كتب ياسر أبو هلالة – كاتب وصحفي
بدا واضحا عزلة نتنياهو في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بقدر ما ظهرت غطرسته وعنجهيته وبلطجته. زعيما لدولة مارقة تشكل نقيضا للمؤسسة التي يلتئم شمل العالم فيها. معزولا إلا من الولايات المتحدة التي تحصن الدولة المارقة بحق الفيتو، وتمدها بكل أدوات جرائم الإبادة الجماعية. حتى هذه تبدو بحسب استطلاعات الرأي في أميركا مسألة وقت، فالجيل الجديد رافض لذلك، لا بل في آخر استطلاع أظهر أن ٦٠% من جيل z داعم لحماس. ولا يمكن أيضا تجاوز امتعاض ترمب من الدولة الحليفة التي ضاق بها أنصاره في ماغا MAGA .وهم لا يترددون في اتهام إسرائيل في مقتل الناشط اليميني تشارلي كيرك.
امتعاض ترمب، وهو حتى الآن لفظي لا يعوّل عليه، يوازيه إعجابه بخطاب الشيخ تميم الذي تعرضت بلاده للعدوان كما صرح أمام الكاميرات. وهو لا يزال لفظيا لم يتحوّل إلى عمل، إلا إذا ضغط جديا بعد مبادرته الأخيرة وأوقف الحرب.
لقد سبق لترمب أن تحدث عن اجتماعه مع الشيخ تميم وألمه للمجاعة في غزة في لقائهما الثنائي في الدوحة، وكما في اللقاء الثنائي الذي لم يجر فيه الحديث إلا عن غزة، في اللقاء مع القادة العرب والمسلمين
خطاب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الأمم المتحدة وقبله في قمة الدوحة التضامنية رسم صورة واضحة لمجرم الحرب، تماما كالصورة الواضحة للضحايا وقضية فلسطين بوصفها تجسيدا للعدالة. قال: “الوضع في غزة صعب، يجب فعل كل شيء من أجل إنهاء الحرب”. “السبب الوحيد نحن هنا هو لإنهاء الحرب” و “مساعدة الناس في غزة”. وبعد أن وجّه في وقت سابق انتقادات حادة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أشاد ترمب بالشيخ تميم “لقد كان له خطاب جيدا”.
في الخطاب الذي أشاد به ترمب قال أمير دولة قطر :”يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها. من الصعب التعامل مع هذه الذهنية التي لا تحترم أبسط المبادئ في التعامل بين البشر. فتوقع تصرفات أصحابها يكاد يكون مستحيلًا. أليس هذا هو تعريف الحكومة المارقة؟”. “كان هذا العدوان انتهاكًا خطيرًا لسيادة دولة، وخرقًا سافرًا وغير مبرر للأعراف والمواثيق الدولية؛ لكن العالم بأسره صدم أيضًا بسبب ملابسات هذه الفعلة الشنعاء التي صنفناها إرهاب دولة.” حكومة مارقة وإرهاب دولة، كما يقول ترمب خطاب جيد!
وزاد “فخلافًا لادعاء رئيس حكومة إسرائيل، لا يدخل هذا العدوان ضمن حق مزعوم في ملاحقة الإرهابيين أينما كانوا، بل هو اعتداء على دولة وساطة صانعة سلام كرست دبلوماسيتها لحل الصراعات بالطرق السلمية، وتبذل منذ عامين جهودًا مضنيةً من أجل التوصل إلى تسوية توقف حرب الإبادة التي تشن على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وهو أيضًا محاولة لقتل سياسيين أعضاء وفد تفاوضه إسرائيل، وهم عاكفون على دراسة ورقة أمريكية للرد عليها. فكما تعلمون، تستضيف قطر، بصفتها دولة وساطة، خلال المفاوضات وفودًا من حركة حماس وإسرائيل.”
في الاجتماع، مع القادة العرب والمسلمين، قدّم ترامب للقادة المبادئ الأمريكية لإنهاء الحرب في غزة. وهذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها الرئيس الأمريكي خطةً لإنهاء الحرب في غزة منذ توليه منصبه في يناير/كانون الثاني. التفت ترامب إلى الرئيس التركي أردوغان، الذي كان يجلس بجانبه، وقال له: “سنجعل هذا لقاءً مهمًا”. وأضاف: “سننهي الحرب في غزة، ربما الآن”.
ما الجديد عند ترمب وويتكوف؟
بحسب ما سرب لباراك رافيد، مراسل أكسيوس فإن الرئيس ترمب والمبعوث الخاص للبيت الأبيض ستيف ويتكوف قدّما لقادة عرب ومسلمين “خطة من 21 نقطة” لإنهاء الحرب في غزة ولإدارة ما بعد حماس، يوم الثلاثاء، وحصلوا على ردود إيجابية من الحاضرين.
وهي المرة الأولى التي يقدّم فيها ترمب خطة أميركية لإنهاء الحرب في غزة. يوم الأربعاء أصدر عدة قادة بيانات أشادوا بها.
• قال ترمب للقادة في الاجتماع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة إن الحرب يجب أن تنتهي بشكل عاجل، بحسب مصدرين.
• أضاف أحد المصادر أن ترمب أشار إلى أنه يقدّم هذه الخطة لأن استمرار الحرب كل يوم يزيد من عزلة إسرائيل دوليًا.
• قال ويتكوف يوم الأربعاء: “نحن متفائلون، ويمكنني القول واثقون، بأنه في الأيام القادمة سنكون قادرين على الإعلان عن نوع من الاختراق”.
في التفاصيل، ذكر المصدران أن المقترحات الأميركية كانت نسخًا معدّلة من أفكار نوقشت على مدار الأشهر الستة الماضية، وتحديثًا لأفكار وضعها جاريد كوشنر صهر ترمب ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
المبادئ الأساسية للخطة:
- إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين.
- وقف إطلاق نار دائم.
- انسحاب إسرائيلي تدريجي من كامل قطاع غزة.
- خطة ما بعد الحرب تتضمن آلية حكم في غزة بلا حماس.
- قوة أمنية تضم فلسطينيين إضافةً إلى جنود من دول عربية وإسلامية.
- تمويل من دول عربية وإسلامية للإدارة الجديدة في غزة ولإعادة إعمار القطاع.
- بعض المشاركة من السلطة الفلسطينية.
أوضح المصدران أن ترمب طلب من القادة العرب والمسلمين دعم هذه المبادئ والالتزام بالمشاركة في خطة ما بعد الحرب في غزة.
من الجانب الآخر: حضر الاجتماع قادة ومسؤولون كبار من السعودية، الإمارات، قطر، مصر، الأردن، تركيا، إندونيسيا وباكستان. وبحسب مصدرين، قدّم القادة العرب لترمب عدة شروط لدعم خطته:
- ألا تضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية أو غزة.
- ألا تحتل إسرائيل أجزاء من غزة.
- ألا تبني إسرائيل مستوطنات في غزة.
- أن توقف إسرائيل تقويض الوضع القائم في المسجد الأقصى.
- زيادة فورية في المساعدات الإنسانية إلى غزة.
قال مصدران إن ترمب أوضح للقادة العرب والمسلمين أنه لن يسمح لإسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية.
في ختام الاجتماع، عبّر القادة العرب والمسلمون عن دعمهم للمبادئ الأميركية والتزامهم بالمشاركة في خطة ما بعد الحرب، بحسب المصادر.
التصريحات: في بيان مشترك يوم الأربعاء، أعرب قادة سبع دول عربية وإسلامية شاركوا في القمة عن دعمهم لخطة ترمب.
- قالوا: “نجدد التزامنا بالتعاون مع الرئيس ترمب ونؤكد أهمية قيادته من أجل إنهاء الحرب وفتح آفاق لسلام عادل
- الخطوة التالية، بحسب رافيد ، أشار مسؤولون إسرائيليون إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على دراية عامة بالمبادئ الأميركية، وأن مستشاره المقرب رون ديرمر عقد مؤخرًا مناقشات حول الموضوع مع كوشنر وبلير.
- قال مصدر مطّلع على مضمون الاجتماع إن ترمب أبلغ القادة العرب أن الخطوة التالية هي مناقشة الخطة مع نتنياهو في البيت الأبيض يوم الاثنين لضمان دعمه.
- قال مسؤول عربي: “المخطط الأميركي جيد لكنه يحتاج إلى مزيد من الصقل بمساهمات من الدول العربية. بعد أن يُستكمل سيكون على الولايات المتحدة أن تسوّقه لبيبي”.
قد تكون المبادرة فرصة لإنهاء الحرب أو تكون طوق نجاة جديد لمجرم الحرب. فالتفاوض بالنسبة لنتنياهو. “المفاوضات عنده هي مجرد جزء من الحرب، تكتيك سياسي يرافق الحرب، ووسيلة لتعمية الرأي العام الإسرائيلي. فحين يضغط عليه رأيه العام يرسل وفدًا للتفاوض، يفعل ذلك بيد، ويفشل المفاوضات باليد الأخرى. كان هذا أسلوبه حتى الآن” بحسب خطاب أمير قطر. “لا يسعى طرف لاغتيال الوفد الذي يفاوضه إلا إذا كان هدفه إفشال المفاوضات. وما المفاوضات عنده إلا مواصلة للحرب بطرق أخرى، ووسيلة لتضليل الرأي العام الإسرائيلي. “إذا كان ثمن تحرير الرهائن الإسرائيليين هو وقف الحرب، فإن حكومة إسرائيل تتخلى عن تحريرهم. فهدفها الحقيقي هو تدمير غزة، بحيث يستحيل فيها السكن والعمل والتعليم والعلاج، أي تنعدم مقومات الحياة الإنسانية، وذلك تمهيدًا لتهجير سكانها. لهذا السبب يريد رئيسها مواصلة الحرب. إنه يؤمن بما يسمى أرض إسرائيل الكاملة. وهو يعتبر أن الحرب فرصة لتوسيع المستوطنات وتغيير الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف، كما يخطط لعمليات ضم في الضفة الغربية. لم يعد هناك شك في أن التطهير العرقي وتغيير واقع المناطق المحتلة، بل وفرض وقائع جديدة على الإقليم هو هدف هذه الحرب”.
فشل الهجوم وفشل الردع
لم يفشل الهجوم الغادر على الدوحة في ٩-٩-٢٠٢٥ عندما نجا الفريق المفاوض فقط، تجلّى فشله في نيويورك، أراد نتنياهو ضمن أهدافه من العدوان الغادر ردع قطر، وردع كل من يقف مع الحق الفلسطيني. فبعد عامين من الطوفان تشكل موقف إسرائيليين غريب تجاه قطر فمن ناحية تتهم المعارضة الإسرائيلية قطر بدعم نتنياهو من خلال ما عرف بالإعلام الإسرائيلي ب ” قطرغيت ” وفي المقابل جماعة نتنياهو يتهمون قطر بدعم حماس. والواقع أن سياسة قطر تجاه القضية الفلسطينية لم تتغير، والذي تغيّر هو السياسة الإسرائيلية والأمريكية. فعندما أُبعد قادة حماس من الأردن عام 1999 لم يكن ذلك بطلب من قطر أو رضى وإنما كانت تصرف الأردني الذي حظي بدعم أمريكي. وقبلت به قطر في حينها “مؤقنا ” في سياق الوساطة بين حماس و الأردن.
وبالنسبة للأمريكان والإسرائيليين وجود قيادة حركة حماس في الدوحة أفضل من وجودها في إيران. أو أي بلد من البلدان المعادية للولايات المتحدة الأمريكية (كانت القائمة واسعة وقتها إضافة إلى إيران كان عراق صدام حسين، والسودان، وسوريا ..) ولم تكن الدوحة خيارا مفضلا لحماس لأسباب كثيرة. أولا: أن هذه الحركة تحتاج إلى بيئة تؤمن لها موارد عسكرية بالدرجة الأولى وهذا ما حصلت عليه بعد انتقالها إلى سوريا، والتي اضطرت لمغادرتها لأسباب لها علاقة بالثورة السورية واختارت أن تقف مع الشعب السوري لا أن تقف مع النظام القاتل، وكانت قطر بالنسبة للأميركان خيارا أفضل كما في المرة الأولى، وكانت وقتها عواصم الربيع العربي مفتوحة لقادة حماس في القاهرة وتونس، وفي ذلك العام استقبل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس للمرة الأولى بعد إبعاد المكتب السياسي.
لم تتوقف قطر عن دورها في دعم القضية الفلسطينية من خلال المبادرات المتكررة لتوحيد الصف الفلسطيني ودعم السلطة الفلسطينية الحاكمة في الضفة الغربية ودعم حكومة حماس الحاكمة في غزة، بل إن الأرقام تظهر أن الدعم لرام الله كان أكبر من الدعم لغزة.
أظهرت حال الانكشاف العربي بعد حرب غزة الحاجة إلى مراجعة التحالف مع أميركا، ونشهد تغيّرا إستراتيجيا عربيا في اتفاق السعودية مع باكستان القوة النووية الإسلامية، وهو ما يثير غضب الأمريكيين. وكان الموقف السعودي في التضامن مع قطر بعد العدوان واضحا ومميزا، وكذلك الدول العربية الأردن ومصر، وهي حليفة لأميركا أيضا ومرتبطة بمعاهدة سلام مع إسرائيل.
الموقف السعودي
التغير في الموقف السعودي منذ 7 أكتوبر واضح وتجلّى مؤخرًا في الاتفاق مع باكستان الذي وصفته الفايننشال تايمز «البترودولارات و”القنبلة الإسلامية” هذا الاتفاق بين السعودية وباكستان يكتسب أهمية استراتيجية كبيرة لعدة أسباب: فهو يجمع بين الثروة النفطية السعودية (البترودولار) التي تمثل رافعة مالية هائلة، وبين القدرات النووية والعسكرية الباكستانية التي يُنظر إليها منذ عقود كخلفية ردع محتملة ضمن ما يُسمى بـ “القنبلة الإسلامية”.
أهمية الاتفاق لا تقتصر على البعد الأمني فحسب، بل تمتد إلى موازين القوى في المنطقة، إذ يعكس بحث السعودية عن مظلة ردع مستقلة في ظل تراجع الثقة بالضمانات الأميركية، ويمنح باكستان في المقابل دعمًا اقتصاديًا وسياسيًا بالغ الأهمية في مواجهة أزماتها الداخلية. ومن ثم يُنظر إلى هذا التحالف كخطوة تعيد رسم شبكة التحالفات في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، مع تداعيات على ملفات مثل إيران، أمن الخليج، والعلاقات مع واشنطن وبكين
راهنت السعودية على التطبيع أداة لتحقيق السلام ونتيجة له. اكتشفت أن الإسرائيليين يريدون التطبيع مقابل تركيع العرب فقط. ثم وضع استراتيجي يتشكل في الخليج الذي تعرض لعدوان غير مسبوق وقد تشكل مجلس تعاون خليجي بسبب العدوان الإيراني على العراق، اليوم إيران لا تشكل خطرا على الخليج وبالكاد تدافع عن نفسها، لكن برزت إسرائيل خطرا على الجميع.