مع عودة المنتخب الأرجنتيني لكرة القدم إلى بلاده للاحتفال بفوزه ببطولة كأس العالم لكرة القدم، يمكن لقطر أن تتأمل في الدروس المستفادة من استضافتها للبطولة الناجحة والممتعة للغاية، وأن تأمل في أن يبقى أي انخفاض في النشاط الاقتصادي في مرحلة ما بعد انتهاء البطولة عند حده الأدنى.
ومن الطبيعي أن يحدث تراجع في الحراك الاقتصادي بعد انتهاء هذا الحدث الكبير. ورغم أن هذا الحدث قد يترك بعض الآثار الإيجابية فيما يتعلق بارتفاع العائدات المتحصلة من السياحة لبضعة أشهر، نظرًا لأن نجاح البطولة جماهيريًا قد عزز من صورة البلاد كوجهة سياحية، إلا أنه قد يكون هناك تراجع اقتصادي طبيعي يؤثر على القطاع الخاص. ويجب استبدال الفرص الاقتصادية التي كانت مرتبطة بعمليات الاستعداد لتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم واستضافة البطولة. وبالتالي، فإن الفائض الصحي في الميزانية الذي حققته الدولة سيدعم أي خطوات جديدة تقدم عليها الدولة لتحفيز القطاع الخاص.
وتوجه ميزانية عام 2023، التي جرى الإعلان عنها في منتصف شهر ديسمبر، بعض الرسائل الصحيحة وينبغي أن تساعد في تقليل المخاطر مع طرح آفاق للتنمية الاقتصادية. فقد حُددت قيمة النفقات المتوقعة بمبلغ 199 مليار ريال قطري، مع توقع تحقيق إيرادات قيمتها 228 مليار ريال قطري، باعتماد تقدير متحفظ لسعر النفط عند مستوى 65 دولارًا للبرميل. وسوف يُستخدم الفائض بشكلٍ جزئي لتعزيز الاحتياطيات، بما في ذلك تحقيق خفض كبير في الدين العام. وقد انخفض هذا الدين بالفعل إلى مستوى 44.5٪ في عام 2022 قياسًا بنسبة 58٪ في عام 2021.
ويعد السعي لسداد الديون في الوقت الذي يشهد تحقيق فائض في الميزانية وارتفاع أسعار الفائدة من القرارات الصائبة تمامًا؛ إذ أنه من الحكمة دائمًا الاقتراض عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة، وسداد ذلك الدين عندما يكون سعر الفائدة مرتفعًا. وفي الوقت الحالي، يمنح عدد قليل جدًا من الاستثمارات عوائد تزيد على 5٪، لذا فإن سداد الديون هو الخيار الصحيح.
وهناك توازن بين تخفيض الديون والحفاظ على النفقات. ورغم انخفاض الانفاق على مشاريع البنية التحتية بشكل طبيعي بعد انتهاء منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم، فقد أعلنت الدولة عن 23 مشروعًا جديدًا لعام 2023، بقيمة إجمالية تبلغ 9.8 مليار ريال قطري، ضمن بند النفقات المحدد لتنفيذ المشاريع الكبرى البالغ 64 مليار ريال قطري. ورفعت الدولة معاشات التقاعد، حيث تراجعت مستويات الدخل بالقيمة الحقيقية بسبب التضخم خلال السنوات الماضية. وفيما يتعلق بالتوظيف في القطاع العام، هناك بعض التوازن الدقيق الذي يجب أن يتحقق: فمن المفهوم أن الحكومة سترغب في الحفاظ على مستويات التوظيف ورفعها بحسب البيان الصادر مع ميزانية 2023، ويمكنها تحمل تكلفة القيام بذلك مع وجود فائض في الميزانية، ولكن من الوارد أتمتة العديد من المهام الإدارية في القطاع العام بمرور السنين، وهو ما قد يؤدي إلى اختفاء بعض الوظائف، ولا يمكن للإدارات الحكومية مقاومة الضغط الناجم عن ذلك إلى أجل غير مسمى. وفي الظروف المثالية، فسوف يتوسع القطاع الخاص ويوفر المزيد من فرص العمل لخريجي الجامعات الجدد ولتعويض الموظفين الذين قد يخسرون وظائفهم في القطاع العام بفعل الأتمتة. وللمساعدة في تحقيق ذلك، يجب على الدولة العمل مع القطاع الخاص المحلي في مشاريع القطاع العام قدر الإمكان، لتعزيز عمليات التوظيف في القطاع الخاص ورفع عمليات إحلال المواطنين في الوظائف القيادية والإستراتيجية في هذا القطاع، وتوفير البيئة المناسبة لإنشاء شركات محلية جديدة تدعم الاقتصاد الكلي.
وخلال الفترات التي تشهد تحقيق فوائض جيدة في الميزانية، تكون هناك رغبة محدودة في منح الأولوية لاتباع طرق عمل أكثر كفاءة في القطاع العام، ولكن قد يأتي وقت تنخفض فيه أسعار النفط والغاز ويحدث عجز في الميزانية. وفي هذه الحالة، سيكون هناك ضغط يتمثل في ضرورة تقليل النفقات بمجرد انخفاض الإيرادات. وستحتاج الدولة إلى تقليص بنود أخرى من الميزانية بسبب ارتفاع بند رواتب القطاع العام.
وتُعد زيادة المخصصات الموجهة لميزانيات الصحة والتعليم من الأولويات الجديرة بالثناء، ولكن هناك حاجة إلى اتخاذ تدابير لضمان تحقيق نتائج جيدة، مثل تحسين كفاءة الخريجين، وضمان فعالية المنح البحثية في قطاع التعليم العالي.
وفي الختام، نود أن نثني على الميزانية فيما يتعلق بسعيها لضمان اتباع نهج متوازن لسداد الديون والحفاظ على الطلب المحلي والنفقات الرأسمالية. ويجب أن يتحول الاهتمام الآن إلى مسائل أخرى مثل كفاءة القطاع العام وعوائد استثمارات البنية التحتية ورفع مستويات توطين الوظائف في القطاع الخاص ودعم بيئة الاعمال.
أضف تعليقا