أزمة شركة نكسبيريا تشل حركة صناعة السيارات في أوروبا

تعرف على شركة نكسبيريا التي هزت صناعة السيارات
تعرف على شركة نكسبيريا التي هزت صناعة السيارات

 تنتج شركة نكسبيريا مليارات الرقائق الإلكترونية الأساسية سنويا، وتحتوي على الترانزستورات والثنائيات ومكونات إدارة الطاقة، وتصنع في أوربا ثم ترسل إلى منشآتها في الصين للتجميع والاختبار، قبل أن يعاد تصديرها إلى العملاء في أوروبا ومختلف أنحاء العالم.

ووفقا للتقديرات فإن نحو 70% من الرقائق المنتجة في هولندا ترسل إلى الصين، لإتمام عمليات التصنيع والتعبئة بحسب سي إن بي سي.

وتعد هذه الرقائق العمود الفقري لكل المنظومات الإلكترونية تقريبا، لاسيما في قطاع السيارات، إذ تؤدي دورا حيويا في توصيل البطاريات بالمحركات، وتشغيل الأضواء وأجهزة الاستشعار، والسيطرة على المكابح، فضلا عن أنظمة الترفيه والنوافذ الكهربائية.

كما ينعكس أي خلل في إنتاجها أو توريدها على خطوط التجميع في كبرى شركات السيارات.

وتشهد صناعة أشباه الموصلات العالمية واحدة من أعقد أزماتها خلال السنوات الأخيرة، بعد أن قررت الحكومة الهولندية في سبتمبر الماضي الاستحواذ على شركة “نكسبيريا” (Nexperia)، وهي شركة أوروبية متخصصة في إنتاج المكونات الإلكترونية الدقيقة، تملكها شركة “وينغتيك” (Wingtech) الصينية.

من فيليبس إلى نكسبيريا

تعود جذور نكسبيريا إلى بدايات القرن العشرين، حين تأسست شركتا مولارد (Mullard) في لندن وفالفو (Valvo) في هامبورغ، اللتان استحوذت عليهما لاحقا شركة فيليبس (Philips) الهولندية، لتصبح نواتها في صناعة أشباه الموصلات.

وخلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بدأت فيليبس تطوير مكونات إلكترونية دقيقة في مدينة نيميخن الهولندية، وأسهمت في ابتكار حزم التركيب السطحي الشهيرة مثل SOT23 عام 1969، لتكون من رواد الصناعة الحديثة للإلكترونيات.

وفي عام 2006، فصلت فيليبس قسم أشباه الموصلات ليصبح NXP Semiconductors، ثم استقل القسم لاحقا عام 2017 تحت اسم نكسبيريا بحسب منصة الشركة

الاستحواذ الصيني

في عام 2019، استحوذت شركة وينغتيك الصينية، المملوكة جزئيا للحكومة، على نكسبيريا، لتدخل الشركة تلقائيا في قلب الصراع التكنولوجي بين الصين من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى.

وتنتج نكسبيريا أكثر من 110 مليارات مكون إلكتروني سنويا، تستخدم في صناعة السيارات والإلكترونيات الاستهلاكية، وتنتشر مصانعها في ألمانيا والمملكة المتحدة والصين والفلبين وماليزيا.

وبلغت إيراداتها نحو ملياري دولار في عام 2024، وفق بيانات رويترز، ما يجعلها لاعبا رئيسا في سلسلة توريد أشباه المواصلات حول العالم.

هولندا تستعيد السيطرة

في 30 سبتمبر 2025، فعلت الحكومة الهولندية “قانون توافر السلع” (Goods Availability Act)، وهو قانون نادر الاستخدام يعود إلى حقبة الحرب الباردة، لتتولى بموجبه السيطرة الفعلية على شركة نكسبيريا.

وبررت السلطات القرار بوجود “ثغرات في الحوكمة والإدارة”  داخل الشركة تهدد أمن واستمرارية المعرفة التكنولوجية والقدرات الصناعية في هولندا ووأوربا عموما والتي تعد حيوية لسلاسل التوريد الأوروبية، بحسب سي إن بي سي

وفي خطوة موازية أوقفت محكمة هولندية الرئيس التنفيذي للشركة تشانغ شيويه تشن  وهو مؤسس “وينغتيك” عن عمله بتهمة سوء الإدارة والإخلال بواجبات الحوكمة، مما صعد التوتر مع الصين.

الرد الصيني

لم تتأخر بكين في الرد إذ أعلنت في الرابع من أكتوبر فرض ضوابط تصدير على منتجات نكسبيريا المصنعة في الصين والمتجهة إلى أوروبا، مما أجج المخاوف من خطوة أوسع في نطاق سلسلة التوريد.

وأفادت كبرى شركات صناعة السيارات بأن التصعيد الحاصل بين الصين وأمستردام يمكن أن يكون له تأثير سريع على الإنتاج، خصوصا في قطاع السيارات، حيث تستخدم رقائق نكسبيريا بشكل كبير بإنتاج السيارات حسب رويترز.

وتضمن الحظر الصيني منتجات وخطوط تجميع في مصنعيها بمنطقة ” دنغقوان” ما تسبب بتعطيل جزئي لسلسة التوريد.

وقالت الشركة في بيان داخلي لعملائها إنها “لم تعد قادرة على ضمان الإمدادات”، فيما اتهمت وزارة التجارة الصينية الحكومة الهولندية بالتدخل غير اللائق في الشؤون الداخلية للشركات، محملة إياها مسؤولية الفوضى الراهنة في السوق العالمية.

شلل يهدد صناعة السيارات

مع تصاعد الأزمة، أعلنت شركات كبرى مثل هوندا وفورد وجنرال موتورز عن تخفيض أو تعليق الإنتاج في مصانعها بسبب نقص الرقائق.

وفي أوروبا، حذرت رابطة مصنعي السيارات الأوروبية من أن المخزون المتبقي  من رقائق نكسبيريا “لن يكفي سوى لأسابيع قليلة”، في حين أكدت مرسيدس بنز  أنها تمتلك احتياطا يكفي للمدى القريب

كما أكدت فولكس فاغن أنها تواجه صعوبات في تحقيق أهدافها المالية الحفاظ على وتيرة الإنتاج الحالية.

وفي ألمانيا، أعلنت شركة أوموفيو إس إي أنها تستعد لتقليص ساعات العمل، بينما قالت جمعية مصنعي السيارات الأمريكية إن المصانع في الولايات المتحدة”“على بعد أسابيع فقط من التأثر المباشر” إن لم تحل الأزمة سريعا.

أمريكا على خط الوساطة

تزامنا مع تصاعد التوتر كشفت تقارير إعلامية عن وساطة أمريكية بين بكين وأمستردام.

ونقلت شبكة CNBC عن مصادر مطلعة أن اتفاقا مبدئيا تم خلال قمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية، يقضي باستئناف جزئي لشحنات نكسبيريا إلى أوروبا.

من جانبها أعلنت وزارة التجارة الصينية أنها ستمنح إعفاءات تصدير محدودة لبعض منتجات الشركة، مؤكدة أن “الصين تضع في اعتبارها أمن واستقرار سلاسل التوريد العالمية”

وقال متحدث باسم وزارة التجارة الصينية إن الصين ” ترحب باتصال الشركات التي تواجه صعوبة في قضية الرقائق بشكل فوري بالوزارة أو السلطات التجارية المحلية.

ورغم الحديث عن إعفاءات وتفاهمات جزئية، لا تزال جذور الأزمة عالقة عند قضايا الملكية، والإشراف الأمني، والتكنولوجيا الحساسة.

ويرى محللون أن ما يجري بين هولندا والصين ليس سوى فصل جديد في حرب الرقائق العالمية بين الشرق والغرب.

الرابط المختصر: https://msheireb.co/7gk