لماذا أطلقت قطر مشروع المصنع الرقمي؟

لا تتوقف دولة قطر تقريبا عن المضي قدما في رقمنة الحياة وتقليل الاعتماد على النظم التقليدية في التعاملات بمختلف أنواعها، وهو ما دفعها لإطلاق مبادرة “المصنع الرقمي” التي تستهدف تطوير الخدمات الحكومية.

هذا المشروع الذي كشفت عنه يوم الاثنين (26 سبتمبر 2023) يبشر بنهضة جديدة تقوم على الابتكار وتحسين الكفاءة التشغيلية والتركيز على الخدمات التي تلبي احتياجات المستخدم، وفق ما قاله وزير الاتصالات محمد المناعي.

إلى جانب ذلك، فإن المصنع الجديد بحسب ما نقلته وكالة الأنباء القطرية الرسمية عن المناعي، يعكس محاولات الدوحة استشراف دمع التطور التكنولوجي بالنسيج الثقافي مستقبلا.

وأعلنت قطر مرارا عزمها رقمنة العديد من أوجه الحياة والخدمات في ظل مجتمع يسير بخطى ثابتة نحو مزيد من الاعتماد على التكنولوجيا.

وقد أكد سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في كلمته أمام الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة على ضرورة الاستفادة من هذا التطور التكنولوجي الذي فاق مرحلة الخيال العلمي، دون تجاهل مخاطره أو التغافل عنها والعمل على حماية أمن وخصوصية الإنسان.

 

أهداف المصنع

وفقا لبيان صادر عن وزارة الاتصالات، فإن المصنع الجديد يهدف لتطوير طريقة تقديم الخدمات الحكومية الإلكترونية والتحول إلى خدمات أكثر شمولا وتكاملا بدلا من القنوات المتعددة المعمول بها حاليا.

وتسعى الدوحة أيضا من خلال هذا المصنع لتعزيز الخدمات الحكومية التفاعلية التي تقدم حلولا تقنية تركز على المستخدم وتتماشى مع التطور الرقمي للمجتمع.

ومن المقرر أن يعمل المصنع وفق خطة تشغيلية مدتها ثلاث سنوات تستهدف تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين قبل أن ينتقل إلى تلبية احتياجات الشركات والزوار الرقمية، مع توقعات بزيادة مستوى الإنتاجية وخلق مزيد من فرص العمل.

وسيعمل المصنع في السنة التشغيلية الثالثة على تحسين وتخصيص الخدمات لضمان تجربة خدمية محسنة للمواطنين والمقيمين.

وتحاول وزارة الاتصالات من خلال المصنع مواجهة العديد من التحديات المتمثلة في أن 35٪ من الخدمات الحكومية تواجه تأخرا في الإجراءات، فضلا عن أن 45% فقط من الخدمات جاهزة للتحول الإلكتروني الكامل.

هذه التحديات بحسب الوزارة تؤكد ضرورة وجود “المصنع الرقمي” خصوصا وأن 27% فقط من السكان يستخدمون الخدمات الإلكترونية في الوقت الراهن، وبالتالي فإن وجود مصنع رقمي التزاما من الحكومة بتعزيز الخدمات الرقمية للجميع.

وتسعى مبادرة “المصنع الرقمي” لتوفير منصات متطورة وأدوات رقمية مستقبلية للجهات الحكومية، مما يمكنها من تطوير الخدمات لتلبية احتياجات المجتمع الرقمي المتغيرة، كما ذكرت “قنا”.

 

مكانة رقمية مميزة لقطر

وفقا لتقرير البنك الدولي الصادر في 2022، فإن دولة قطر تحتل مركزا متقدما في التحول الرقمي على المستوى العالمي، حيث منحها البنك تصنيف A في مجموعة الدول المتقدمة في نضج الحكومة الرقمية بمستوى نضج بلغت نسبته 87.4%، وهي درجة مرتفعة للغاية.

كما إن استثمارات الدوحة الرقمية تنمو بسرعة كبيرة وفق ما نشرته مجلة “إيكونوميست إنتليجنس” البريطانية في يوليو 2021.

وبحسب المجلة البريطانية فإن الاستثمارات القطرية تنمو بشكل ملحوظ في مجال الحوسبة السحابية، التي سجلت أعلى مستوياتها على الإطلاق.

وفي فبراير الماضي، قالت “بوسطن كونسلتينج جروب” إن قطر تحتل المرتبة الأولى عالميا في تطبيق النهج الرقمي وتوفير خدماته على نحو فائق النمو، إلى جانب تزايد اعتماد الخدمات الحكومية الرقمية الناشئة.

وقد أظهر التقرير الذي حمل عنوان “خدمات الحكومة الرقمية الشخصية والاستباقية”، أن مسار التحول الرقمي يشهد تسارعا في دول مجلس التعاون الخليجي”، وأن الخدمات الحكومية الرقمية صارت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية لسكان قطر منذ بداية جائحة كوفيد.

التقرير كشف أيضا زيادة مستويات الرضا عن الخدمات الحكومية الرقمية في قطر، حيث نالت التصنيف الأول عالميا في هذا المجال، بمعدل بلغ 86٪ خلال عام 2022.

من ناحية أخرى، شهدت عروض الخدمات الرقمية في قطر إقبالا إيجابيا، حيث أظهر السكان انفتاحا كبيرا فيما يخص اعتماد هذه الخدمات بوتيرة متسارعة ومتزايدة على نحو مستمر، بحسب التقرير.

وقال 58٪ من المشاركين في الاستطلاع الذي اعتمد عليه التقرير إنهم استفادوا من ميزات الخدمات الحكومية الرقمية مرة واحدة على الأقل أسبوعيا، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 49% فقط.

ويكتسب هذا المستوى من التكامل أهمية كبيرة على ضوء السقف المرتفع للتوقعات، حيث تتوقع الغالبية العظمى من سكان دول مجلس التعاون الخليجي الحصول على خدمات حكومية متطورة، تنافس الخدمات التي تقدمها الشركات العالمية الخاصة، أو الجهات الرائدة في مجال التحول الرقمي.

وتشمل هذا التوقعات القدرة على ملء النماذج تلقائيا بالبيانات المتاحة للعملاء، وتخصيص عروض إضافية أو التوصية باستخدامها، وصولا إلى أتمتة المهام المعقدة مثل، إجراء حجوزات السفر أو الموافقة على القروض.

 

قطر الأولى في الإنفاق على الأمن السيبراني

كما تشهد دولة قطر أسرع نمو في الإنفاق على الأمن السيبراني بالشرق الأوسط، وسط توقعات بتجاوز ميزانيته 1.64 مليار دولار بحلول عام 2026.

وبحسب تقرير مشترك نشرته وكالة ترويج الاستثمار القطرية (IPA Qatar) بالتعاون مع شركتي مايكروسوفت وEY-Parthenon، أواخر يوليو 2023، بعنوان “تأمين المستقبل الرقمي: رؤى الاستثمار وفرصه”، فغن الإنفاق على الأمن السيبراني في قطر سيشهد زيادة بنسبة تتجاوز 12.7٪ من 1.01 مليار دولار عام 2022 إلى أكثر من 1.64 مليار دولار بحلول عام 2026.

وأشار التقرير إلى أن التكنولوجيا المتصلة بالإنترنت بشكل كبير والاستثمار في البنية التحتية للبيانات سيدعمان نمو سوق الأمن السيبراني في قطر والمنطقة.

وفي مايو الماضي، افتتحت غوغل كلاود منطقتها السحابية في الدوحة للمساهمة في تلبية الطلب المتزايد على الخدمات السحابية في قطر ومنطقة الشرق الأوسط.

وفي سبتمبر الجاري، انضمت دولة قطر إلى منظمة التعاون الرقمي التي تستهدف تعزيز تعاون الدول الأعضاء في مجالات الاتصالات وتقنية المعلومات وتحقيق التنمية عبر التكنولوجيا الرقمية.

وجاء انضمام الدوحة إلى المنظمة في إطار سعيها لتعزيز استفادتها من التطور الرقمي على مختلف الصعد وخصوصا فيما يتعلق بالاقتصاد القطاع المالي والأمن السيبراني.

ويتيح الانضمام إلى منظمة التعاون الرقمي للدوحة تعزيز بنيتها التحتية التكنولوجية وإحداث مزيد من الابتكار في عدد من القطاعات التي تدعم خطط التنمية المستقبلية.

إلى جانب ذلك، ستحصل الدوحة على مزيد من الفرص لتطوير كوادرها البشرية في القطاع الرقمي عبر المشاركة في مشاريع وبرامج تدريب تقدمها المنظمة. كما ستشارك في تطوير التشريعات الرقمية إقليميا ودوليا.

وستكون قطر من خلال هذه العضوية قادرة بشكل أكبر على تقوية أمنها السيبراني ومكافحة الجرائم الإلكترونية التي أصبحت تتزايد بشكل مضطرد.

 

خطوة استراتيجية

وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات القطرية قالت في بيان إن انضمام الدوحة إلى المنظمة “خطوة استراتيجية تؤكد التزامها بتعزيز الاقتصاد الرقمي ودعم الازدهار العالمي من خلال التحول الرقمي”.

وقال وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات محمد المناعي إن هذه الخطوة تعكس التزام الدوحة الدائم بدعم الازدهار العالمي عبر التحول الرقمي ورغبتها في مشاركة قدراتها الرقمية مع مختلف الدول.

ويعتبر الانضمام إلى منظمة التعاون الرقمي جزءا من استراتيجية قطر الرامية لتعزيز دورها كفاعل رئيسي عالمي في مجال التنقية والابتكار، وهو أيضا جزء من مساعي الدوحة لتقوية العلاقات من خلال التعلم المشترك وتبادل الخبرات وتمكين الشباب، بحسب المناعي.

وتأسست المنظمة عام 2020 برئاسة السعودية وتتكون حاليا من 14 عضوا بمجموع سكان يتجاوز 600 مليون نسمة (70% منهم دون الـ35) وتمتلك إنتاجا محليا إجماليا يقول تريليوني دولار.

ومن بين الدول الأعضاء في المنظمة: البحرين، والأردن، والكويت، وباكستان، وسلطنة عمان، ونيجيريا، وتترأس أمانتها العامة الأكاديمية السعودية ديمة اليحيى.

وتسعى المنظمة إلى زيادة مستوى الاقتصاد الرقمي جماعيا من خلال الأعضاء وذلك عبر تطوير عملية صنع السياسات والتشريعات التنظيمية لمواجهة تدفق البيانات عبر الحدود والتبادل التجاري الرقمي.

وتستهدف المنظمة تسريع التحول الرقمي في الدول الأعضاء وتعزيز الكوادر البشرية والبنية التحتية بشكل تعاوني، كما تستهدف إتاحة الفرص للشركات الصغيرة والمتوسطة.

ويعتبر تمكين رواد الأعمال الرقميين من بين الأهداف المهمة للمنظمة إضافة إلى تعزيز الشمول الرقمي بين النساء والشباب وغيرهم من السكان الممثلين تمثيلا ناقصا.

وخلال مؤتمر الجمعية الدولية للأتمتة 2023 الذي بدأت فعاليته بالدوحة يوم الاثنين 25 سبتمبر 2023، ثمن خبراء الخطوات التي قطعتها قطر في رقمنة كافة المجالات وخاصة في قطاعي النفط والغاز.

ونقلت وكالة الأنباء القطرية عن نائب رئيس المنظمة الدولية للأتمتة في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا سليمان الماضي، أن قطر هي الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تستضيف مثل هذا الاجتماع لقادة الأتمتة الدوليين، والذي عقد على مدى 75 عاما الماضية، بالتناوب بين عدد من الدول الأوروبية.

كما نقلت الوكالة عضو الجمعية الدولية للأتمتة ورئيس مجلس إدارة شركة (IMCO) ناصر الكواري قوله إن قطر بذلت جهودا متقدمة في مجال التحول الرقمي في جميع المجالات على غرار صناعة النفط والغاز.

وأكد الكواري على أهمية الأنظمة الرقمية في رفع كفاءة القطاع على مستوى الإنتاج والصيانة وتحقيق الأمن والسلامة في القطاع وتخفيف الكلفة والانبعاثات الكربونية.

وأضاف أن قطر “نجحت من خلال الاستراتيجية التي اتبعتها في تحقيق نقلة نوعية في المجال”، مؤكدا على ضرورة مواكبة المستجدات التي تعرفها التكنولوجيات الحديثة على اعتبار تغيراتها المستمرة.

واعتبر الكواري أن التحول الرقمي بالإضافة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي من أبرز التحديات التي تواجهها صناعة النفط والغاز.

الرابط المختصر: https://msheireb.co/np