بتقنيات مبتكرة وأساليب غير تقليدية.. قطر تمضي قدما نحو تعزيز أمنها الغذائي

قطر تعتمد بشكل كبير على البيوت المحمية المتطورة لتوسيع رقعتها الخضراء

تواصل دولة قطر المضي قدما نحو خططها الرامية لتوسيع الرقعة الزراعية وترشيد استهلاك المياه وتحقيق مزيد من الاكتفاء الذاتي كجزء من هدفها الأكبر المتمثل في تعزيز أمنها الغذائي.

ويسعى برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال تبني ممارسات الزراعة العلمية وغير التقليدية في ظل الظروف المناخية الجافة.

ووفقا لوزير البيئة عبد الله السبيعي، فقد حققت الدوحة مراكز متقدمة في مؤشر الأمن الغذائي العالمي نتيجة الجهود الرامية لرفع مستويات الاكتفاء الذاتي والإنتاج المحلي وتطوير ممارسات زراعية حديثة.

وتعمل قطر من خلال رؤية تمتد بين 2024 و2030 على توفير مزيد من الحلول الجديدة والأنظمة الزراعية المستدامة لتوسيع الرقعة الخضراء وتعزيز الأمن الغذائي، وفق ما أكده السبيعي أمام الدورة الـ43 لمؤتمر منظمة الأغذية والزراعة العالمي “الفاو” في روما، إيطاليا.

ومع معدل نمو سنوي يبلغ 15.2% في إنتاج الغذاء محليا، تفوقت قطر العام الماضي على دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بمعدل النمو السنوي المركب بنسبة 4.3% بين عامي 2014 و2019.

 

تحقيق الاكتفاء الذاتي

ومنذ العام 2016، وضعت الدوحة تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء ودعم الزراعة المحلية نصب أعينها وبدأت ضخ استثمارات ضخمة من أجل الوصول إلى هذا الهدف وقد تصدرت مؤشر الأمن الغذائي العربي عام 2021، ولم تتأخر عن المرتبة الثانية في المؤشر خلال العاميين التاليين.

ووفقا لتقرير نشرته شركة “Mordor Intelligence” الأمريكية الرائدة في تحليل البيانات مطلع العام الجاري، فقد بلغ حجم الاستثمار في الزارعة خلال 2023 نحو 500 مليون دولار مع توقعات بوصوله إلى 622 مليونا خلال العام الجاري وإلى أكثر من 800 مليون بحلول 2029.

وسجلت دولة قطر ارتفاعا قياسيا بلغ 400% في إنتاج الغذاء المحلي بين عامي 2017 و2019، وحققت اكتفاء ذاتيًا بنسبة 100% في إنتاج الدواجن و109% في إنتاج الألبان في 2019، مقارنة بعام 2017 الذي كانت الواردات فيه تمثل 72%.

قطر تضع خطة وطنية لتحقيق الاكتفاء الغذائي من بعض المحاصيل في غضون سنوات

وتتبنى دولة قطر التقنيات المستدامة والذكية وتستخدمها على نطاق واسع، ومنها أنظمة الري الآلي، والزراعة بدون استخدام التربة (الهيدروبونيك)؛ والزراعة المائية (الأكوابونيك)، لتعزيز جودة وكمية الفواكه والخضروات.

وقد أطلقت الحكومة خلال السنوات الماضية حزمة من المشروعات والمبادرات الهادفة لدعم الزراعة الحديثة التي تتماشى مع الطبيعة الصحراوية للبلاد واعتمدت عددا من الطرق الحديثة للزراعة التي تقوم على الاستدامة والاستفادة من التكنولوجيا المتطورة بشكل أكبر.

وفي العام 2021، تصدرت قطر دول الخليج في مؤشر الأمن الغذائي العالمي 2021، وهو تصنيف سنوي للأمن الغذائي يضم 113 دولة ويتناول أربع ركائز رئيسية هي: القدرة على تحمل التكاليف، والتوافر، والجودة والسلامة، والاستدامة والتكيّف.

وهناك أكثر من 50 شركة رائدة في مجال التكنولوجيا ومراكز البحوث والتطوير تعمل في قطر من خلال الشراكة مع واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا.

وأطلق المختبر التجريبي الهجين التابع لواحة قطر للعلوم والتكنولوجيا ومختبر (VFarms) أول مزرعة في البلاد بدون مصادر مياه خارجية، عبر مُوَّلِد مياه من البخار الجوي يعمل بالطاقة الشمسية وينتج الماء من الهواء.

كما وقعَّت شركة وادي ووتر للتكنولوجيا الزراعية اتفاقية مع وكالة ترويج الاستثمار في قطر لجلب تقنية “الرطوبة إلى مياه الشرب” إلى البلاد، بينما تعمل (iFarm) الفنلندية مع مزارع أجريكو لبناء مزرعة عمودية تُدار بالذكاء الاصطناعي في الدوحة.

طرق جديدة للزراعة

ومن بين الطرق التي ترتكز عليها رؤية قطر لتحقيق أمنها الغذائي وتوسيع الرقعة الزراعية على أراضيها: الزراعة المستدامة التي تزيد من خصوبة التربة وإنتاج المحاصيل العضوية عالية الجودة بتكلفة أقل اعتمادا على الموارد المحلية.

وتقوم الزراعة المستدامة بالأساس على البيوت المحمية والتي مثلت جزءا أساسيا من استراتيجية قطر الوطنية 2018-2023 لدعم الزراعة الوطنية التي أدت لزيادة المساحة المزروعة من 11,805 هكتارات في عام 2015 إلى 13,646 هكتارا في عام 2020.

ومن المتوقع أن تنمو بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 14.6% في الفترة ما بين 2020 و2026. وتمثل الفواكه والخضراوات ثلثي إنتاج هذا النوع من الزراعات تقريبا.

كما اعتمدت قطر أيضا على الزراعة العمودية التي توفر إنتاجا يزيد ثلاث مرات عن الزراعة التقليدية في كل متر مربع سنويا مع ترشيد في استهلاك المياه يصل إلى 95% دون حاجة لمبيدات حشرية.

قطر ابتكرت العديد من الحلول لمواجهة طبيعتها الصحرواية والحد من أضرار ملوحة المياه على المحاصيل

وتتضمن هذه الطريقة كلا من: الزراعة المائية، الزراعة بدون تربة، والزراعة على مياه الأسماك، وهي تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضراوات بنسبة 70%، وفق دراسة نشرتها وكالة ترويج الاستثمار العام الماضي.

كما اعتمدت قطر على الزراعة الهوائية لتكون أول دولة في الشرق الأوسط تستخدم هذه التقنية و التي تعد من أحدث الأساليب الزراعية عالميا، وتتميز بتوفير 98% من الماء المستخدم في الري، ويمتاز محصول هذا النوع من الزراعة بالجودة العالية دون الحاجة إلى أتربه أو سماد.

وتعتبر هذه الطريقة حلا لمشاكل القطاع الزراعي، ومن المتوقع أن تحدث ثورة في المنظومة الزراعية القطرية، وتسهم في رفع معدل الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

 

تقنيات مبتكرة

ونجحت دولة قطر في تطوير العديد من التقنيات التي ساعدت في تعزيز قطاع الزراعة المحلية بما يتماشى مع الظروف المناخية وتطورات أزمة المناخ وأهداف الأمن الغذائي.

وفي العام 2019، نجح مركز البحوث والتجارب الزراعية في تطوير نظام مستدام لإدارة المحاصيل التي تعتمد على الزراعة المائية (زراعة دون استخدام تربة طبيعية) بشكل يناسب المناخ القطري ويوفر إنتاجية عالية مع الحفاظ على موارد المياه المحلية الثمينة ويحد من الآثار السلبية التي قد تنجم عن إنتاج الخضراوات على البيئة المحلية.

وفي وقت سابق من هذا الشهر أعلنت وزارة البلدية استحداث توظيف أشعة جاما لإنتاج أصناف جديدة من الخضراوات تتناسب مع الظروف البيئية في قطر.

وقال مدير إدارة البحوث الزراعية بالوزارة حمد الشمري، أن العمل جار على استحداث علائق جديدة ستسهم في زيادة إنتاج اللحوم والألبان مقارنة بالعلائق التقليدية.

كما ابتكرت جامعة قطر هذا العام نظاما لزراعة الخضراوات باستخدام تقنية الزراعة المائية في منشأة للخضراوات الورقية الطازجة، بطريقة تعمل على تحسين نمو الخضراوات من خلال التحكم في العوامل البيئية وتنظيمها مثل درجة الحرارة والرطوبة والضوء ومستويات المغذيات وبترشيد يصل إلى 90% من استهلاك المياه، مع تقليل كبير في البصمة الكربونية.

البيوت المحمية تمثل أحد أهم طرق الزراعة في قطر

كما دشنت وزارة البلدية مطلع العام الجاري مشروع تطوير الزراعات المحمية والذكية مناخيا، والذي تنفذه بالتعاون مع كوريا الجنوبية بهدف تعزيز فهم الوضع الزراعي لدولة قطر وتحديد التكنولوجيا الأنسب لتحسين وتطوير إنتاجها الزراعي والغذائي بصورة مستدامة، وفق ما أكده مدير إدارة الأمن الغذائي بالوزارة مسعود المري في تصريح سابق.

وتسعى الحكومة من خلال هذا المشروع لزيادة الكفاءة الإنتاجية وكفاءة استخدام الموارد عن طريق تطبيقات وتقنيات وممارسات زراعية حديثة، إلى تطوير أصناف قادرة على مقاومة الجفاف، ودرجات الحرارة المرتفعة ومستويات الرطوبة العالية ويمكنها التكيف مع تغيرات المناخ.

وتخطط قطر لخفض استخدام المياه في الزراعة بنسبة 40% لكل طن والاعتماد على المياه المعالجة في تخضير المدن إلى 100% بحلول 2030، وذلك جبنا إلى جنب مع العمل على مواجهة ندرة المياه.

‏والعام الماضي، استضافت الدوحة معرض إكسبو 2023 للبستنة، وكانت المرة الأولى التي يعقد فيها ببلد صحراوي، حيث جرى تسليط الضوء على أنماط الزراعة المتطورة وتحويل الصحراء إلى بؤرة خضراء منتجة للغداء.

‏وعكس المعرض عددا من التجارب لأنظمة زراعية أدخلته المزارع القطرية وكان لها أثر في زيادة الرقعة الخضراء وتحقيق الأهداف مثل أنظمة الأكوابونيك والهايدرونك، ‏باعتبارها طرق تساهم في زيادة الإنتاج في وحدة المساحة وقلة العمالة والاستغناء عن العمليات المختلفة في الزراعة.

ومع تزايد الطلب الناتج عن نمو عدد السكان، تعتبر دولة قطر بيئة خصبة للاستثمارات في مجال الزراعة.

كما يوفر الدعم الحكومي وسهولة الوصول إلى التمويل وجودة سُبل النقل واللوجستيات والشراكات ما بين القطاعين العام والخاص، بيئة مؤاتية لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية في مجال الزراعة.

الرابط المختصر: https://msheireb.co/303