انطلقت من ميناء برشلونة الإسباني، مساء الاثنين، عشرات السفن ضمن ما بات يعرف باسم “أسطول الصمود العالمي”، في واحدة من أوسع المحاولات التضامنية البحرية لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة.
ويضم الأسطول أكثر من 50 سفينة على متنها مئات النشطاء من مختلف دول العالم، ومساعدات إغاثية وإنسانية.
وتوصف هذه المبادرة بأنها الأكبر من نوعها منذ انطلاق أولى محاولات كسر الحصار البحري قبل سنوات. وقد تم تجهيز السفن من خلال تبرعات الأفراد والمؤسسات المدنية، دون دعم حكومي مباشر، وهو ما يعكس الطابع الشعبي والإنساني الخالص لهذه الحملة.
مشاركة واسعة
وفي تطور لافت، كشف الناشط البرازيلي تياجو أفيلّا، الذي كان قد اعتقل سابقا على يد القوات الإسرائيلية بعد مشاركته في رحلة سفينة “مادلين” التي أبحرت قبل أربعة أشهر، أن عدد السفن التي حاولت الوصول إلى غزة حتى الآن بلغ 47 سفينة.
وأشار إلى أن الأسطول الحالي الذي انطلق من برشلونة يفوق هذا العدد، ما يعني أن عدد السفن المشاركة في هذا التحرك تجاوز الخمسين، خصوصا مع انضمام سفن جديدة من تونس وإيطاليا ودول متوسطية أخرى خلال الأيام المقبلة.
ورغم أن المنظمين لم يعلنوا رسميا عن العدد الكامل للسفن التي ستشارك في الأسطول لأسباب أمنية، فإن تصريحات أفيلّا توحي بأن الحملة باتت أكثر تنسيقا وانتشارا من سابقاتها، وربما تحمل مفاجآت لوجستية على مستوى الحجم والنطاق الزمني.
واستغرقت الاستعدادات اللوجستية للأسطول شهورا من التخطيط والتنفيذ، وقد تم تجهيز السفن بالمواد الغذائية، والمساعدات الطبية، ومعدات الإسعاف، إضافة إلى أدوات الإغاثة الأساسية التي تفتقر إليها غزة وسط الدمار المتواصل للبنية التحتية والمرافق الصحية.
ولاقت الحملة تغطية إعلامية غير مسبوقة، إذ أكدت مصادر رسمية أن أكثر من 250 وسيلة إعلامية من 70 دولة تتابع الحدث لحظة بلحظة، تعبيرا عن التضامن مع الصحفيين الذين قتلوا في غزة، والذين بلغ عددهم مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة، وسط اتهامات متزايدة لإسرائيل بارتكاب جرائم ضد الإعلام.

دعم عالمي
وقد شارك في التظاهرة البحرية عدد من الشخصيات البارزة، من ممثلين ومخرجين وناشطين وأعضاء في برلمانات أوروبية، مؤكدين أن مشاركتهم ليست ذات طابع رمزي أو استعراضي، بل رسالة مباشرة ضد السياسات القمعية والحصار، ومحاولة لتشكيل حركة ضغط عالمية من أجل إنهاء معاناة الفلسطينيين في القطاع المحاصر.
وأكدت الناشطة البيئية السويدية غريتا تونبري، التي انضمت إلى الأسطول بعد فشل محاولتها السابقة في يونيو الماضي، أن ما يجري في غزة هو جريمة إبادة جماعية، وأن الحملة تأتي كصرخة في وجه النظام العالمي الذي يتعامل مع الجرائم الإسرائيلية وكأنها أحداث عابرة لا تستحق الردع أو المساءلة.
وفي خطابها أمام آلاف المتضامنين الذين تجمعوا في ميناء برشلونة لتوديع السفن، قالت تونبري: “هذه ليست مجرد سفن محملة بالمساعدات، إنها احتجاج مائي في وجه الصمت العالمي. إذا لم ننجح هذه المرة، فسنعود بأعداد أكبر، غزة لا يجب أن تبقى وحيدة”.
ويصف الاحتلال الإسرائيلي هذه الحملات البحرية بأنها “أعمال دعائية”، لكن المشاركين في “أسطول الصمود العالمي” يؤكدون أن حملتهم لا تتعلق بأي فصيل سياسي، بل هي تحرك إنساني يهدف لإنقاذ أرواح المدنيين المحاصرين، ولفت أنظار العالم إلى الجريمة المستمرة بحق أكثر من مليوني إنسان يعيشون داخل سجن مفتوح اسمه غزة.
بين الأمل والاحتمالات
وبحسب المنظمين، فإن الهدف الأول للحملة هو فتح ممر بحري إنساني دائم إلى قطاع غزة، ما يمكن من إرسال مساعدات طبية وغذائية بشكل مباشر إلى السكان الذين يعيشون ظروفا مأساوية.
أما في حال اعتراض الأسطول من قبل البحرية الإسرائيلية كما جرى سابقا، فقد أكدوا أن ذلك لن يثنيهم عن مواصلة الضغط، بل سيكون دافعا لتوسيع نطاق التحرك لاحقا.
ومن المتوقع أن تنضم عشرات السفن الأخرى من موانٍ في شمال أفريقيا وأوروبا، وسط تأكيدات بأن فعاليات متزامنة ستقام في أكثر من 44 دولة حول العالم، منها مسيرات شعبية ومؤتمرات دعم في العواصم الأوروبية والعربية.

الحصار والمعاناة في غزة
ويأتي هذا التحرك البحري في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، والذي أسفر حتى اللحظة عن أكثر من 63 ألف شهيد وآلاف الإصابات والمفقودين. بحسب وزارة الصحة في غزة.
كما تفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصارا ممتدا على قطاع غزة منذ عام 2007، ومنذ 2 مارس الماضي، أغلقت إسرائيل جميع المعابر المؤدية إلى غزة مانعة أي مساعدات إنسانية، ما أدخل القطاع في مجاعة رغم تكدس شاحنات الإغاثة على حدوده.
كما تواجه غزة أوضاعا كارثية، حيث أعلنت الأمم المتحدة حالة مجاعة حقيقية في أغسطس الماضي، فيما تتزايد الدعوات الدولية لمحاكمة “إسرائيل” بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، سواء في المحكمة الجنائية الدولية أو في أروقة الأمم المتحدة.