من حملة بايدن الانتخابية، فإن واشنطن في الكواليس تحتاج إلى دعم حلفاء مثل قطر لتطويق الأزمة وحصرها في أضيق مساحة ممكنة.
فقد دعا أعضاء الكونغرس الأمريكي عن الحزب الديمقراطي كوري بوش وإلهان عمر ورشيدة طليب إلى إنهاء المساعدات الأمريكية لإسرائيل، وقالت طليب إن دورة العنف المفجعة الدائرة حاليا لن تتوقف إلا بقطع المساعدات الأمريكية عن تل أبيب.
لكن غالبية الكونغرس بشقيه الجمهوري والديمقراطي يقفون بوضوح إلى جانب إسرائيل حتى إن زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز دعا “للوقوف إلى جانب إسرائيل حتى يتم سحق غزو حماس”.
View this post on Instagram
حضور قطري لافت
المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، قال في إحاطة صحفية أمس الثلاثاء إن الدوحة تتابع التطورات والتصعيد الخطير الذي يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأكد الأنصاري أن قطر دعت إلى وقف القتال وصولا إلى التهدئة، على أن يتم ذلك على جميع المحاور وبأسرع وقت، مشددا على ضرورة تجنيب المدنيين تبعات القتال الدائر هناك.
ووفقا للأنصاري، فقد بدأت الاتصالات منذ اليوم الأول للمعارك وعلى أعلى المستويات في المنطقة والعالم من أجل تنسيق المواقف الدولية والإقليمية حيال هذه التطورات.
وقال الأنصاري إن الاتصالات تناولت أيضا النظر في إمكانية التدخلات الإقليمية والدولية في إطار خفض التصعيد.
وأضاف “جرى خلال الاتصالات بحث سبل إنهاء القتال، ووقف إراقة الدماء، وتحرير الأسرى، والتأكد من احتواء هذا الصراع بحيث لا يمتد ويتحول إلى صراع إقليمي أوسع”.
لكن الأنصاري أكد أن الوقت ما يزال مبكرا للحديث عن وساطة مباشرة لوقف القتال؛ نظرا إلى تعقد الوضع على الأرض، مؤكدا أن التنسيق مستمر مع مختلف الدول الأطراف لوقف نزيف الدم وعدم توسع الأزمة أكثر مما هي عليه.
أضف تعليقا