المسافة صفر.. أقوى أسلحة المقاومة في مواجهة الجيش الإسرائيلي

أظهر مقاتلو المقاومة الفلسطينية تفوقا كبيرا في المواجهات المباشرة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تحاول التوغل برا في قطاع غزة منذ نحو أسبوعين دون أن تحقق تقدما فعليا على الأرض.

وتوعد قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين بالقضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ردا على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها الحركة في السابع من أكتوبر، وألحقت خلالها هزيمة ساحقة بإسرائيل.

وبعد نحو أسبوعين من العملية البرية التي قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إنها ستقضي على حركة حماس للأبد، ما تزال دبابات الاحتلال وآلياته تراوح في بضعة كيلومترات على حدود القطاع بسبب تصدي المقاومة لها.

من الناحية النظرية، لا توجد مقارنة في القوة بين الجانبين، لكن الواقع على الأرض أظهر أن التفوق العسكري لا يمكن فقط في الآليات، هناك عامل آخر دخل إلى المعادلة، وهو “المسافة صفر”.

وفقا لخبراء عسكريين، فإن القتال من المسافة صفر هو الذي يدور في مسافة لا تتجاوز 150 مترا، لكن مقاتلي المقاومة نفذوا عمليات خلال تصديهم للتوغل البري الإسرائيلي، لا يمكن تنفيذها نظريا.

فقد كان القلق الإسرائيلي قبل بدء التوغل البري المتعثر ينحصر في ما يمكن أن يتعرض له الجيش في حال جرت المواجهات من المسافة صفر بين المقاتلين.

وذهب غالبية المحللين حتى داخل إسرائيل إلى أن الغلبة في هذه الحال ستكون غالبا للطرف المدافع وليس للمهاجم؛ لأن الأول سيستخدم معرفته بجغرافيا المكان بينما الثاني يقاتل في ساحة مجهولة بالنسبة له.

ومن هذا المنطلق، أرسلت إسرائيل آلياتها ودباباتها الأكثر تطورا وتحصينا لتمهيد الأرض قبل دخول الجنود وإعادة تشكيل ساحة معركة بلا تضاريس تقريبا حتى يسهل على جنودها خوض القتال من داخل مركباتهم الأشد تحصينا في العالم.

لكن المقاومة، تمكنت من تدمير الدبابات والآليات التي أرسلتها إسرائيل من مسافة أمتار، بل ومن خلال الالتصاق بها في بعض الأحيان، ما جعل “المسافة صفر” التي كانت هاجس الجنود، هاجسا للدبابات والمدرعات التي يحتمون بها ويخوضون معاركهم من داخلها.

ووجهت الصور التي تنشرها المقاومة للعمليات ضربة قاصمة للصناعة العسكرية الإسرائيلية بعدما دمرت آليات لطالما قالت إسرائيل إنها عصية التدمير، والأهم أنها دمرتها بأسلحة بعضها يستخدم لأول مرة في المعارك وبعضها الآخر يعتبر بدائيا.

 

تدمير دبابة ميركافا ومدرعة النمر

على مدار سنوات، كان جيش الاحتلال يتباهى بدبابة ميركافا التي يقول إنها من بين الأكثر تدريعا في العالم وإنها درة تاج الصناعة العسكرية الإسرائيلية بالنظر إلى ما تحظى به من عوامل حماية يصعب تجاوزها.

ومن ناحية الاسم، فإن “ميركافا” يعني بالعبرية “المركبة الحربية”، وقد اختارته إسرائيل للتدليل على أنها ليست مجرد دبابة ولكنها واحدة من أكثر الدبابات تحصينا وقوة في ساحة المعركة.

وصنعت إسرائيل 4 أجيال من ميركافا، وهي الأولى في العالم التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمساعدة طاقمها في القيام بمهام القتال عبر تحديد الأهداف بدقة كبيرة، والتعامل معها بشكل آلي.

تحتوي الميركافا على نظام حماية نشط، يعترض الصواريخ المضادة للدبابات قبل وصولها، ولها القدرة على إطلاق النار على الأهداف المتحركة، وأظهرت قدرات عالية لإصابة الطائرات العمودية التقليدية باستخدام الذخائر المضادة للدبابات.

وتتمتع الدبابة بتصفيح هائل يمكنه مواجهة قذائف “آر بي جي” المخصصة لتدمير الدبابات، وهي مزودة بأجهزة استشعار ورؤية بصرية 360 درجة تمكنها من رصد كل ما يحيط بها من على مسافات بعيدة، وإطلاق النار آليا عليه.

ولدى هذه الدبابة نظام حماية متطور يدمر الصواريخ، والصواريخ المضادة للدبابات، وهي مزودة أيضا بنظام حماية متقدما لتحديد التهديدات والإنذار، مع نظام حماية من الصواريخ التي تُطلق من الجو، ومدفع متطور من عيار 120 ميليمتر، وقد أطلقت عليها إسرائيل لقب “دبابة القرن الـ21”.

ورغم كل هذه الإمكانيات، فقد تمكن مقاتلو حماس من تدمير مجموعة من هذه الدبابات بسهولة اعتمادا على قذيفة “الياسين 105” التي لم تستخدم إلا في هذه المعركة، لكن ما هو أهم من القذيفة، المسافة التي يتم إطلاقها منها.

تظهر المقاطع التي تبثها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس أداء يقول الخبراء العسكريون بأنه لا يمكن وصفه سوى بالعمليات “الانتحارية”؛ لأنهم يستهدفون الدبابة من على مسافة قريبة جدا، أي إنهم يكونون في مرمى أجهزة الرصد وإطلاق النار فيها.

ولا تتجاوز المسافة التي يتم استهداف الدبابة منها الـ100 متر تقريبا، وفي بعض الفيديوهات تم استهدافها من على مسافة لا تتجاوز الـ20 مترا، ما يعكس فشل كل ما تمتلكه الدبابة من إمكانيات للرصد والتعامل خلال المعركة.

يستخدم مقاتلو حماس قذيفة “الياسين 105” وهي نوع مطور من قذيفة “آر بي جي-7″، وتضم حشوتين متفجرتين إحداهما لاختراق تصفيح الدبابة والأخرى لتفجيرها، كما قالت حماس إنها تستخدم قذيفة “تي بي جي”، وهي أيضا مطورة بنفس الطريقة.

هذا التقدم نحو الموت المحقق من جانب مقاتلي المقاومة وتدميرهم دبابات يفترض أنها عصية على التدمير، لا يضرب فقط السمعة العسكرية التي تعتبرها إسرائيل رأس مالها الأكبر، لكنه أيضا يضرب نفسية جنود الاحتلال في مقتل؛ لأنهم أدركوا حقيقة أن كل ما يتمتعون به من حماية وتدريع في ساحة الحرب لم يعد موجودا.

والأمر نفسه، ينسحب على ناقلة الجنود المدرعة النمر أو (panther)، والتي قالت إسرائيل أيضا إنها توفر حماية فائقة للجنود كونها تحظى بنفس التصفيح الموجود في ميركافا؛ لكن مقاتلي المقاومة تمكنوا من تدميرها أيضا، وفي أكثر من موضع.

 

ما هي قذيفة الياسين 105؟

“الياسين 105” هي قذيفة “آر بي جي” مضادة للدرو عمحمولة على الكتف، صنعتها كتائب القسام من خلال تطوير قذيفة “تاندوم 85” الروسية، التي استخدمتها المقاومة لأول مرة خلال معركة “الفرقان” في يناير 2009.

ويقدر مدى قذيفة “الياسين 105” بما بين 100 و500 متر، ويكون مداها المؤثر في حدود 150 مترا، كما تبلغ سرعتها القصوى 300 متر في الثانية.

ويقول الخبراء العسكريون إن هذه القذيفة تمثل تفوقا نوعيا للمقاومة على تكنولوجيا التصفيح الإسرائيلية، لكنهم يؤكدون أن تدمير الآليات بها يتطلب إطلاقها من مسافة قريبة جدا وبسرعة ودقة فائقتين، أي من خلال رام على كفاءة عالية جدا في التصويب.

كيف اخترقت المقاومة ميركافا؟

وفقا لمجلة “فوربس” الأمريكية، فقد عثر على منشور يخص حركة حماس ويضم معلومات عن نقاط ضعف الدبابة ميركافا وطرق تدميرها، وذلك من خلال استخدام قذائف “آر بي جي -7” أو ما يناظرها.

وقالت فوربس إن المنشور جاء نصح المقاتلين باستهداف الجزء الخلفي من الدبابة وهو الحامل للذخيرة، أو المسافة الواصلة بين البرج والجسم، أو الجزء السفلي من الهيكل، أو في نقطة ضعف مفترضة بالدروع على الجانبين قرب مقدمة الدبابة.

ونصح المنشور أيضا باستخدام العبوات الناسفة التي يتم زرعها على جوانب الطرق، لكن مقاتلي المقاومة وكما أظهرت الفيديوهات قاموا بوضع هذه العبوات على جسم الدبابة نفسها بشكل مباشر.

وقدم المنشور أيضا نصائح حول كيفية تجاوز نظام الحماية النشطة Trophy الإسرائيلي، والذي يقال إن حوالي 400 دبابة من ميركافا مجهزة به، وهو مكون من رادارات مثبتة على الجسم لتحديد مصدر النيران.

وتقوم هذه الرادارات بجمع البيانات ونقلها إلى جهاز الكمبيوتر الموجود على متن الدبابة والذي يحسب سرعة ومسار الذخيرة المتجهة نحو الدبابة، ويُصدر أمرا إلى قاذفات خاصة لتدميرها عند اقترابها منها.

لكن المنشور الخاص بحماس -كما تقول فوربس-، لفت إلى أن قذيفة محمولة على الكتف من مسافة 45 مترا لا تمنح نظام الحماية النشطة Trophy وقتا كافيا للتشغيل.

كما أشار المنشور إلى أن مجمع الحماية النشطة لا يمكنه حماية الدبابة من صاروخ تطلقه قاذفة القنابل “إس بي جي – 9” بسبب السرعة العالية للقذيفة.

وبالفعل، تظهر الفيديوهات التي تنشرها المقاومة استهداف الآليات من على مسافات قريبة جدا لا تتجاوز خمسين مترا، وفي أحد المقاطع ظهر المقاتلون وهم يضعون عبوات ناسفة على ظهر الدبابة.

وفي فيديو آخر، ظهر مقاتل وهو يشعل النار بقداحة في جارفة عسكرية كانت إسرائيل أيضا تقول إنها واحدة من أهم وأقوى آلياتها في ساحة الحرب.

الرابط المختصر: https://msheireb.co/y6