تشهد مدينة نيويورك حراكا انتخابيا غير مسبوق مع اقتراب موعد الاقتراع لاختيار عمدة جديد للمدينة، إذ برز اسم المرشح الديمقراطي زهران ممداني، الشاب ذي الأصول الهندية الأوغندية، كأوفر المرشحين حظا لتولي المنصب، بعد فوزه التاريخي في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي متفوقا على الحاكم السابق للولاية أندرو كومو.
وفي كلمته عقب إعلان فوزه ببطاقة الترشح عن الحزب الديمقراطي في 25 يونيو الماضي، قال ممداني لأنصاره “اليوم دخلنا التاريخ.. فزنا لأن أهالي نيويورك دافعوا عن المدينة يمكنهم تحمل تكلفة العيش فيها. مدينة يمكنهم فيها القيام بأكثر من مجرد الكفاح من أجل تأمين احتياجاتهم”.
برنامج ممداني
يركز برنامج ممداني “34 عاما” على جعل الحياة في نيويورك أكثر عدلا وإنصافا من خلال تجميد زيادات الإيجارات لنحو مليون شقة منتظمة الإيجار، وتوسيع نطاق الخدمات العامة لتشمل النقل المجاني ورعاية الأطفال المجانية، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 دولارا في الساعة بحلول عام 2030.
ويقترح ممداني لتمويل هذا البرنامج، فرض ضرائب إضافية على الشركات وأصحاب الدخول التي تتجاوز مليون دولار سنويا، في خطوة أثارت قلق الأوساط المالية والاقتصادية بالمدينة.
اشتراكي ديمقراطي أم شيوعي صغير
أثارت خطابات ممداني الذي يصف نفسه بالاشتراكي الديمقراطي، مخاوف وردود فعل في أوساط رجال المال، في تفعيل برنامجه السياسي لاسيما في جانب التمويل.
وفي وقت سابق قال رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب أن حملة ممداني تشكل تهديدا على نيويورك، وعبر عن عدم موافقته على انتخابه مهددا بحجب التمويل الفدرالي عن المدينة في حال فوزه.
ومع اقترابه من الفوز بمنصب العمدة للمدينة، خفف الرئيس ترامب لهجته بشأن ممداني قلا: “يبدو أنه سيفوز..هذه ثورة على المرشحين السيئين، مضيفا أنه مستعد للتواصل معه في حال حسم الفوز لصالحه.
ويعكس تصريح ترامب تحولا جذريا في موقفه وهو الذي وصفه أثناء الحملة الانتخابية “بالشيوعي الصغير” الذي يريد تدمير نيويورك.
ويحظى ممداني بدعم رموز التيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي، مثل بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو كورتيز، اللذين انخرطا بفعالية في حملته الانتخابية.
ويرى الخبير الديمقراطي روبرت وولف أن ممداني يمثل “رأسماليًا تقدميا”، معتبرا أنه “يدرك أهمية ازدهار القطاع الخاص، لكنه يسعى لاستخدام أدوات الحكومة لتعزيز العدالة والمساواة الاجتماعية”.

خصوم أقوياء
ودخل ممداني السباق الرسمي في أكتوبر 2024 متحديا أسماء تقليدية في الحزب الديمقراطي، وجاء ترشيحه امتدادا لعمله ممثلا لمنطقة كوينز سنوات عدة في المجلس التشريعي لنيويورك.
وحقق ممداني انجازا غير مسبوق في الاتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في يونيو الماضي وأصبح أول مسلم يترشح عن الحزب لخوض السباق النهائي إلى منصب العمدة اليوم 4 نوفمبر.
وتقدم ممداني على كل من أندرو كومو”67 عاما” كمرشح مستقل والمدعوم من الأوساط المالية، والجمهوري كورتيس سيلوا “71 عاما “مؤسس “الملائكة الحارسة” لمكافحة الجريمة.
وتشير سجلات تمويل الحملات إلى أن 26 مليارديرا أنفقوا أكثر من 22 مليون دولار دعما لكومو بهدف عرقلة صعود ممداني.
ويواصل كومو حشده للمعتدلين والديمقراطيين، مركزا حملته على التقليل من شأن ممداني متهما إياه بقلة الخبرة الحكومية والتطرف، ومعاداة السامية، غير أن ممداني وجه ضربات قوية لكومو عبر المناظرات التلفزيونية، مبينا سوء إدارته لشؤون الولاية أثناء جائحة كورونا، إلى جانب تورطه بقضايا فساد، والمصالح الشخصية مع أوساط المال.
أما العمدة الحالي إريك آدامز فقد انسحب من المنافسة في سبتمبر الماضي إثر تراجع شعبيته وفضائح فساد فدرالية، معلنا دعمه لكومو.
ممداني في الصدارة
وفق استطلاعات الرأي الأخيرة، يتقدم ممداني بفارق كبير على منافسيه، إذ حصل على 46.6% من دعم التصويت مقابل 30.1% لكومو و16.5% لسيلوا.
وأظهر استطلاع أجرته ذا هيل وجامعة إيمرسون أن ممداني يحظى بدعم 50% من الناخبين، متقدما بـ25 نقطة كاملة على كومو.
ويرجع المحللون هذا التفوق إلى تحالف قوي بين الشباب ومجتمعات الملونين، إذ يحظى ممداني بدعم 71% من الناخبين السود و69% من الناخبين دون سن الخمسين.
وعموما لازال ممداني يحافظ على الصدارة في السباق حيث عبر 52% من الناخبين المحتملين عن رأي إيجابي تجاهه، متقدما بفارق كبير على كومو الذي حصل على 35% وكورتيس سيلوا الذي حصل على 27%.

ظاهرة سياسية جديدة
ويصف المراقبون ممداني بأنه ظاهرة سياسية فريدة في المشهد الأمريكي، بفضل حضوره الإعلامي القوي ولغته القريبة من الناس، وروحه الشبابية الممزوجة بحس فكاهي وثقة عالية.
ووصف المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية “كير” نهاد عوض، صعود ممداني بأنه “زلزال سياسي” يعكس رغبة الناخبين في التغيير ومحاسبة النخبة التقليدية المتورطة في الفساد.
من جذور عالمية إلى قيادة محلية
ولد ممداني في أوغندا لأسرة مثقفة ووالده المؤرخ المعروف محمود ممداني، ووالدته المخرجة السينمائية ميرا نايير وانتقل إلى نيويورك في السابعة من عمره.
تأثر منذ صغره بأجواء فكرية متعددة الثقافات، ما ساهم في تشكيل وعيه السياسي والاجتماعي، ويذكر أن بيت العائلة كان مقصدا لأسماء فكرية وفنية كبيرة من بينهم المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد.
درس ممداني في كلية بودوين بولاية مين، وشارك في تأسيس فرع منظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”.
وبعد التخرج عمل ممداني مدرسا ومغني راب، وفي عام 2016 ساعد والدته في تأليف موسيقى فيلمها “ملكة كاتوي” قبل أن يعمل في منظمة غير ربحية لدعم الأسر محدودة الدخل في كوينز، حيث بدأ مسيرته السياسية.
حملة قريبة من الناس
يراهن ممداني على التواصل المباشر مع الناخبين، ويستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بذكاء، فقد خاطب متابعيه بلهجة شامية قائلا في مقطع فيسبوك: “شكلي كأني صهركم من الشام، بس العربي تبعي بدها شوي شغل.. أنا منكم وإليكم”.
ملمحا في بداية قوله إلى زواجه مطلع العام الجاري من الفنانة السورية الأمريكية راما دواجي التي درست في جامعة فرجينيا وأصبحت مدرسة فنون بصرية في نيويورك.
كما تحدث بالإسبانية لجذب الناخبين من أصول لاتينية، وظهر خارج مسجد في منطقة برونكس مخاطبا الجالية المسلمة مؤكدا فخره بهويته الدينية، وتحدث بتأثر كبير عن الإهانات التي واجهها المسلمون في المدينة لفترات طويلة.
ويستند ممداني إلى جيش انتخابي يضم نحو 90 ألف متطوع يقودون حملة ميدانية وإلكترونية واسعة في مدينة يبلغ عدد سكانها أكثر من 8 ملايين نسمة ويصل ناتجها المحلي إلى 2.3 تريليون دولار.

