يمثل القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي أمس الاثنين والذي يقضي بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة خلال شهر رمضان مع الإفراج غير المشروط عن كافة الأسرى الإسرائيليين، انتصارا سياسيا مهما للفلسطينيين، لكنه لن يغير الواقع على الأرض كما يقول محللون.
وتبنى المجلس للمرة الأولى قرارا يدعو لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد أن امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت ولم تستخدم حق النقض الفيتو ضده.
وفور صدور القرار، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإلغاء زيارة كان سيقوم بها وفد إسرائيلي إلى واشنطن هذا الأسبوع لبحث العملية العسكرية المحتملة في مدينة رفح جنوبي القطاع.
وقال مكتب نتنياهو -في بيان- إن الموقف الأمريكي الجديد في مجلس الأمن لا يتماشى مع التنسيق المعمول به منذ بدء الحرب، وإنه يؤثر على جهود استعادة الأسرى الإسرائيليين.
وجاء الموقف الإسرائيلي رغم تأكيد مسؤولين أمريكيين كبار بينهم منسق اتصالات مجلس الأمن القومي جون كيربي أن امتناع واشنطن التصويت على قرار مجلس الأمن الأخير “لا يعني أي تحول في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل”.
وقال البيت الأبيض إن رئيس الوزراء الإسرائيلي “بالغ في ردة في رد الفعل على قرار الأمم المتحدة”، وإن واشنطن ستستمر في التواصل مع تل أبيب حتى بعد إلغاء زيارة الوفد الإسرائيلي من أجل إبداء نصائحها.
وقالت الولايات المتحدة إن القرار غير ملزم وإنه يأتي في سياق المفاوضات الجارية من أجل التوصل لتبادل أسرى.
الأمر نفسه كرره عضو مجلس الحرب الإسرائيلي -ومنافس نتنياهو اللدود- بيني غانتس بقوله إن إسرائيل ملتزمة بمواصلة الحرب حتى القضاء على حماس وإنها ستفعل ذلك، مؤكدا ان قرار مجلس الأمن ليس ملزما من الناحية لإسرائيل.
عرض هذا المنشور على Instagram
انتصار صغير لكنه مهم
لكن القرار يمثل أول انتصار فلسطيني على الإسرائيليين في مجلس الأمن الدولي منذ بدء الحرب في أكتوبر الماضي، رغم أنه ينطوي على كل ما تريده إسرائيل من مطالب.
فقد تضمن القرار وقفا مؤقتا لإطلاق النار -خلال الأسبوعين المتبقين من رمضان فقط- مقابل الإفراج غير المشروط عن الأسرى الإسرائيليين.
ولم ينص القرار على سحب القوات الإسرائيلية من القطاع ولا عودة النازحين إلى مناطق الشمال التي تمنع إسرائيل عودتهم إليها، كما لم يشر إلى الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال ولو بكلمة واحدة.
وقللت صحيفة “لوموند” الفرنسية من أهمية القرار، وقالت إن مجلس الأمن لم يتبن سوى قرارين إنسانيين بالأساس، (في إشارة إلى إطلاق الأسرى الإسرائيليين ورفع العراقيل التي تضعها إسرائيل أمام دخول المساعدات إلى غزة)، من أصل 8 كانت مقدمة للتصويت عليها، بينما الفلسطينيون يواجهون المجاعة بسبب الحصار المفروض من جانب إسرائيل.
عرض هذا المنشور على Instagram
تداعيات داخل أمريكا وإسرائيل
في المقابل، قال الدبلوماسي الأمريكي السابق تشارلز دان، إن القرار لن يؤثر على الأوضاع الميدانية، لكنه مهم من الناحية السياسية لأن يعكس نفاد صبر الأمريكيين تجاه سلوك نتنياهو.
وأكد دان -في مقابلة مع قناة الجزيرة- أن الموقف الأمريكي الجديد في مجلس الأمن ستكون له تداعيات على الداخل الإسرائيلي الذي يتعامل باهتمام شديد مع هذه الأمور.
وجاء القرار قبل أيام ن من توصيت الكونغرس الأمريكي الشهر المقبل على مساعدات جديدة لإسرائيل بقيمة تريلوني دولار.
وقد نشر الكاتب إيشان ثارور مقالا في واشنطن بوست قال فيه إن سمعة الولايات المتحدة تضررت عالميا بنفس القدر الذي تضررت به إسرائيل.
وقال ثارور إن الخلاف المتنامي بين الجانبيين سببه “الفزع الأمريكي من الخسائر التي توقعها إسرائيل في صفوف المدنيين وجعلها الأمر أسوأ رغم مواصلة توفير الحماية الأمريكية لها في المحافل الدولية ومساعدتها على تجديد آلة حربها.
واتهم مشروعون أمريكيون نتنياهو بمحاولة خلق صراع جديد بين الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل الحفاظ على منصبه، ومنهم النائب الديمقراطي براد شنايدر.
وقال ستيف كوهين لموقع “أكسيوس” إنه من غير الممكن أن يتعامل نتنياهو مع حليفه الأقوى (الولايات المتحدة) بعدم احترام ثم تلومه عندما يتخذ مسارا جديدا.
وأضاف كوهين: “لقد تراجع الرئيس والعديد من أصدقاء إسرائيل عن دعمها إلى حد ما، لأن حكومة لا تحظى بشعبية (حكومة نتنياهو) تسببت في أزمة إنسانية”.
أما براد شيرمان، وهو نائب ديمقراطي، فقال إن على الإسرائيليين الإتيان إلى واشنطن والاستماع لمقترحاتها وتنفيذها إذا كانت مفيدة، مؤكدا أن رفض الحوار “أمر خاطئ”.
ورغم الانتقادات الحادة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يواصل تصوير نفسه داخل إسرائيل على أنه الشخص الوحيد القادر على مواجهة الولايات المتحدة، إلا أن المشرعين الأمريكيين يرون أنه سلوكه لن يؤثر على التواصل الأمريكي الإسرائيلي.
فقد أشار شنايدر إلى أن وزير الجيش يوآف غالانت موجود حاليا في الولايات المتحدة ويواصل اجتماعاته مع المسؤولين، وسيقدم قائمة بالأسلحة التي تريدها إسرائيل لمستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
كما نشرت صحيفة معاريف مقالا للمقدم عميت ياغور، قال فيه إن الوقت قد حان للتفكير في اليوم التالي للحرب، وإن على إسرائيل الدخول في نقاش مع الولايات ودول أخرى، مؤكدا أن هذا هو ما سيخفف الانتقادت الأمريكية العلنية لإسرائيل.
أضف تعليقا