دعا جيش الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين المتواجدين في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة إلى البدء بإخلاء أجزاء من شرق المدينة وذلك غداة إقرار مجلس الحرب خطة اجتياح المدينة التي تمثل ملاذا أخيرا للسكان الذين نزحوا من بيوتهم.
وأعربت الإدارة الأمريكية عن قلقها العميق بشأن احتمال حدوث غزو عسكري إسرائيلي في المدينة التي تؤوي أكثر من مليون نازح فلسطيني، لكنها لم تتخذ خطوات فعلية لوقف العملية.
وخلال الأيام الماضية، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكثر من تصريح نيته غزو رفح سواء تم التوصل لاتفاق تبادل أسرى مع المقاومة أم لا.
وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال نداف شوشاني، في إفادة صحفية عبر الإنترنت إن القوات الإسرائيلية “بدأت صباح اليوم الاثنين عملية محدودة النطاق لإجلاء نحو 100 ألف شخص من شرقي رفح”.
عرض هذا المنشور على Instagram
إخلاء قسري
وقال جيش الاحتلال في تغريدة على منصة “إكس” إن قواته وسعت المنطقة التي تصفها بـ الآمنة في المواصي جنوب غزة، مشيرا إلى أن الخطوة تهدف “لاستيعاب المستويات المتزايدة من المساعدات المتدفقة إلى غزة”.
واستشهد 26 فلسطينيا -بينهم أطفال- بسبب غارات مكثفة شنها جيش الاحتلال على 11 منزلا شرقي رفح الليلة الماضية.
وتمثل رفح الواقعة على الحدود المصرية الملاذ الأخير لمئات آلاف المدنيين الذين فروا من القصف الإسرائيلي الذي دمَّر غالبية مدن القطاع، وهي أيضا نقطة التماس المباشرة بين غزة والأراضي المصرية.
وبعد فشله في تحقيق أهدافه التي أعلنها قبل 7 أشهر، يقول بنيامين نتنياهو إن تحقيق الانتصار المطلق في المعركة يتوقف على دخول رفح والقضاء على الكتائب الأربع المتبقية من الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
لقد ردد نتنياهو نفس الدعاية عندما أرسل قواته إلى مدينة خان يونس جنوبي القطاع، حيث جرت معارك دامية على مدار أربعة أشهر قبل أن تنسحب قوات الاحتلال دون العثور على أي من قادة حماس أو أي من الأسرى.
ويزعم نتنياهو أن العملية العسكرية قضت على كل كتائب القسام -الجناح العسكري لحماس- عدا أربع منها تتمركز في رفح، لكن غالبية التقارير الغربية والإسرائيلية تؤكد أن حماس لا تزال تحتفظ بجزء كبير من قوتها، وتقول إنها قادرة على مواصلة الحرب لشهور وربما لسنوات.
والأسبوع الماضي، نقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن مسؤولين لم تسمهم أن الحكومة الإسرائيلية أطلعت البيت الأبيض على خطتها لنقل المدنيين الفلسطينيين من رفح قبل عملية عسكرية محتملة.
وتوافقت هذه الأحاديث مع تصريحات للمتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، الذي قال في 28 أبريل الماضي، إن إسرائيل وافقت على الاستماع إلى المخاوف الأمريكية.
وقال كيربي لـ ABC News إن إسرائيل “أكدت لنا أنهم لن يذهبوا إلى رفح حتى تتاح لنا الفرصة لمشاركة وجهات نظرنا ومخاوفنا معهم”.
وحثت الولايات المتحدة إسرائيل على عدم شن هجوم واسع النطاق في رفح، وهو الأمر الذي فعلته واشنطن في بداية الحرب عندما نصحت بشن عمليات محدودة ونوعية.
ولم يستمع نتنياهو وقادة جيشه للنصائح الأمريكية في أول الحرب، ومضوا في اجتياح القطاع برا مما كبدهم خسائر تاريخية في الآليات والأفراد فضلا عن تهاوي الهيبة العسكرية والمخابراتية التي لطالما تغنّى بها مسؤولو تل أبيب.
ولا تمانع الولايات المتحدة دخول رفح بشكل عام وإنما هي ترفض القيام بعملية كبرى، حسب ما أكده وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، وهو ما يعني أنها تحاول إبعاد إسرائيل عن مستقنع جديد.
وتبدو العملية جزءا من عملية الضغط التي تمارسها إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة لإجبار المقاومة على قبول اتفاق لا يضمن وقف الحرب بشكل كامل.
وكان الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، قد أكد في كلمة له قبل أيام أن قوات الاحتلال ستواجه في رفح مقاومة لا تقل عن التي واجهتها في بقية مدن القطاع.
عرض هذا المنشور على Instagram
رفض دولي واسع
ورفضت العديد من الدول الغربية والعربية دخول رفح برا، وحذرت دولة قطر من كارثة إنسانية قد تترتب على هذه العملية، ودعت المجتمع الدولي لمنع إسرائيل من هذه الخطوة ووقف الحرب.
إلى جانب ذلك، نقلت “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين أن القاهرة حذرت علنا وسرا من أن عملية رفح قد تؤدي لتمزيق السلام بين مصر وإسرائيل.
ومن المتوقع أن يهرب عشرات آلاف إن لم يكن مئات آلاف السكان إلى سيناء المصرية في حال وقوع هجوم بري على رفح الملاصقة لها، وهو أمر قالت مصر إنه يمثل خطرا على أمنها القومي.
والشهر الماضي، نقلت “وول ستريت جورنال” عن مصادر لم تسمها أن الجيش المصري أبلغ الإسرائيليين بأنه لن يقبل بأي خرق للحدود وأنه وضع بعض القوات المدرعة بالقرب من الحدود.
وربما يكون دخول رفح هو المقامرة الأخيرة التي يحاول من خلالها نتنياهو تحقيق ما يمكنه وصفه بالانتصار المطلق، بغض النظر عن حجمه وطبيعته، كما يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين.
إلى جانب ذلك، فإن عملية رفح قد تنهي سلاما رعته الولايات المتحدة على مدار خمسين عاما بين إسرائيل ومصر التي حصلت على وعد أمريكي بعدم دفع الفلسطينيين إلى دخول أراضيها، حسب ما أكد المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية وليام لوارنس لقناة الجزيرة الشهر الماضي.
ونهاية أبريل، نقلت “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين مصريين أن إسرائيل أطلعتهم على خطة تظهر عدة مناطق تعتزم استهدافها في رفح.
وكانت الصحيفة نفسها قد نقلت عن مسؤولين مصريين في فبراير الماضي، أن القاهرة حذرت إسرائيل من أن أي عملية برية في رفح ستؤدي إلى تعليق فوري لاتفاقية السلام.
ومطلع الشهر الجاري، جددت دولة قطر إدانتها بأشد العبارات التهديدات الإسرائيلية باقتحام مدينة رفح، وأكدت رفضها القاطع شن أي عملية عسكرية في المدينة، محذرة من كارثة إنسانية فيها.