في محراب الكلمة.. علمتنا قطر في كأس العالم 2022

Qatar Worldcup

وكأنه حلم مرّ في طيف الذكريات.. حلم السنين والأيّام تحقق، رؤية سمو القائد والشعب أصبحت عنوانًا بارزًا في جبين الصدارة والريادة، وحدثًا عالميًا لن تطمسه السنون، وليس له تاريخ نهاية صلاحية.

من هنا مرّت حافلات الأبطال، وأهازيج المشجعين، هنا الدوحة عاصمة الكرة العربيّة وأرض كأس العالم الذهبيّة، وميدان بطولة المونديال الغالية.

انتهت قصّة نجاح بطلها قائد طموح وشعب متطلّع، انتهت قصّة عقد ونصف من العمل والعمل والعمل، نتاجها نجاح باهر وسحر ماتع ورسالة صادقة أذهلت العالم من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله، في دوحة الأحلام والرؤية والضيافة والتميّز والأصالة.

أتجوّل في شوارع الدوحة ويراودني هذا السؤال: هل انتهت قصّة مونديال كأس العالم في قطر؟ هل غادر المشجعون إلى بلدانهم، هل ذهبت الكأس الغالية إلى الأرجنتين؟ نعم كل شيء ذهب إلى سبيله، وبقيت قطر حاضرة في الأذهان، في المراصد، في شاشات التلفاز، في الوثائقيات، في منازل المشجعين، في هدايا اللاعبين، في لواصق البريد، وبوابات الملاعب العالمية.

لقد علمتنا قطر أن التخطيط والرؤية الواضحة أساس النجاح وشرط التميّز، وقد وعدت قطر وأوفت بوعدها في تنظيم النسخة الأفضل في تاريخ المونديال العالمي.

علمتنا قطر أن الرؤية وحدها بدون العمل الجاد لن تكون كافية لتحقيق الإنجازات وصناعة المعجزات، وهذه الثمار اليانعة لم تكن لتتحقّق لولا العمل المتواصل والمتابعة الدقيقة لتحقيق ما وعدت به قطر لإبهار العالم.

علمتنا قطر أن الإرادة والعزيمة يمكن أن تصنع المستحيلات، وأن الثقة بالنفس والقدرة على التحدي عامل مهم في سباق المنافسة، وأن الفوز لم يعد حكرًا على دولة أو قارة أو جهة مهما صغرت أو كبرت.

علمتنا قطر أن العمل الجماعي مصدر قوة، وسلاح عزيمة، وأن قطر لم تغتر بقوتها وحدها، ولم تتحدّث عن نفسها فقط، بل تحدثت باسم العرب، وأعلنها حضرة صاحب السمو أمير البلاد المُفدى في افتتاح البطولة للعالم «من قطر، من بلاد العرب، أرحب بالجميع في بطولة كأس العالم 2022م».

علمتنا قطر أننا قادرون على التعايش واحترام ثقافات الشعوب على اختلاف لغاتهم وأديانهم وألوانهم، وأن اعتزازك بدينك وقيمك وهُويتك العربية والإسلامية يضفي عليك احترام الآخرين وتقديرهم. علمتنا قطر أن الخصوم والأعداء مهما نصبوا لك الفخاخ وكادوا لك في الليل والنهار، وأنت ثابت على مبدئك، واضح في تصوراتك، جاد في عملك، فإن النجاح حليفك بلا شك ولا ريب مهما كان الطريق مفروشًا بالأشواك.

علمتنا قطر أن كرة القدم رسالة عالميّة، وحضارات دول، وثقافات شعوب، ومهرجان سياحة، وميدان سياسة، وورشة اقتصاد، وتنافس شريف، وأن المنتصر حقًا في هذا الميدان هي الأخلاق والقيم والسلوك القويم وحب الخير للآخرين.

علمتنا قطر أنّنا كعرب قادرون على أن نعطي الدروس للآخرين، وأنّنا لم نعد نقبل الإملاءات من الغير في كثير من الأمور، فقطر رحبت بالعالم بكافة توجهاتهم لكنها لم تتوانَ في مطالبتهم باحترام عاداتها وثقافاتها وقوانينها، كما علمتنا أن النجاح يمكن أن يكون عربيًّا وقد كان.

علمتنا قطر أن قوّة الدول لا تقاس بالمال والسلاح والمساحة الجغرافية، بل بالإنسان الواعي والقيادة الراشدة، وبينهما قوى ناعمة لا يمكن تجاهلها في سياق تنافس الأمم وهي قيم الثقافة والرياضة والإعلام والدبلوماسية وصناعة السلام.

علمتنا قطر أن فرحة النجاح بتحقيق الإنجاز يجب أن تكون مقرونة بمزيد من التطلعات والرؤى الطموحة لتحقيق المزيد من النجاح، فها هي قطر تستعد لجولات جديدة من المجد وتخليد اسمها في خريطة العالم الرياضية عبر تخطيطها لاستضافة بطولات عالميّة قادمة، ومن ذلك تنظيم الألعاب الآسيوية عام 2030، وتنظيم أولمبياد عام 2036.

تأمّلوا في تجربة قطر وستجدون فيها الكثير من الدروس المُلهمة للشعوب والأمم، والسعيد من استفاد من تجربة غيره.