قالت الحكومة الإيرانية أمس الأحد إنها ستبدأ أعمال التنقيب في حقل الدرة الذي تقول المملكة العربية السعودية والكويت إنه ملك خالص لهما.
وأعلنت الكويت يوم الخميس أنها ستبدأ العمل في حقل الدرة دون ترسيم الحدود البحرية مع إيران؛ حيث فشل الطرفان منذ عقود في التوصل لاتفاق بشأن طريقة الترسيم.
وقال وزير النفط الإيراني جواد أوجي، إن بلاده ستشرع في التنقيب بالحقل في المنطقة المقسومة المغمورة.
ونقلت وكالة إرنا الرسمية عن أوجي أن طهران لطالما دعمت الحل الودي لقضايا الحدود البرية والمائية مع الجيران، واتبعت دائما أسلوب التفاوض، وإنها تطالب باستخراج موحد ومشترك من حقل الدرة.
وأضاف “إن لم تكن هناك رغبة في التوصل إلى تفاهم وتعاون، فإن إيران ستضع على جدول أعمالها تأمين حقوقها ومصالحها والاستخراج والتنقيب عن هذه الموارد، ولن تتحمل أي تضييع لحقوقها“.
وكان وزير النفط الكويتي سعد البراك إن بلاده ستبدأ العمل في الحقل دون التوصل لاتفاق ترسيم حدود مع إيران.
وقت سابق من الشهر الجاري، قال البراك إن بلاده ستمضي قدما في تطوير حقل الدرة جنبا إلى جنب مع المملكة العربية السعودية.
توتر جديد
وأضاف الوزير الكويتي آنذاك أم أي مفاوضات محتملة مع إيران بشأن الحقل “لن تبدأ قبل ترسيم الحدود البحرية وفق القانون الدولي”.
وتنذر تصريحات الطرفين باحتمال انتكاس حال الهدوء التي شهدتها العلاقات الخليجية الإيرانية مؤخرا والتي جاءت بعد سنوات من التوتر.
وتدعي إيران أحقيتها في جزء من الحقل الواقع في المنطقة المقسومة المغمورة بمياه الخليج، وهو ادعاء ترفضه السعودية والكويت -اللتان بدأتا تطوير الحقل فعليا- بشكل قاطع.
الكويت تنفي وجود تحركات إيرانية بمحيط حقل “الدرة”
خلاف تاريخي
وتسود حالة من اللايقين بشأن ما يمكن تصل إليه أزمة حقل الدرة لكن التاريخ يقول إن الخلافات بشأن حقول الطاقة واحدة من أخطر مهددات الأمن بالمنطقة.
وما تزال المنطقة حتى اليوم تدفع فاتورة الغزو العراقي للكويت والذي بنت بغداد موقغها فيه بالأساس على أحقيتها في حصص نفطية محل خلاف.
وتتفاوت تقديرات المراكز المتخصصة بشأن كميات الغاز التي يحتوي عليها حقل الدرة الذي يجري التفاوض بشأنه منذ 1960، والذي أصبح عنوانا لأزمة ما يزال عدم التوافق هو سيد الموقف فيها.
وتتحدث التقديرات المقبولة عن مخزون يصل إلى 200 مليار متر مكعب من الغاز و300 مليون برميل من النفط.
ويتوقع أن ينتج حقل الدرة ينتج مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز يوميا، و84 ألف برميل يوميا من المكثفات النفطية.
وقال وزير النفط الكويتي في حوار مع قناة العربية هذا الشهر، إن على من يدعي ملكية في الحقل أن يبدأ بترسيم الحدود وفق القانون الدولي وإذا تبين أن له حقا فسيأخذه.
وسبق أن تحدثت طهران عن مفاوضات منفردة ستجريها مع الرياض بشأن الحقل، لكن البراك أكد أن هذه المفاوضات “لم تبدأ بعد”.
وأضاف “على طهران ترسيم حدودها البحرية بنفسها أولا واعتمادها وفق القانون الدولي وبعدها سيتضح إن كان لها حق في الحقل أم لا”.
وأكدت الكويت مرارا وضوح الموقف الكويتي- السعودي الموحد من مسألة التفاوض مع طهران كطرف واحد وليس كطرفين.
ولم ترد إيران على الدعوات التي وجهتها الكويت والرياض خلال الأيام الماضية للمضي قدما في التفاوض بشأن الحقل وفق قواعد القانون الدولي، بحسب البراك.
خلاف على آلية ترسيم الحدود
كانت إيران تعتمد القانون الدولي في ترسيم حدودها البحرية قبل ثورة 1979 التي أطاحت بحكم الشاه، وقد واصلت العمل بنفس الطريقة في ظل النظام السياسي الجديد المستمر حتى الآن.
ووفقا لهذا القانون فإن نحو 40% من حقل الدرة(يعرف في إيران بحقل آراش) يقع ضمن الحدود الإيرانية.
في المقابل، تقول الكويت والسعودية إن الحقل ملكية خاصة بهما دون غيرهما وفق دراسة زلزالية أجرتها شركة “شل” العالمية.
وتجري إيران والكويت محادثات بشأن الحقل منذ عام 1960، ويُعد ترسيم الحدود بين مياه الجرف القاري للبلدين المصدر الرئيس للخلاف.
وتبني طهران مقاربتها على أن حدودها تمتد من الجرف القاري وتعتمد في ذلك على قانون البحار المفتوحة، في حين تتمسك الكويت بأن حدود طهران يجب أن تحسب من حدودها البرية حسب قانون البحار المغلقة.
تشترك إيران وجيرانها الخليجيون في العديد من حقول النفط والغاز؛ بينها 5 حقول مشتركة مع السعودية والإمارات إضافة إلى حقل غاز الشمال، الأكبر في العالم، مع قطر.
في ديسمبر 2019، وقعت الكويت والسعودية مذكرة تفاهم لتسريع تطوير واستغلال حقل الدرة، ثم شرعتا العام الماضي في العمل بالحقل، وقالت الكويت بوضوح إن إيران ليست شريكة فيه.
حديث الكويت جاء ردا على تصريحات لوزير النفط الإيراني، جواد أوجي، قال فيها إن طهران ستبدأ التنقيب في الحقل قريبا، ردا على الاتفاق الكويتي السعودي.
وقال أوجي إن إيران إلى التفاوض والتعاون مع الكويت والسعودية لتطوير الحقل الغاز، إلا أن “إجراءات البلدين الخليجيين أحادية الجانب لن تمنع طهران من المضي قدما في خططها الخاصة.
وكانت الخارجية الإيرانية وصفت الاتفاق السعودي الكويتي بـ”غير القانوني”، مؤكدة احتفاظ طهران بحق الاستثمار في الحقل المشترك بين الدول الثلاث.
وقال المتحدث باسم الوزارة آنذاك سعيد خطيب زاده، إن الحقل مشترك بين الدول الثلاث وإن أجزاء منه تقع في نطاق المياه غير المحددة بين إيران والكويت،
وأضاف “أي خطوة للاستثمار والتطوير في هذا الحقل يجب أن تتم بالتنسيق والتعاون بين الدول الثلاث”، مؤكدا أن طهران “تحتفظ لنفسها كذلك بحق الاستثمار في الحقل المشترك”.
ومع مضي طهران قدما في تفكيك أزماتها مع جيرانها الخلجيين، وعودة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين السعودية، تراجع الحديث عن الحقل، لكن المدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية، محسن خجسته مهر، قال مؤخرا إن طهران “جاهزة لبدء عمليات الحفر في الحقل”، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء فارس الإيرانية.
على الفور، أكدت الكويت والسعودية موقفهما من الحقل، ودعتا إيران للتفاوض بشأنه، وهو ما لم ترد عليه طهران.
وقال وزير النفط الكويتي يوم الأحد إن “الطرف الآخر (إيران) قضيته ليست واضحة، ولديه ادعاءات ليست مبنية على أساس من ترسيم واضح للحدود البحرية”.
كما أكد أن الكويت والرياض متفاهمتان بشكل عام في مسألة حقل الدرة وإن كل الخلافات التي كانت بينهما بشأنه تم حلها سلميا.
وقال البراك إن الظروف التي أفرزتها جائحة كورونا حالت دون المضي قدما في تطوير الحقل عام 2019 كما كان مقررا، لكنه أكد أن الحوار نفسه لم يتوقف.
وأضاف: “نحن جاهزون للمضي قدما في المنطقة المقسومة.. الترتيبات الجديدة بدأت، وسنرى مدى جاهزيتها في أسرع فرصة ممكنة”.
يتمثل الخلاف بين الكويت وإيران في أن المسافة بين شاطئي السعودية وإيران أقل من 400 ميل بحري، وهو أمر يمنع تقاسم المياه بينهما إلا باتفاق ثنائي في إطار القوانين الدولية، التي حددت 400 ميل بحري حدا أقصى لسيادة الدول على المياه التجارية والجرف القاري.
ويعتبر الحقل ثروة كبيرة كبيرة التي لا تتجاوز احتياطياتها من الغاز الطبيعي 35 تريليون قدم مكعبة فقط، ما يعني أن الحقل يعادل 30% من هذه الاحتياطات.
ووفقا للخبراء، فإن حل الخلاف دون التوصل لاتفاق بين الأطراف سيكون من خلال اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للفصل في قضية الحدود عبر الجرف القاري، وبالتالي تحديد أحقية كل دولة في المياه وثروات النفط والغاز.
وفي 9 يوليو الجاري، بحثت اللجنة المشتركة الدائمة الكويتية-السعودية تسريع وتيرة الأعمال والإنجازات في المشروعات البترولية المرتبطة بالمنطقة المقسومة.
وشمل ذلك العمليات المشتركة في حقلي “الخفجي” و”الوفرة”، بحسب بيان صادر عن وزارة النفط الكويتية.
أضف تعليقا