كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في تحقيق مطول أن الجيش الإسرائيلي يمارس حرب تجويع خفية ضد السكان في قطاع غزة، من خلال ما أسمته بـ”العصابات العشائرية”، والعمل على تدمير شرطة القطاع.
وقالت الصحيفة إن “العصابات العشائرية” تمنع بطريقة منظمة وتجاهل متعمد من جانب قوات الجيش الإسرائيلي جزءا كبيرا من الشاحنات التي تدخل غزة عبر معبر كرم أبو سالم جنوب القطاع، كما يقومون بجمع الرسوم من السائقين.
وأشارت إلى أن المسلحين يوقفون الشاحنات على حواجز طرق مؤقتة، أو من خلال إطلاق النار على إطارات الشاحنات، ثم يطلبون من السائق دفع “رسوم مرور”، والسائق الذي يرفض الطلب يكون يتعرض إما لاختطاف شاحنته أوسرقة محتوياتها.
ويقع معبر كرم أبو سالم بجوار معبر رفح البري الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال الإسرائيلية، وتقول الصحيفة إن الأحداث تقع في منطقة تخضع لسيطرة العمليات الكاملة للجيش الإسرائيلي، فيما زعمت مصادر في الجيش أنهم يخشون إلحاق الأذى بعمال الإغاثة الذي قد يتسبب بانتقادات دولية.
فوضى منظمة
في الوقت نفسه تقول منظمات الإغاثة العاملة في قطاع غزة إن الجيش يمنعهم أيضا من السفر عبر طرق أخرى تعتبر أكثر أمانا.
وقال الصحفي الإسرائيلي نير حسون إن بعض منظمات الإغاثة ترفض دفع الرسوم للمسلحين من أجل إدخال المساعدات الإنسانية، وفي كثير من الحالات تظل المعدات والمساعدات في المستودعات التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي.
وبحسب مصادر الصحيفة، فإن نهب شاحنات المساعدات يعكس الفوضى المطلقة التي تسود القطاع، نتيجة عدم وجود حكومة مدنية فاعلة، في الوقت الذي حاولت فيه قوات الشرطة المحلية في غزة في عدة حالات التحرك ضد اللصوص، إلا أنهم تعرضوا لهجوم من الجيش الإسرائيلي الذي يعتبرهم جزءا من حركة حماس.
وتقول منظمات الإغاثة إن قوات الشرطة في قطاع غزة حاولت في عدة حالات التحرك ضد اللصوص، لكنهم تعرضوا لهجوم من قبل الجيش الإسرائيلي الذي يعتبرهم جزءا من حماس.
“يشجع عصابات العشائر على نهب المساعدات”.. تحقيق مطول لصحيفة #هآرتس العبرية يكشف عن سياسة الاحتلال الإسرائيلي في تجويع سكان قطاع #غزة لتقويض سلطة #حماس#منصة_مشيرب pic.twitter.com/3iLTtY6h3A
— منصة مشيرب – Msheireb Platform (@msheirebQa) November 11, 2024
حلول مطروحة
وترى المنظمات الدولية أن حل المشكلة يتمثل بنشر قوة شرطية فلسطينية أو دولية في القطاع تسمح بوصول المساعدات إلى السكان، وهي الخطوة التي يرفضها المستوى السياسي الإسرائيلي والجيش، ويريدون أن تتحمل قوات الاحتلال مسؤولية توزيع المساعدات لكن المؤسسة الأمنية تعارض ذلك، بحسب “هآرتس”.
وتفاقمت مشكلة العصابات المسلحة منذ سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح، الذي كان حتى ذلك الحين بمثابة المحور الرئيسي لدخول البضائع إلى قطاع غزة، منذ توقف نشاط المعبر على الحدود بين غزة ومصر وتدخل البضائع إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، وتزايدت حوادث السرقة إلى الحد الذي اعتبرت فيه الأمم المتحدة المنطقة “عالية المخاطر بسبب انهيار النظام المدني”.
وتمر المساعدات عبر منطقة تخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي على محور صلاح الدين “فيلادلفيا” في مدينة رفح، ثم تتجه شمالا حيث يهاجمها المسلحون. وفقا للصحيفة.
وتشكل المساعدات التي تنقلها الشاحنات الأغلبية المطلقة من المواد الغذائية والمعدات الأساسية التي تدخل القطاع في ظل الحصار الإسرائيلي وإغلاق جميع المنافذ مع قطاع غزة، مما تسبب في مجاعة ونقص حاد في المواد الغذائية.
الجيش يراقب
ونقلت الصحيفة عن عاملين في القطاع أن المسلحين يهاجمون الشاحنات تحت مراقبة الجيش الإسرائيلي، في حين اتصلت بعض المنظمات التي تعرضت شاحناتها للجوم بالجيش بشأن هذه القضية لكنهم يرفضون التدخل.
وقال مسؤول كبير في منظمة دولية تعمل في قطاع غزة لصحيفة “هآرتس”: “رأيت دبابة إسرائيلية وفلسطينيا مسلحا ببندقية كلاشينكوف يقفان على بعد مئة متر منها”. وبحسب قوله فإن “الرجال المسلحين يضربون السائقين ويأخذون كل الطعام إذا لم يحصلوا على أجورهم”.
وأضاف: “لتجنب ذلك، توافق بعض منظمات الإغاثة على دفع رسوم الابتزاز. وعادة ما يتم الدفع من خلال شركة فلسطينية تعمل كنوع من الوسيط”.
وتابع: “لقد جربنا كل شيء. أردنا السفر عبر طرق أخرى، لكن الجيش الإسرائيلي منعنا من ذلك؛ حاولنا الوصول في الساعة الخامسة صباحا، على أمل ألا يكون اللصوص موجودين هناك، لكن ذلك لم يساعد”.
وذكر المسؤول أنهم حاولوا التفاوض مع المسلحين والشرح لهم أن هذا طعام الناس، لكن ذلك لم يساعد أيضا.
وبحسب بعض المصادر، فإن مسؤولين إسرائيليين في وحدة التنسيق في المناطق المسؤولة عن المساعدات الإنسانية، نصحوا منظمات الإغاثة والسائقين بالدفع من خلال شركة معينة وسيطة بينهم وبين المسلحين.
وأكدت مصادر لـ”هآرتس” أن الجيش الإسرائيلي يختار مهاجمة المسلحين الذين يهاجمون الشاحنات فقط عندما يتعلق الأمر بأعضاء حركة “حماس”، وليس عندما يتعلق الأمر باللصوص والناهبين الذين لا ينتمون إلى الحركة.
ويراقب سلاح الجو الإسرائيلي “منطقة النهب” كما يطلق عليها الجيش، باستخدام الطائرات بدون طيار، ويراقب مراقبوه ما يحدث هناك من الأرض. ويقول مقاتلون وقادة يعملون في قطاع غزة إنهم على علم تام بحوادث النهب التي يقولون إنها أصبحت أمرا روتينيا.
وتقوم مجموعة المراقبة التابعة للجيش الإسرائيلي والقوات الجوية بعمليات مراقبة طوال ساعات النهار على الطرق اللوجستية التي يمهدها الجيش على طول القطاع، والتي تستخدمها قوافل المساعدات الإنسانية.
سائقو الشاحنات وممثلو المنظمات الدولية يقولون إن الجنود لاحظوا الهجمات التي تتعرض لها قوافل المساعدات، لكنهم لم يفعلوا شيئًا على حد قولهم. ويدعي الجيش الإسرائيلي أنه في الأيام الأخيرة تم فتح طريق آخر في جنوب قطاع غزة يسمح لسائقي الشاحنات بتجاوز منطقة النهب، ولكن وقعت عدة حوادث بالفعل على هذا الطريق أيضا، وفقا للفلسطينيين، ويستمر المسلحون في أخذ الأموال لإدخال المساعدات إلى المناطق الإنسانية.
وزعم كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، الذين علقوا على الموضوع في الأيام الأخيرة، أن رؤساء الأجهزة الأمنية على علم بظاهرة سرقة الشاحنات من قبل العشائر المسلحة، وأن القضية طُرحت أيضا في المناقشات مع المستوى السياسي.
ومؤخرا، وصل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي إلى “القيادة الجنوبية”، حيث تحدث مع القادة وتناول الظواهر المثيرة للقلق المحيطة بمسألة المساعدات الإنسانية، حيث كانت هناك قوى ترفض المشاركة في أي شيء يتعلق بالمساعدات.
تهريب السجائر
ومن المشاكل الأخرى التي تثقل كاهل مرور المساعدات هي تهريب السجائر، حيث أن عناصر مسلحة وتجارة من غزة يعملون على تهريب السجائر عن طريق شاحنات المساعدات، حيث توضع في السجائر داخل طرود المساعدات قبل مرورها من مصر. بحسب زعم الصحيفة.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، يمنع المستوى السياسي الإسرائيلي استيراد غزة للسجائر ويحدد سلة المنتجات التي تدخل القطاع ضمن المساعدات، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السجائر المهربة بشكل جنوني.
ووفقا لمصادر المساعدات، فإن جميع المعنيين، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي، يعرفون ذلك ولا يمنعون تهريب السجائر. ووفقا لهم، يقوم الجيش الإسرائيلي بفحص كل مادة تدخل إلى القطاع على أي حال ويمكنه بسهولة منع التهريب أو ببساطة السماح باستيرادها بشكل قانوني.
وفي غزة انتشرت قصص حول استخدام المواد السامة – بما في ذلك المواد الطاردة للحشرات والمبيدات الزراعية – التي يتم تقطيرها على أوراق الشجر الجافة ولفها كبديل للسجائر.
رسوم سحب الأموال
وحول الانهيار الاجتماعي في غزة تقول الصحيفة الإسرائيلية إنها تلقت المزيد من الأدلة ومن بينها أنه من غير الممكن استخدام بطاقات الائتمان وأن النقود مهترئة بالفعل وغير صالحة للاستخدام، حيث لم يتبقَ سوى جهاز صراف آلي واحد نشط في جميع أنحاء غزة، في منطقة دير البلح، وتسيطر عليه أيضًا مجموعة مسلحة.
وبحسب مسؤولين في القطاع، فإن كل من يسحب أموالا من الصراف الآلي عليه أن يدفع 30% منها إلى المسلحين الذين يسيطرون على المنطقة. في حين يبحث سكان غزة عن المزيد من الطرق للحصول على الأموال.
ونظرا لعدم وجود كهرباء، لا توجد أيضا إضاءة في الليل، كما أن الأمن الشخصي – خاصة للنساء والفتيات – معرض للخطر الشديد. بالإضافة إلى ذلك، لا تسمح إسرائيل بإدخال منتجات مثل الملابس والأحذية إلى قطاع غزة. تقول الصحيفة
ولا تزال مخاطر المجاعة تهدد الغزيين، في ظل الحصار المشدد الإسرائيلي المشدد منذ عام 2007 بشكل عام ومنذ السابع من أكتوبر 2023 بشكل خاص، خاصة بعد سيطرة جيش الاحتلال على معبر رفح البري الذي كان يعد المنفذ لدخول المساعدات إلى القطاع.
وتشهد الأسواق في غزة ندرة كبيرة في توفر المواد الأساسية وخاصة في المناطق المكتظة بالنازحين في المناطق الغربية من مدينتي خانيونس ودير البلح.
وفي وقت سابق، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن المستوى الكارثي للجوع وخطر المجاعة في غزة، أمر “لا يمكن قبوله”. وطالب بضرورة فتح البوابات الحدودية بشكل عاجل، وإزالة العقبات أمام تدفق المساعدات.
وأواخر أكتوبر الماضي، وافق الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون يحظر على “الأونروا” العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقدم الأونروا خدمات التعليم والرعاية الصحية والمساعدات لملايين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا.
وبحسب الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، فإن الحرب حرمت نحو 650 ألفا، أكثر من 50% منهم من الفتيات، من التعليم الأساسي وشردتهم عن مقاعد الدراسة، وأجبرت الكثير منهم على أعمال شاقة للمساهمة في إعالة أسرهم.
وفي حصيلة غير نهائية، ارتفع عدد الشهداء منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من شهر أكتوبر 2023 إلى نحو 44 ألف شهيد، وأكثر من 100 ألف مصاب، أغلبيتهم من النساء والأطفال، فيما لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، لا يمكن الوصول إليهم.
أضف تعليقا