من أكتوبر إلى أكتوبر.. عامان من القتل والجوع والنزوح والدمار

من أكتوبر إلى أكتوبر.. عامان من القتل والجوع والنزوح والدمار

مع مرور عامين من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة التي انطلقت في السابع من أكتوبر 2023، يواجه قطاع غزة واقعا كارثيا يتجاوز في أبعاده وتداعياته أي صراع شهده التاريخ الحديث.

وتحولت الحرب التي ادعى الاحتلال الإسرائيلي أنها لمهاجمة “حماس” إلى حملة تدمير ممنهجة وواسعة النطاق، استهدفت البشر والحجر وكل مقومات الحياة، مما دفع القطاع الذي يسكنه أكثر من 2 مليون شخص إلى حافة الانهيار الكامل.

حولت الحرب الإسرائيلي غزة إلى مكانٍ غير قابل للحياة، فيما وثّقت المصادر الرسمية من هيئات أممية ووزرات ومنظمات حقوق إنسان، أن ما يقرب من 90% من البنية التحتية للقطاع قد تعرضت للدمار الكلي أو الجزئي.  

عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين

ووثقت وزارة الصحة الفلسطينية والمنظمات الحقوقية، استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين، غالبيتهم العظمى من الأطفال والنساء، في واحدة من أكثر الخروب دموية في القرن الحادي والعشرين.

وعمد الاحتلال الإسرائيلي خلال حربه إلى إخراج المنظومة الصحية والتعليمية عن الخدمة بشكل كامل، مع استهداف ممنهج للمستشفيات والمدارس والجامعات.

كما أدت الحرب إلى نزوح شبه كامل للسكان، حيث أجبر أكثر من مليوني شخص على ترك منازلهم، والعيش في ظروف لا إنسانية في مخيمات مؤقتة. علاوة على ذلك، فرضت إسرائيل حصارا خانقا أدى إلى أزمة انعدام أمن غذائي حادة، تطورت إلى مجاعة مؤكدة في شمال القطاع، وامتدت إلى باقي مناطق القطاع.

واستخدمت إسرائيل في حربها على غزة التجويع كسلاح حرب، مما أودى بحياة المئات، معظمهم من الأطفال وكبار السن.

شهداء ومفقودون

شكلت الخسائر البشرية في قطاع غزة الوجه الأكثر مأساوية للحرب، حيث كشفت الأرقام والإحصاءات عن حجم استهداف غير مسبوق للمدنيين، مما أثار اتهامات واسعة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

لم تقتصر الكلفة البشرية على أعداد الشهداء المباشرين، بل امتدت لتشمل عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين بإعاقات دائمة، وآلاف المفقودين تحت الأنقاض، بالإضافة إلى استهداف ممنهج للكوادر المهنية التي تشكل العمود الفقري للمجتمع.

وفي آخر الإحصائيات، في السادس من أكتوبر 2025، أفادت وزارة الصحة في قطاع غزة باستشهاد67,160  فلسطينيا وإصابة 169,679 آخرين منذ السابع من أكتوبر 2023.

وتؤكد وزارة الصحة الفلسطينية، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، أن هذه الأرقام لا تشمل الآلاف من المفقودين الذين ما زالوا تحت أنقاض المباني المدمرة ويُفترض أنهم استشهدوا، مما يعني أن الحصيلة الفعلية أعلى بكثير.

وتشير بعض التقديرات إلى وجود ما لا يقل عن 14,000 شخص في عداد المفقودين، ويؤكد هذا العدد الهائل من الضحايا في فترة زمنية قصيرة نسبيا، أن هذه الحرب هي “الأكثر دموية بحق للمدنيين في التاريخ الحديث”.

جيلٌ يباد

ويمثل الأطفال النسبة الأكبر من ضحايا الحرب، مما دفع مسؤولين في الأمم المتحدة إلى وصف غزة بأنها “مقبرة للأطفال”. وتظهر الإحصاءات الموثقة أن ما لا يقل عن 18,000 طفل استشهدوا، وتصل بعض التقديرات إلى 18,592 طفلا، من بينهم 214 رضيعا.

وأشارت المنظمات الحقوقية في تقاريرها إلا أن هذا العدد الكبير من الشهداء الأطفال، لا يعكس فقط الطبيعة العشوائية للقصف، بل يشير إلى استهداف مباشر للمناطق السكنية والمدارس التي يحتمي المدنيون فيها. كما وثقت وزارة التعليم استشهاد ما لا يقل عن 15,189 طالبا وطالبة.

النساء.. من الأكثر تضررا

وكانت النساء الفلسطينيات في قطاع غزة من بين الفئات الأكثر تضررا، إذ وثقت الإحصاءات استشهاد أكثر من 12,400 امرأة، ووصفت هيئة الأمم المتحدة للمرأة الحرب بأنها “حرب على النساء”، مشيرة إلى أن ما يقدر بنحو 6,000 أم قد استشهدن، وتركن وراءهن 19,000 طفل يتيم.

وتتعرض النساء لمخاطر مضاعفة، فهن لا يُقتلن فقط بالقصف، بل يواجهن مخاطر صحية جسيمة بسبب انهيار النظام الصحي، خاصة الحوامل اللائي يلدن في ظروف غير آمنة، ويعانين من سوء التغذية الحاد.

المسنون لم يسلمون

ولم يسلم كبار السن من الاستهداف، حيث تشير الإحصاءات إلى استشهاد ما لا يقل عن 4,412 مسنا، فيمايواجهون تحديات خاصة في ظل النزوح القسري، حيث يعانون من صعوبات في الحركة والحصول على الرعاية الصحية والأدوية لأمراضهم المزمنة، مما يجعلهم عرضة للوفاة لأسباب مباشرة وغير مباشرة.

أعداد الجرحى

ومن بين 169,679 مصابا، فإن أعداد كبيرة منهم تتطلب رعاية طبية متخصصة ومستمرة، وهو ما أصبح شبه مستحيل في ظل تدمير المستشفيات ونقص الكوادر والمستلزمات الطبية.  

الأثر الأكثر ديمومة للحرب يتمثل في العدد الهائل من الإصابات التي أدت إلى إعاقات دائمة، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يعاني حوالي 42,000 شخص في غزة من إصابات غيرت مجرى حياتهم، ربعهم من الأطفال.

كما تعرض أكثر من 5,000 فلسطيني تعرضوا لعمليات بتر للأطراف منذ بدء الحرب، وسط تحديات صحية ونفسية هائلة لهم ولعائلاتهم، إضافة لعبء طويل الأمد على المجتمع بأكمله، الذي سيحتاج إلى توفير أنظمة دعم ورعاية متخصصة لعقود قادمة.

إلى جانب الشهداء والجرحى الموثقين، هناك آلاف آخرون لا يزال مصيرهم مجهولا، إما لأنهم محاصرون تحت ركام المباني المدمرة أو لأنهم تعرضوا للاعتقال.

وتقدر المصادر المختلفة أن عدد المفقودين يتراوح بين 7,000 وأكثر من 14,000 شخص،  يُعتقد أن الغالبية العظمى من هؤلاء قد استشهدوا تحت أنقاض منازلهم التي دمرها القصف الجوي والمدفعي.

74 مليون طن من الركام

وخلف الدمار الواسع في قطاع غزة، ما بين 41 إلى 47 مليون طن من الركام، ما يجعل من عمليات البحث وانتشال الجثث مهمة شبه مستحيلة، خاصة مع تدمير معدات الدفاع المدني واستهداف طواقمه، ما يترك آلاف العائلات في حالة من الألم وعدم اليقين، غير قادرة على دفن أحبائها أو حتى معرفة مصيرهم.

المعتقلون

وفي السياق، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلية حملات اعتقال واسعة في قطاع غزة، حيث تشير التقديرات إلى اعتقال أكثر من 9,312 شخصا. و شملت الاعتقالات فئات مختلفة من السكان، بما في ذلك الكوادر المهنية. على سبيل المثال، وثقت وزارة الصحة اعتقال 360 من الكوادر الطبية، بينما وثق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني اعتقال ما يزيد عن 199 من المعلمين والإداريين.

ويتعرض المعتقلون لظروف قاسية، وهناك تقارير عديدة عن التعذيب وسوء المعاملة، مما يثير قلقا بالغا بشأن مصيرهم وسلامتهم.

شلّ قدرة المجتمع على الصمود

لم يكن استهداف المدنيين عشوائيا، بل امتد ليشمل تصفية ممنهجة للكوادر المهنية التي تمثل ركائز المجتمع المدني وقدرته على الصمود والتعافي.

وكانت الطواقم الطبية وفرق الإنقاذ في الخطوط الأمامية للاستهداف. تشير الإحصاءات إلى استشهاد ما لا يقل عن 1,411 من الكوادر الطبية و113 من كوادر الدفاع المدني.

وقد وثقت منظمة الصحة العالمية أكثر من 1,700 هجوم على مرافق الرعاية الصحية في غزة والضفة الغربية، أسفرت عن استشهاد 1,000 من العاملين الصحيين وإصابة 1,800 آخرين.

ولا يشكل الاستهداف للكوادر الطبية جريمة حرب فقط، بل هو استراتيجية واضحة تهدف إلى تدمير المنظومة الصحية بالكامل وشل قدرتها على إنقاذ حياة الجرحى.

الصحفيون والعاملون في قطاع الإعلام

من جانبها وصفت لجنة حماية الصحفيين (CPJ) الحرب على غزة بأنها الصراع الأكثر دموية للصحفيين في التاريخ الحديث. وقد ارتفعت حصيلة الشهداء الصحفيين إلى 238 صحفيا وعاملا في مجال الإعلام.

ويتجاوز هذا العدد من الصحفيين الشهداء، عدد الصحفيين الذين قتلوا في جميع أنحاء العالم في السنوات الثلاث السابقة مجتمعة، ويشير إلى نمط من الاستهداف المتعمد.

وقد وثقت العديد من المنظمات الحقوقية هجمات مباشرة على صحفيين يمكن التعرف عليهم بوضوح، مثل استهداف خيمة الإعلاميين بجوار مجمع الشفاء الطبي في أغسطس 2025، مما أدى إلى استشهاد عدد من صحفيي ومصوري قناة الجزيرة من بينهم المراسلين أنس الشريف، ومحمد قريقع.

العاملون في مجال الإغاثة والتعليم

وتعرض العاملون في المجال الإنساني والإغاثي لاستهداف غير مسبوق. فقد استشهد ما لا يقل عن 543 من عمال الإغاثة، وهو رقم يشمل 373 من موظفي الأمم المتحدة وأفراد فرقها، مما يجعل هذه الحرب هو الأكثر فتكا بموظفي الأمم المتحدة في تاريخ المنظمة.

كما استشهد 203 من موظفي الأونروا، وهو ما يعيق بشكل خطير عمليات توزيع المساعدات المنقذة للحياة ويفاقم من الكارثة الإنسانية.  

جرائم حرب

وأجمعت التقارير المحلية الفلسطينية والأممية، بأن النسبة المرتفعة للغاية للضحايا من الأطفال والنساء، والتي تتجاوز 60% من إجمالي الشهداء الموثقين، إلى جانب الاستهداف المتزامن والمكثف للكوادر المهنية الأساسية – من أطباء وصحفيين ومعلمين وعمال إغاثة – يشير بقوة إلى وجود استراتيجية متعمدة في الاستهداف، لا تهدف فقط إلى تحقيق أهداف عسكرية، بل تسعى إلى تفكيك النسيج الديموغرافي والاجتماعي لقطاع غزة، وشل قدرته على الصمود والتعافي على المدى الطويل.

وقالت إن هذا النمط من الهجمات، الذي وصفته منظمات حقوقية دولية بأنه عشوائي ومباشر ضد المدنيين، يتماشى مع تعريفات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهو ما دفع المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين على رأسهم رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.  

النزوح القسري وتدمير المأوى

شكل التهجير القسري والنزوح الداخلي أحد أبرز معالم الحرب وأكثرها تدميرا على المستوى الاجتماعي والإنساني، فقد تم إجبار الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة على ترك منازلهم، ليس مرة واحدة فحسب، بل مرات متعددة، في عملية نزوح مستمرة حولت القطاع إلى مساحة شاسعة من الخيام والملاجئ المؤقتة، وقضت على أي شعور بالأمان أو الاستقرار.

وتظهر البيانات بشكل قاطع أن الحرب أدت إلى عملية نزوح داخلي شبه كاملة. فقد نزح أكثر من 2 مليون فلسطيني داخل قطاع غزة، وهو ما يمثل حوالي 90% من إجمالي السكان.

وتفيد البيانات أن النزوح لم يكن حدثا عارضا، بل نتيجة مباشرة لسياسة إسرائيلية ممنهجة اعتمدت على إصدار أوامر إخلاء واسعة النطاق ومتكررة. وقد وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن ما يصل إلى 87% من مساحة قطاع غزة أصبحت خاضعة لأوامر النزوح الإسرائيلية أو تم تصنيفها كمناطق عسكرية، مما لم يترك فعليا أي مكان آمن يمكن للمدنيين اللجوء إليه.

واتسمت عمليات النزوح المتكررة وفقا للتقارير الأممية بـ”الفوضى والعنف”، فقد تم إجبار السكان على الانتقال من شمال القطاع ومدينة غزة إلى جنوبه، إلى مناطق وُصفت بأنها “آمنة”، ليكتشفوا لاحقا أن هذه المناطق نفسها تتعرض لقصف عنيف.

واضطر مئات الآلاف من الأشخاص إلى التنقل من مكان إلى آخر بحثا عن الأمان، وفي كل مرة كانوا يفقدون ما تبقى لهم من ممتلكات ويفقدون أي أمل في الاستقرار. وقد وثقت تقارير الأمم المتحدة أن العديد من العائلات تعرضت للنزوح القسري ست مرات أو أكثر منذ بداية الحرب.  

ويكشف هذا النمط المتكرر، أن النزوح لم يكن مجرد نتيجة ثانوية للحرب، بل كان هدفا استراتيجيا بحد ذاته. فعندما يقترن هذا النزوح بالتدمير الشامل والممنهج للمنازل والبنية التحتية في المناطق التي تم إخلاؤها، يصبح من الواضح أن الهدف هو إحداث تغيير ديموغرافي وجغرافي دائم في قطاع غزة، وجعل عودة السكان إلى ديارهم، خاصة في الشمال، أمرا مستحيلا.

ويرقى هذا المستوى من التدمير إلى “جريمة التهجير القسري”، وهي إحدى الجرائم الجسيمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي.

كارثة إنسانية متفاقمة

وأدى النزوح الجماعي إلى خلق أزمة إنسانية غير مسبوقة في المخيمات والملاجئ المؤقتة، التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، إذ يعيش مئات الآلاف من النازحين في خيام مهترئة أو في مدارس مكتظة تابعة للأونروا أو حتى في العراء، في ظروف معيشية مزرية.

ويعد انعدام المياه النظيفة وانهيار شبكات الصرف الصحي من أخطر التحديات. فقد أدى الاكتظاظ الشديد وغياب النظافة إلى انتشار سريع للأمراض المعدية والجلدية، مثل الإسهال والتهاب الكبد الوبائي والجرب والقمل.

إن حقيقة أن 288 ألف أسرة فلسطينية قد فقدت منازلها بشكل كامل وأصبحت بلا مأوى تعني أن أكثر من مليون شخص ليس لديهم منزل يعودون إليه حتى لو توقفت الحرب، ولقد تم تحويلهم إلى لاجئين داخل وطنهم، يعيشون على المساعدات الشحيحة، ويواجهون مستقبلا غامضا في ظل دمار شامل قضى على أحيائهم وذكرياتهم ومصادر رزقهم.  

تدمير شامل للبنية التحتية

لم تقتصر الحرب على استهداف الأفراد، بل امتدت لتشمل تدميرا ممنهجا وواسع النطاق للبيئة الحضرية بأكملها. لقد تم تحويل مدن وأحياء سكنية كانت تعج بالحياة إلى أكوام من الركام، في عملية وصفتها تقارير دولية بأنها من بين أشد حملات التدمير في التاريخ الحديث. تقدر التكلفة الإجمالية الأولية المباشرة لهذا الدمار بأكثر من 68 مليار دولار، وهو رقم مرشح للزيادة مع استمرار الحرب.

وكان قطاع الإسكان هو الأكثر تضررا على الإطلاق، حيث شكلت الأضرار التي لحقت به 72% من إجمالي تكلفة الأضرار المادية، وفقا لتقييم مشترك للبنك الدولي والأمم المتحدة.

وتشير الإحصاءات الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى تدمير أكثر من 161,000 وحدة سكنية بشكل كامل، وتضرر 194,000 وحدة أخرى بشكل جزئي.

هذه الأرقام تعني أن مئات الآلاف من العائلات فقدت منازلها، وأن أحياء سكنية بأكملها قد مُحيت من الوجود. إن حقيقة أن 90% من مساحة القطاع قد دُمرت بالكامل تؤكد أن الهدف لم يكن مجرد ضرب أهداف عسكرية، بل كان محو النسيج العمراني للمجتمع الفلسطيني في غزة.

انهيار المنظومة الصحية

وتعرضت المنظومة الصحية في غزة لهجوم مباشر وممنهج أدى إلى انهيارها بالكامل. تم تدمير 38 مستشفى بشكل كلي أو جزئي، مما أخرجها عن الخدمة.  وبشكل عام، تضرر أو تدمير 84% من إجمالي المنشآت الصحية في القطاع.

وشمل استهداف المنظومة الصحية كذلك عمليات اقتحام وحصار وتدمير متعمد للمستشفيات الكبرى، مثل مجمع الشفاء الطبي، ومجمع ناصر الطبي، ومستشفى الأمل، إذ تم تحويل هذه المرافق، التي من المفترض أن تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني، إلى ساحات قتال، وتم اعتقال وتصفية الكوادر الطبية بداخلها.

تدمير قطاعي التعليم والثقافة

وكان لقطاعي التعليم والثقافة نصيب وافر من الدمار، فقد تم تدمير 137 مدرسة وجامعة بشكل كلي، وتضرر 357 مرفقا تعليميا آخر بشكل جزئي.

وتظهر تحليلات صور الأقمار الصناعية أن 91.8% من جميع مباني المدارس في قطاع غزة قد تعرضت للقصف أو الضرر، ما أدى هذا التدمير إلى حرمان 100% من أطفال غزة من حقهم في التعليم، مما يهدد بخلق جيل ضائع.

إلى جانب المدارس، تم استهداف التراث الثقافي والديني بشكل ممنهج. فقد تم تدمير 832 مسجداً بشكل كلي، بالإضافة إلى العديد من الكنائس والمواقع الأثرية التاريخية التي تعود لآلاف السنين.

شلل المرافق الحيوية

وامتد الدمار ليشمل المرافق الحيوية كافة التي يعتمد عليها السكان في حياتهم اليومية، مما أدى إلى شلل كامل في الخدمات الأساسية.

  • الطرق والمواصلات: تم تدمير أكثر من 3 ملايين متر من الطرق والشوارع، وتسبب هذا الدمار بعزل المناطق عن بعضها، وأعاق بشكل خطير حركة سيارات الإسعاف وشاحنات المساعدات الإنسانية، مما فاقم من الكارثة.
  • المياه والصرف الصحي: تعرضت البنية التحتية للمياه لدمار كارثي، حيث تم تدمير 725 بئر مياه و 700,000 متر طولي من خطوط المياه، ما أدى ذلك إلى انهيار شبه كامل لنظام المياه والصرف الصحي، الذي أصبح يوفر أقل من 5% من خدماته السابقة، مما أجبر السكان على شرب مياه ملوثة والعيش وسط فيضانات من مياه الصرف الصحي.
  • الكهرباء والاتصالات: تم تدمير 5,080 كيلومترا من خطوط الكهرباء بالكامل، بالإضافة إلى تدهور البنية التحتية للاتصالات. أدى ذلك إلى انقطاع شبه كامل للتيار الكهربائي منذ الأيام الأولى للحرب، وعزل قطاع غزة عن العالم الخارجي، مما صعب من عمليات الإنقاذ والتواصل بين العائلات.  

الانهيار الاقتصادي واستراتيجية التجويع

لم تقتصر آثار الحرب على الدمار المادي والخسائر البشرية المباشرة، بل امتدت لتشمل انهيارا اقتصاديا كاملا وتطبيقا لاستراتيجية تجويع ممنهجة، حولت حياة السكان إلى صراع يومي من أجل البقاء.

ودمر الاحتلال الإسرائيلي القطاعات الإنتاجية كافة بشكل متعمد، بالتزامن مع حصار خانق منع دخول الغذاء والدواء والوقود، مما خلق أزمة إنسانية كارثية وصلت إلى حد المجاعة.

أزمة الأمن الغذائي والمجاعة

قبل الحرب، كان قطاع غزة يعاني بالفعل من انعدام الأمن الغذائي بسبب الحصار الطويل الممتد من 18 سنة. لكن الحرب حولت هذا الوضع إلى مجاعة حقيقية.

وفي يوليو 2025، صدر تنبيه من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) يؤكد أن سيناريو المجاعة الأسوأ يتكشف حاليا في قطاع غزة، فيما أكدت تقارير الأمم المتحدة أن جميع سكان القطاع، البالغ عددهم أكثر من 2.2 مليون نسمة، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وأن أكثر من نصف السكان على حافة المجاعة.

وكان الأطفال والنساء الحوامل هم الأكثر تضررا. فقد حذرت اليونيسف من أن أكثر من 320,000 طفل دون سن الخامسة معرضون لخطر سوء التغذية الحاد، وأن الآلاف منهم يعانون بالفعل من سوء التغذية الحاد الشديد، وهو الشكل الأكثر فتكا.

 كما أظهرت بيانات منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 40% من النساء الحوامل والمرضعات يعانين من سوء التغذية الحاد. وقد أدت هذه الأزمة إلى نتائج مميتة، حيث تم توثيق وفاة مئات الأشخاص، بينهم أكثر من 154 طفلا، نتيجة مباشرة للجوع وسوء التغذية.

تدمير القطاعات الإنتاجية

كان تدمير القطاعات الإنتاجية المحلية جزءا لا يتجزأ من استراتيجية التجويع. فبدلا من الاعتماد على المساعدات الإنسانية الشحيحة، كان بإمكان سكان غزة تلبية جزء من احتياجاتهم الغذائية من خلال الزراعة والصيد، لكن هذه المصادر تم القضاء عليها بشكل شبه كامل.

  • القطاع الزراعي: تعرض القطاع الزراعي، الذي كان يشكل ركيزة أساسية للأمن الغذائي المحلي، لدمار كارثي. تقدر الخسائر في هذا القطاع بنحو 2.8 مليار دولار، حيث تم تدمير وتجريف 94% من الأراضي الزراعية في القطاع. وأظهرت تحليلات صور الأقمار الصناعية أن 86% من حقول المحاصيل الدائمة، مثل بساتين الزيتون والحمضيات، قد شهدت تدهورا كبيرا أو تم تدميرها بالكامل.
  • الثروة الحيوانية والسمكية: تم استهداف مزارع الدواجن والمواشي بشكل مباشر، مما قضى على مصدر حيوي للبروتين، وفي الوقت نفسه، تم تدمير قطاع الصيد البحري بنسبة 100%، حيث تم قصف موانئ الصيد وتدمير قوارب الصيادين واستهدافهم بشكل مباشر، مما منعهم من الوصول إلى البحر.  

تقديرات الخسائر الاقتصادية الكلية

تشير التقديرات الأولية إلى أن الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للحرب تتجاوز 68 مليار دولار. وقد قدم البنك الدولي تقييما أكثر تفصيلا، حيث قدر الأضرار التي لحقت بالهياكل المادية وحدها بحوالي 30 مليار دولار، بالإضافة إلى خسائر اقتصادية ناجمة عن انخفاض الإنتاجية والإيرادات الضائعة وتكاليف التشغيل بنحو 19 مليار دولار.

القوة التدميرية والأثر البيئي طويل الأمد

واستخدم الاحتلال الإسرائيلية قوة نارية هائلة، تم توجيهها إلى واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم. لم يقتصر تأثير هذه القوة التدميرية على إحداث دمار مادي فوري، بل خلف أيضا إرثا بيئيا ساما سيستمر في تهديد حياة وصحة سكان غزة لأجيال قادمة.

وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل ألقت كميات هائلة من المتفجرات على قطاع غزة. تتراوح هذه التقديرات بين 85,000 طن وأكثر من 200,000 طن من المتفجرات.

 لوضع هذه الأرقام في سياقها، فإن 85,000 طن من المتفجرات تعني أن ما يقرب من 233 كيلوغراما من المواد المتفجرة قد سقطت على كل متر مربع من مساحة قطاع غزة. إن القوة التدميرية لهذه الكمية من القنابل تفوق ما تم إلقاؤه على مدن بأكملها في صراعات كبرى مثل الحرب العالمية الثانية.

وقد وثقت تحقيقات أجرتها منظمات حقوقية دولية، مثل منظمة العفو الدولية، استخدام قنابل ثقيلة أمريكية الصنع في هذه الهجمات. على سبيل المثال، تم العثور على شظايا قنابل “مارك 84” (MK-84) التي تزن 2,000 رطل، وقنابل أخرى تزن 1,000 رطل، مزودة بأنظمة التوجيه (JDAM)، في أنقاض منازل سكنية تم قصفها، مما أدى إلى مقتل عائلات بأكملها.

التداعيات البيئية

أدت هذه الحرب العسكرية الشرسة إلى كارثة بيئية متعددة الأوجه، ستكون لها تداعيات طويلة الأمد على صحة السكان وقدرتهم على إعادة بناء حياتهم.

  • الركام السام:  خلف القصف الهائل كمية غير مسبوقة من الركام والأنقاض. تقدر التقارير كمية الركام بما يتراوح بين 26 مليون طن و47 مليون طن. هذا الركام ليس مجرد أنقاض بناء، بل هو خليط سام يحتوي على مواد خطرة مثل الأسبستوس والمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية غير المحترقة من المتفجرات، بالإضافة إلى بقايا بشرية متحللة.
  • الذخائر غير المنفجرة: بالإضافة إلى الركام، تنتشر في جميع أنحاء قطاع غزة كميات كبيرة من الذخائر والقنابل التي لم تنفجر. تشكل هذه الذخائر تهديدا مميتا ومستمراً للسكان، وخاصة الأطفال الذين قد يعبثون بها. كما أنها تعيق بشكل كبير عمليات إزالة الركام وإعادة الإعمار، وتجعل من العودة إلى المناطق المدمرة أمرا بالغ الخطورة.  
  • تلوث التربة والمياه:  أدى استخدام هذا الكم الهائل من المتفجرات إلى تلوث واسع النطاق للتربة والمياه الجوفية بالمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية السامة، مثل RDX و TNT. هذا التلوث لا يهدد فقط صحة السكان الذين يعتمدون على المياه الجوفية للشرب، بل يقضي أيضا على خصوبة الأراضي الزراعية القليلة المتبقية، مما يجعل من الصعب استئناف النشاط الزراعي في المستقبل.

الرابط المختصر: https://msheireb.co/74h