كتبت وزير التربية والتعليم والتعليم العالي لولوة الخاطر بمناسبة مرور 15 عاما على مبادرة “الأعوام الثقافية”
مع احتفاء مبادرة “الأعوام الثقافية” القطرية بشراكتها الخامسة عشرة في عام 2025 – ولأول مرة مع بلدين في عام واحد، هما الأرجنتين وتشيلي – يعكس تطور البرنامج تحولًا أوسع نطاقًا في رؤية الدولة للثقافة كشكل من أشكال التبادل الدولي. فبعد أن كانت في بدايتها مبادرة ثنائية تهدف إلى تعريف العالم بدولة قطر تمهيدًا لاستضافة كأس العالم FIFA 2022، الذي أُقيم للمرة الأولى في العالم العربي، نمت “الأعوام الثقافية” لتصبح إحدى الركائز الأساسية للدبلوماسية الثقافية القطرية. وتجسد المبادرة اليوم رؤية عالمية تسعى لمد الجسور بين الثقافات، وتعزيز العلاقات طويلة الأمد، وخلق حوار بين مختلف التخصصات.
لقد تحولت هذه المبادرة، التي انطلقت كوسيلة للترحيب بالعالم في أول بطولة كأس عالم تقام في المنطقة العربية، إلى إطار عمل ديناميكي للتعاون الدولي. فمن فنون الشارع في ساو باولو إلى ورش عمل صناعة الأفلام في طنجة، ومن حفلات أوركسترا قطر الفيلهارمونية إلى الأعمال الفنية العامة الدائمة، يبرهن البرنامج على قدرة الثقافة على نسج روابط دائمة. وتشمل هذه الروابط الفن العام، والمشاركة في المنتديات الاقتصادية والمعارض التجارية الكبرى في قطر، ومبادرات التنمية الاجتماعية.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك، معرض (On the Move) الذي نال استحسانًا كبيرًا، والذي عُرض لأول مرة خلال العام الثقافي قطر-الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا 2022، ليتم تقديمه لاحقًا في الصين، التي كانت شريكًا في العام الثقافي قطر-الصين 2016. وبالمثل، شاركت وتعاونت الفنانة المغربية الشهيرة في الرسم على الزجاج، والمقيمة في باريس، سارة أوحدو، لأول مرة مع قطر ضمن معرض “عالمنا يحترق” في قصر طوكيو بباريس بمناسبة العام الثقافي قطر-فرنسا 2020، في برنامج الإقامة الفنية “قطر | المغرب: صياغة مستقبلات الحرف والتصميم” كجزء من العام الثقافي قطر-المغرب 2024.
كما انبثقت عدة مبادرات وطنية كبرى من العلاقات التي تم تأسيسها خلال الأعوام الثقافية السابقة. ومؤخرًا، أعلنت قطر وفرنسا عن مذكرة تفاهم شاملة تبني على الأسس التي تم إرساؤها خلال العام الثقافي قطر-فرنسا 2020. ويركز هذا الاتفاق واسع النطاق على بناء القدرات، والمعارض المشتركة، والتدريب المهني، والبحوث المشتركة، والرقمنة، مما يوضح الأثر المستدام للتبادل الثقافي.
يتميز النهج القطري بقدرته على المزج بين الدبلوماسية الرسمية والمشاركة على المستوى الشعبي. فالدبلوماسية الثقافية في قطر تمتد إلى ما هو أبعد من المؤسسات الرسمية. ففي حين تلعب السفارات والوزارات الثقافية أدوارًا رئيسية، تأتي المساهمات أيضًا من الطهاة، وعلماء الآثار، وخبراء الاقتصاد، والمتطوعين، والطلاب. وتتضمن البرامج معارض متحفية رفيعة المستوى – مثل معرض (LATINOAMERICANO) هذا العام، الذي يتم تنظيمه بالتعاون مع متحف أمريكا اللاتينية للفنون في بوينس آيرس (MALBA) ومتاحف قطر – بالإضافة إلى ورش عمل مجتمعية، وبرامج تبادل بين المكتبات، ومعارض تجارية، ومبادرات ترتكز على التنمية الاجتماعية.
ويتعزز الأثر التحولي للمبادرة بفضل هيكلها اللامركزي والتشاركي، حيث يتم تطوير كل عام ثقافي بالتعاون مع الدولة الشريكة، مما يشجع على الملكية المشتركة والأصالة الثقافية. ومع مرور الوقت، أنتج ذلك شبكة قوية من العلاقات يعتمد عليها المنظمون الآن لإنشاء برامج متعددة البلدان. ففي عام 2024 على سبيل المثال، استضاف متحف قطر الوطني معرضًا للأزياء سلط الضوء على المصمم المغربي محمد بن شلال، الذي تم إنتاج مجموعته باستخدام مواد تم العثور عليها في متاجر السيارات في الدوحة وتم إنشاؤها في استوديوهات ومختبرات ليوان للتصميم.
إن مبادرة “الأعوام الثقافية” تتناغم تمامًا مع عالمنا المترابط اليوم، ومع جيل من الشباب الذين ينحدرون من خلفيات متعددة الثقافات، ويسافرون بحرية أكبر من أي وقت مضى، ويغتنمون فرص الاستكشاف والتبادل الثقافي.
وقد أتاح تمازج “الأعوام الثقافية” وتراكمها، تعمق المبادرة في الموضوعات. فاليوم، يتم استكشاف موضوعات مثل السرد القصصي البيئي، ومشاركة الشباب، ومستقبلات التصميم من خلال برامج الإقامة المشتركة والندوات الأكاديمية والمعارض المتحفية.
ومع ذلك، تظل الرؤية القطرية الأوسع للمشاركة العالمية محورية. فبينما تشكل قطر هويتها لمرحلة ما بعد كأس العالم، تبنت الدبلوماسية الثقافية كتعبير حيوي عن دورها الدولي، الذي يرتكز على الحوار والتبادل الفكري. وبالنسبة للمشاركين، وخاصة المبدعين من دول الجنوب العالمي، تقدم مبادرة “الأعوام الثقافية” منصة نادرة للظهور والحصول على الموارد والتعلم المتبادل.
فالهدف ليس تصدير الثقافة القطرية أو استيراد ثقافات أخرى، بل إعادة صياغة مفهوم حركة الثقافة وانتقالها، بحيث تتم بشكل تشاركي ومحترم وبلا هرمية. ويتجسد هذا المبدأ في معارض الفن القطري المعاصر التي تنتقل إلى البلدان الشريكة السابقة مثل ألمانيا والصين وروسيا، لعرض أعمال الفنانين القطريين الشباب.
وبعد أن كانت تُعتبر لاعبًا صاعدًا على الساحة الثقافية العالمية، تُرسِّخ قطر اليوم مكانتها كملتقًى للأفكار، والأشخاص، والرؤى، والإمكانيات. وفي السنوات القادمة، قد تتحول “الأعوام الثقافية” من نموذج الشراكات السنوية إلى حوارات عالمية مستمرة ومتقاطعة، تنطلق من الدوحة، ولكن يتردد صداها إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.