بدأ الوسطاء العمل على إحياء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة في وقت توسع فيه قوات الاحتلال عملياتها في مدينة خان يونس جنوبي القطاع والتي خرجت منها في أبريل الماضي مما أدى لموجة جديدة من النزوح الجماعي للسكان.
ففي الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل قصفا جويا عنيفا على شرقي خان يونس بزعم ملاحقة بعض كتائب المقاومة، بالتزامن مع مواجهات عنيفة في مناطق أخرى، قدّمت دولة قطر ومصر ردا جديدا من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يتضمن وقفا للقتال وإطلاقا لسراح الأسرى.
وهذا الرد هو حلقة جديدة من حلقات الردود المتبادلة بين الجانبين منذ شهور والتي لم تسفر كلها عن التوصل لاتفاق بسبب تمسك كل طرف بأمور يعتبرها رئيسية في أي صفقة سيتم التوصل إليها، في حين يرفضها الطرف الآخر بشكل كامل ولا يريد تقديم أي تنازل بشأنها.
وجاء الرد الجديد بعدما تضاءلت احتمالات التوصل لاتفاق خلال الأسبوعين الماضيين تقريبا حيث صعّدت إسرائيل من قصفها لمناطق المدنيين في حين بدأت المقاومة عمليات يقول خبراء عسكريون إنها أكثر جرأة ونوعية، وقد اعترف جيش الاحتلال بمقتل عشرات من أفراده خلال هذه الفترة القصيرة.
عرض هذا المنشور على Instagram
بحث المقترح الجديد
وفي حين يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مزيدا من الاتهامات بعرقلة كل الجهود الرامية لوقف القتال حفاظا على مستقبله السياسي، قال مكتب نتنياهو في بيان أصدره نيابة عن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) أن تل أبيب تدرس رد حماس الأخير وإنها سترد عليه قريبا.
وعلى مدار شهور، حاولت كل من قطر ومصر الدفع باتجاه يوقف القتال ويسمح بتبادل للأسرى وفتح للمعابر المؤدية للقطاع المحاصر بشكل شبه كامل من أجل تخفيف الوضع الإنساني الذي تقول الأمم المتحدة إنه بلغ حدا مأساويا لا يمكن استمراره.
لكن هذه الجهود لطالما اصطدمت برغبة الإسرائيليين في اتفاق يضمن لهم استئناف العمليات العسكرية بعد استعادة أسراهم، وهو أمر رفضته المقاومة وقالت إنها لن تقبل به تحت أي ضغط.
في الوقت نفسه، تعمل الولايات المتحدة على التوصل لاتفاق يرفع الحرج عن الرئيس جو بايدن الذي يواجه اتهامات حتى من بعض مسؤولي إدارته الذين تركوا مناصبهم احتجاجا على موقفه من الحرب، بالتواطؤ مع إسرائيل في عملية الإبادة الجماعية التي تنفذها ضد الفلسطينيين في القطاع.
لكن واشنطن كانت ولا تزال متمسكة بالتوصل لاتفاق لا يتضمن نصا صريحا على وقف العدوان بشكل نهائي وسحب قوات الاحتلال من كافة مناطق القطاع، وهو ما تعتبره المقاومة دعما أمريكيا لخطط الاستيطان وإعادة احتلال القطاع التي تتبناها إسرائيل.
ونفت واشنطن مرارا وتكرار قبولها بأي تغيير ديموغرافي أو جغرافي للقطاع لكنها في الوقت نفسه لم تمنع إسرائيل من القيام بهذين الأمرين، ولا تزال تقول إن ما يجري في القطاع لم يتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها بايدن للحرب وذلك رغم استشهاد نحو 38 ألف مدني وإصابة وفقدان عشرات آلاف آخرين فضلا عن تدمير القطاع بشكل شبه كامل.
وهذا الأسبوع، اتهم 12 مسؤولا حكوميا أمريكيا سابقا، استقالوا بسبب الدعم الأمريكي للحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع، إدارة بايدن بالتواطؤ الذي لا يمكن إنكاره في قتل الفلسطينيين.
وفي بيان مشترك، قال المسؤولون السابقون إن الإدارة تنتهك القوانين الأمريكية بدعمها لإسرائيل وإيجاد ثغرات لمواصلة شحن الأسلحة إليها.
ووفق البيان الصادر عن مكتب نتنياهو باسم الموساد، فإن إسرائيل ستقدم ردا للوسطاء على رد حماس، لكنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل. لكن القناة الـ12 الإسرائيلية نقلت عن مصادر أنها المرة الأولى التي تقدم فيها حماس ردا “يسمح بالمضي قدما ويخلق أرضية للتفاوض”.
وقالت المصادر للقناة الإسرائيلية إن نتنياهو سيعقد اجتماعا اليوم الخميس لبحث الرد القادم من المقاومة على مقترح صفقة التبادل، فيما قالت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين إنها “لن تسمح للحكومة بعرقلة التوصل إلى صفقة التبادل مرة أخرى”.
في غضون ذلك، قالت حركة حماس إن رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هينة بحث تطورات المفاوضات مع الوسطاء في قطر ومصر، ومع الأتراك أيضا، بما يصل إلى وقف العدوان على المدنيين. وجددت الحركة في بيان أنها “تعاملت بروح إيجابية مع فحوى المداولات الجارية”.
ووفقا للقناة الـ12 الإسرائيلية، فإن رد حماس الجديد “يتيح إعادة الأسرى، من كبار السن والأطفال والمرضى والجرحى والمجندات”، وينص على أنه “إذا خرقت حماس الاتفاق يمكن الانسحاب منه والعودة للقتال بعد المرحلة الأولى”.
ومع ذلك، قال مصدر أمني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” إن نتنياهو سيضحي بالأسرى من أجل كسب بعض الوقت إلى ما بعد خطابه بالكونغرس يوم 24 يوليو الجاري، مضيفا أن بايدن قد يجري اتصالا -اليوم الخميس- مع رئيس الوزراء الإسرائيلي من أجل الضغط عليه لقبول الصفقة.
عرض هذا المنشور على Instagram
العسكريون يريدون وقف القتال
وعلى الصعيد الميداني، واصلت إسرائيل قصف مناطق للمدنيين في جنوب غزة وتخوض قوات اشتباكات عنيفة مع المقاومة التي لا تزال تمنعها من التوغل في حي الشجاعية شمالا.
وفشلت إسرائيل مرتين خلال هذه الحرب في السيطرة على الشجاعية وخسرت الكثير من أفرادها فيها بمن فيهم اثنان من قادة لواء غفعاتي. وقد تعرضت لخسائر كبيرة أيضا خلال محاولة التوغل الثالثة التي بدأتها قبل أيام قليلة.
ومساء الأربعاء، أعلن جيش الاحتلال مقتل قائد كتيبة في الفرقة 75 التابعة للواء غفعاتي في معارك الشجاعية فضلا عن إصابة ضابط آخر و3 جنود.
وكانت كتائب القسام قد أكدت تنفيذ كمين نوعي لقوة إسرائيلية في الشجاعية وأكدت سقوط قتلى في العملية.
في الوقت نفسه، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مصادر أن كبار القادة العسكريين الإسرائيليين يريدون وقف إطلاق النار في غزة حتى ولو كان الثمن بقاء حماس في السلطة. وهو ما رد عليه نتنياهو بأن الحرب لن تتوقف قبل القضاء على الحركة.
وتعكس هذه التصريحات المتضاربة الفجوة بين نتنياهو الذي يدفع باتجاه مواصلة الحرب مهما كانت أثمانها وبين قادته العسكريين الذين أدركوا حقيقة المخاطر التي تواجه إسرائيل والتي قد لا تستطيع التعامل معها، وفق ما قاله المحلل السياسي الفلسطيني إيهاب جبارين لقناة الجزيرة.
ووفقا لنيويورك تايمز، فإن القادة العسكريين في إسرائيل يعتقدون أن وقف إطلاق النار سيكون أفضل وسيلة لإطلاق سراح الأسرى المتبقين، ويرون أن القوات الإسرائيلية المنهكة، والتي تعاني من نقص الذخائر، بحاجة إلى إعادة تجميع صفوفها في حالة اندلاع حرب أوسع مع حزب الله اللبناني.
وهذا الأسبوع، قال قائد اللواء الـ12 الذي يعمل في رفح، المقدم هيفري إلباز، إن القضاء على كتائب المقاومة في المدينة يتطلب مجهودا عسكريا صعبا، لأنها تخوض حرب عصابات مستقلة.
وأكد الضابط الإسرائيلي أن تحقيق الأهداف المطلوبة قد يستغرق عامين على الأقل في ظل الطريقة التي تعمل بها المقاومة.
عرض هذا المنشور على Instagram
وضع مأساوي للمدنيين
في الوقت نفسه، بدأ آلاف المدنيين النزوج من شرقي خان يونس باتجاه المواصي غربا بعد تزايد القصف الإسرائيلي وأوامر التهجير التي وجهها جيش الاحتلال خلال اليومين الماضيين.
ونقلت وسائل إعلام غربية شهادات عن عائلات كاملة تنام على الطرقات بسبب عدم وجود أماكن إيواء، فضلا عن قصف إسرائيل لمدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجين (أونروا) كانت تؤوي نازحين.
وسقط عشرات الشهداء في خان يونس مؤخرا، وقضى آلاف السكان الليل وهم يقطعون الطرقات سيرا على الأقدام في محاولة لبلوغ المواصي.
واليوم الخميس، قال مدير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة (أوتشا)، أندريا دي دومينيكو، إن 9 من كل 10 أشخاص في قطاع غزة نزحوا لمرة واحدة منذ بدء الحرب.
وقدر المسؤول الأممي عدد النازحين في القطاع منذ أكتوبر الماضي بنحو 1.9 مليون شخص، مشيرا إلى أن 110 آلاف شخص غادروا غزة إلى مصر قبل إغلاق معبر رفح.
وكشف دومينيكو عن نزوح نحو 1.9 من أهالي غزة مرة واحدة على الأقل، إن لم يكن ما يصل إلى 10 مرات، منذ بدء الحرب.
أضف تعليقا