غادر سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، صباح اليوم، أرض الوطن متوجها إلى رواندا، في زيارة رسمية يلتقي خلالها الرئيس بول كاغامي.
ويرافق سمو الأمير وفد رسمي.
العلاقات بين قطر ورواندا
تتميّز العلاقات بين دولة قطر ورواندا بنمو متسارع وشراكة استراتيجية تشمل مختلف المجالات التنموية، إذ استطاعت الدولتان خلال السنوات الأخيرة بناء قاعدة قوية من التعاون في الاقتصاد والاستثمار والتعليم والسياحة والطيران والأمن ومكافحة الفساد، الأمر الذي جعل رواندا شريكا محوريا في الانفتاح القطري على القارة الأفريقية.
كما تعكس الزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين حرصهما المشترك على تعزيز الحوار وتوسيع فرص الاستثمار وتحقيق التنمية المستدامة، بما يساهم في دعم الاستقرار الإقليمي وخلق آفاق جديدة للتعاون الثنائي.
وتأتي زيارة سمو الأمير إلى العاصمة الرواندية كيغالي للقاء الرئيس الرواندي بول كاغامي، في إطار تعزيز العلاقات الوثيقة بين البلدين، وحرص الجانبين على تعزيز مقومات الاستثمار المستدام وتوسيع آفاقه بما يخدم مصالح البلدين.
وجاء توسط دولة قطر الناجح في حل الخلاف بين رواندا والكونغو الديمقراطية والذي أعلن عنه بالدوحة في 18 مارس الماضي، ثم بالتوقيع النهائي عليه والذي شمل الحركات المسلحة في 15 نوفمبر 2025، ليتوج مسيرة من العلاقات المتميزة بين دولة قطر ورواندا على مدار عقد من الزمن تقريبا، بما يعكس التعاون المثمر والرغبة المشتركة بين قيادة البلدين لتأطير تلك العلاقات الثنائية ورفعها لمستوى متقدم من التعاون السياسي والاقتصادي.
واستضاف سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كلا من الرئيس الرواندي بول كاغامي ورئيس الكونغو أفيليكس تشيسيكيدي في مارس الماضي، للتأكيد على التزام جميع الأطراف بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار كما هو متفق عليه في القمة المذكورة، حيث أعرب الطرفان عن شكرهما لجهود دولة قطر وسمو الأمير، التي ساهمت في بناء الثقة بين الدولتين.
ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين دولة قطر ورواندا عام 2017، سعى الطرفان لرفع تلك العلاقات إلى مستوى الشراكة المنتجة والاستثمارات الرصينة، إذ يلتقي سمو الأمير والرئيس الرواندي، في زيارات منتظمة متبادلة ووفود حكومية رفيعة المستوى ساهمت في دفع عجلة التعاون المشترك في العديد من المجالات الحيوية ووسعت نطاق الاتفاقيات المتبادلة وتنسيق المواقف تجاه القضايا ذات الصلة في العديد من المحافل الدولية.
ولا ريب أن دولة قطر تشكل في هذا السياق رافعة اقتصادية مهمة في مجلس التعاون الخليجي بفضل قدراتها المتميزة في سوق الطاقة وخبراتها في البنية التحتية والتجارة العالمية وجهودها الدبلوماسية التفاوضية العالمية، بينما تعد رواندا واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في أفريقيا، حيث تقدم رواندا نظاما استثماريا مزدهرا ومستقرا في صناعات، مثل: المنسوجات، والملابس، والجلود، والزراعة، والثروة الحيوانية، والصناعة، والسياحة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والأدوية.
وعلى مستوى التعاون المؤسساتي، قام صندوق قطر للتنمية (QFFD) ومنظمة جيف دايركتلي في 7 فبراير 2025، وفي إطار منتدى الشراكة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي (ECOSOC)، بتوقيع اتفاقية منحة تبلغ قيمتها حوالي 5 ملايين دولار أمريكي لدعم الأسر التي تعيش في فقر مدقع في رواندا، وذلك لفترة تمتد لسنة واحدة، بما يؤكد التزام صندوق قطر للتنمية وشركائه في دعم الفئات الأكثر احتياجا.
ومن خلال التمويل المقدم من صندوق قطر للتنمية، ستقوم منظمة جيف دايركتلي بالتعاون مع الحكومة الرواندية بتقديم منح نقدية تصل إلى 1100 دولار أمريكي لـ 3979 أسرة تعاني من الفقر المدقع، حيث تندرج هذه المبادرة ضمن برنامج “Habwa Wigire” (استلم وابن مستقبلك بنفسك)، الذي يتم تنفيذه بالتعاون مع وزارة الحكم المحلي الرواندية؛ بهدف تقليص فجوة الفقر على المستوى الوطني بوتيرة متسارعة، كما يسعى إلى تقديم نموذج ناجح لمكافحة الفقر يمكن تطبيقه على نطاق وطني ثم عالمي.
وتهدف هذه الاتفاقية الثلاثية إلى تسريع وتيرة تنفيذ الخطة الاستراتيجية الوطنية لرؤية 2050 من خلال القضاء على الفقر.
وتعمل الشراكة على دعم الاقتصاد الزراعي في رواندا، حيث يعتمد أكثر من ثلثي السكان في المناطق الريفية على الزراعة كمصدر رئيس للعيش، كما أن هذا القطاع يشكل مصدر دخل لما يقرب من 60% من سكان البلاد.
ومن حيث الاستثمارات، قامت دولة قطر بتنفيذ أكبر استثمار لها في القارة الأفريقية، من خلال بناء مطار دولي جديد في ضواحي العاصمة كيغالي تصل قيمته إلى 1.6 مليار دولار، انتهى الجزء الأكبر من أعماله عام 2023، كما وقعت الخطوط الجوية القطرية اتفاقيتين مع شركة النقل الجوي للسياحة الرواندية، واتفاقية مع هيئة الطيران والخدمات اللوجستية برواندا.
وترتبط دولة قطر ورواندا بمجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تغطي المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية والزراعية والثقافية والرياضية وقطاعات الاستثمار والتعاون في مجال الطيران، وتجنب الازدواج الضريبي، كما وقعت الدولتان اتفاقية استحواذ على 60% من أسهم مطار بوجيسيرا الرواندي، كما تربط البلدين مذكرة تفاهم للتعاون الدفاعي بين البلدين، تتناول العلاقات العسكرية والدفاعية بين البلدين الصديقين وسبل تعزيزها وتطويرها.
ووقعت شركة حصاد القطرية التي تستثمر في تحقيق الأمن الغذائي لدولة قطر مذكرة تفاهم للتعاون الغذائي مع الجانب الرواندي في 2018، تماشيا مع استراتيجية شركة حصاد الجديدة، التي تهدف إلى أن تصبح مستثمرا استراتيجيا ناجحا في مجالي الإنتاج الغذائي والزراعي عالميا عبر دراسة الفرص الاستثمارية المتاحة في المجال الغذائي والزراعي.
وفي السياق ذاته، تم توقيع مذكرة تفاهم بين مركز قطر للمال ووكالة “رواندا فاينانس ليمتد”؛ بهدف إطلاق مبادرات مشتركة تساهم في تعزيز نمو أعمال مركز قطر للمال ومركز “كيغالي المالي الدولي، وتشجيع الجهتين الرقابيتين المسؤولتين عن تنظيم أداء وأعمال كلا المركزين الماليين على إبرام اتفاقيات للاعتراف المتبادل بالأنظمة لفتح مجالات جديدة وتهيئة المزيد من الفرص التجارية في كلا السوقين، وإقامة شراكات قوية ودائمة مع الأسواق العالمية تسهم في دعم استراتيجية تنويع الاقتصاد القطري وتعزيز القدرات والإمكانات الاقتصادية.
وتشمل الاتفاقيات الموقعة بين البلدين اتفاقية تمكن المسافرين على الخطوط الجوية الرواندية والخطوط الجوية القطرية من الوصول إلى أكثر من 160 وجهة في الشبكات المشتركة من كيغالي والدوحة.
وفي ديسمبر 2023، وعلى هامش اجتماعات المؤتمر الدولي لمفاوضات النقل الجوي “إيكان 2023″، في العاصمة السعودية الرياض، عقدت مباحثات ثنائية بين سلطات الطيران المدني بكل من دولة قطر ورواندا، أفضت إلى نتائج إيجابية، تمثلت بالتوقيع على مذكرة تفاهم، تسمح لشركات الطيران المعنية في البلدين بالدخول في اتفاقيات التعاون التجاري المشترك.
تجدر الإشارة إلى أن رواندا سجلت معدل نمو اقتصادي مثير للإعجاب، حيث بلغ متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 7% خلال العقد الماضي، وذلك بفضل الاستثمارات الاستراتيجية في مجالات التكنولوجيا، والزراعة، والسياحة، والصناعة. كما أحرزت البلاد تقدما كبيرا في تحقيق التغطية الصحية الشاملة، وتحسين جودة التعليم، وتعزيز المساواة بين الجنسين في مختلف القطاعات.
وتقع رواندا وسط القارة الأفريقية إلى الجنوب من الدائرة الاستوائية ضمن نطاق هضبة البحيرات، وهي دولة داخلية لا سواحل لها، وتتصل بالعالم الخارجي عن طريق جاراتها، خاصة عبر ميناءي دار السلام بتنزانيا ومومباسا في كينيا، وتزيد مساحتها على ستة وعشرين ألف كيلومتر مربع، ويقدر عدد سكانها بنحو خمسة عشر مليونا وفقا لإحصاءات العام 2025.
ولا تخفى عن عين الزائر معالم الطفرة الاقتصادية التي تشهدها تلك البلاد، التي يعني اسمها “أرض الألف تل”، كما تستقطب رواندا السياح من مختلف أنحاء العالم، لما تتمتع به من حياة طبيعية وبرية نادرة وخلابة.

